أقلام حرة

العراق: والدويلات الافتراضية / بقلم جاسم محمد

في بلاد الرافدين وفشل مجلس الشورى الاسلامي في العراق ادى الى ظهور" دولة العراق الاسلامية " الافتراضية عام 2006 لتكون بديلا لشبكة القاعدة ومحاولة منها اضفاء  الهوية العراقية اكثر من العربية لامتصاص نقمة العشائر العراقية على تنظيم الجهاد والتوحيد في بلاد الرافدين .

جاء تشكيل التنظيم  ضمن  حسابات ستراتيجية جديدة اتبعتها شبكة القاعدة  باعتماد التنظيمات الاقليمية وتشديدها على بلاد الرافدين وفقا لايدلوجيتها التي تقول: " بان جيوش تحرير القدس تنطلق من ارض العراق. " واختيار العراقي حامد داود خليل قائدا للتنظيم ومنحه اسم (ابو عمر البغدادي الحسني) خطوة منها لايجاد اجماع المذاهب العراقية حول اسمه  وكنيته غير الحقيقية .

واكد المتحدث باسم وزارة الدفاع اللواء محمد العسكري لوكالة فرانس برس ان البغدادي كان ضابطا في الشرطة في عهد صدام حسين، موضحا ان "البغدادي قد اعتقل في أوائل عام 2006 من قبل الجيش الأميركي واطلق سراحه بعد بضعة أشهر".

لقد جائت ولادة " دولة العراق الاسلامية " خارج رحم  التنظيم المركزي لشبكة القاعدة  الذي يشترط فيه  مبايعة اسامة بن لادن انذاك رغم مباركة الاخير لها واعتبارها  خطوة  لمواجهة رفض الحواضن العراقية السابقة لشبكة القاعدة .

 ان اسم " دولة العراق الاسلامية " يتعارض اصلا مع هيكلية شبكة القاعدة التي تؤمن بوجود خلافة  اسلامية واحدة وليست دويلات واختار التنظيم محافظة ديالى بديلا للمنطقة الغربية بعد الصحوات،  ربما   تكون  جغرافية مدينة ديالى وقربها من العاصمة بغداد وتمددها مع الحدود الايرانية، احدى  الاسباب  الميدانية  لاختيارها  وهو يشبه  تمدد جغرافية شبكة القاعدة مابين افغانستان و ايران، بعد اخضاع  سوريا ومعابرها للضغوطات الاميركية والمراقبة، ماعدا معبر ربيعة الذي مازال يعتبرا منفذا لدخول المتطوعين والانتحاريين  .

 تنظيم دولة العراق الاسلامية يشترك مع تنظيم التوحيد والجهاد بهدر دم الطائفة  الشيعة اكثر من استهدافه للقوات لاميركية، واستهداف مناطقها  المغلقة  تؤكد بانها  احدى  اهداف للتنظيم  . ان مقتل ابو عمر البغدادي بصحبة ابو ايوب المصري / وزير حربه  في العراق يؤكد علاقة التوأم بين التنظيمين والعمل تحت مظلة القاعدة .

ان الواجب الشرعي  لشبكة القاعدة يشترط انضمام  الجماعات والفصائل الاسلامية تحت تنظيم واحد وتكون  ولاية وبيعة واحدة وهذا ما اكده القيادي في تنظيم القاعدة ابي يزيد في مقابلة له مع العربية /برنامج  صناعة الموت عام 2008 مضيفا ان اسم التنظيم لايشكل مشكلة وممكن تغيره .

 

الهيكل التنظيمي

ياخذ الهيكل التنظيمي لدولة العراق الاسلامية شكل  تنظيم القاعدة في العراق والذي يضم ذات الوزارات اهمها :

وزارة الحرب :  المسؤولة عن عمليات التدريب وتوفير الأسلحة والتخطيط للهجمات .

وزارة المالية : تامين التمويل للتنظيم وضمن اعترافات بعض قيادات التنظيم  بانها تقوم على التمويل الداخلي اي الاتاوات من رجال الاعما ل والمحلات ومحطات الوقود وضمن تصريحات السيد محمد العسكري المستشار الاعلامي  لوزارة الدفاع وشهود اخرين بثتها بعض القنوات الفضائية بان المصافي النفطية كانت تعتبر احدى المصادر الرئيسية للتمويل مع استيلاء التنظيم على ناقلات نفط  عراقية واعادة بيعه في محطات وقود غير شرعية على غرار سيناريو طالبان في افغانستان  .

واكدت  نتائج تحقيقات وزارة الداخلية العراقية  بان التمويل الخارجي يكاد يكون محدودا  .

وزارة الاعلام  : توثيق ونشر الفتاوى والعمليات من خلال المواقع والنشرات ابرزها موقع الفرقان الذي يعتبر الموقع الرسمي للتنظيم .

لجنة  الشريعة والدراسات والفتاوى  : اصدار الفتاوى والدراسات .

ان اعترافات معتقليي " دولة  العراق الاسلامية " تؤكد غياب الايدلوجية العقائدية واعتماد الكم اكثر من النوع مع اعتماد العامل المادي اساس بالتجنيد والعمل، وهذا ما يعطي صورة هشة للتنظيم  وتداعيات  سقوط قياداته  .

 

تراجع التنظيم:

كانت هنالك عمليات نوعية " لدولة العراق الاسلامية" ابرزها اقتحام البنك المركزي العراقي، و مبنى محافظة صلاح الدين ومقر هيئة النزاهة و لكنها متورطة ايضا بعمليات قتل عشوائي للمدنيين العراقين   باستهدافها الصحوات  والشيعة  وقوات الشرطة والجيش .

تميزت عمليات" دولة العراق الاسلامية " بتوقيتها مع الازمات السياسية مما اعتبرها  بعض المراقبين بألذراع العسكري لبعض الكتل السياسية المشتركة في الحكومة والعملية السياسية ابرزها موجة العتف التي اجتاحت بغداد خاصة المناطق الشيعية في اعقاب تازم قضية طارق الهاشمي شهر ديسمبر 2011 .

هذه العمليات ممكن تفسيرها استخباريا بانها كانت مبيتة اصلا في اعقاب اي تطور سياسي لذلك نجد تصاعد وتيرتها مباشرة مع الازمة السياسية وانخفاضها بعد افراغ ماموجود لديها من خزين الانتحاريين والعجلات المفخخة والذخيرة .

وفي تصريح الى حسين كمال وكيل وزارة الداخلية العراقي الاستخبارات لوكالة "رويترز"، إن "ثمة اعتقادا بأن تنظيم القاعدة اختفى من العراق، لكن هذا ليس صحيحا لأنهم أعادوا تنظيم صفوفهم والآن الجيل الثالث من (القاعدة) يعمل بكثافة ليعيد تنظيم نفسه بالأسلحة والتدريب.

لكن من جانب اخر شهد العام الحالي عمليات نوعية من قبل الحكومة العراقية  لالقاء القبض على قبادات هذا التنظيم  وخاصة في محافظة نينوى، فقد أعلنت وزارة الدفاع العراقية في الاول من  الشهر الجاري شباط 2012  اعتقال مخلف محمد حسين  الذي يشتبه في أنه قائد ما يسمى بـ "دولة العراق الاسلامية" ، وقال اللواء محمد العسكري إن الجيش العراقي اعتقل  مخلف المعروف باسم أبو رضوان مع ثلاث  من قياديي " دولة العراق الإسلامية" وذلك في منطقة الجزيرة الواقعة غرب سامراء .

وذكر مصدر امني عراقي ان قوة من قيادة عمليات نينوى القت القبض على  فلاح حمودي مرزوك الخياني الذي يوصف بانه وزير المالية في" دولة العراق الاسلامية " بالموصل، مشيرا الى ان المعتقل كان الامير العسكري في التنظيم لمدينة حديثة في محافظة الانبار وقضاء بيجي في محافظة صلاح الدين .

وكذلك  القاء القبض على وزير الاعلام المدعو منهل عز الدين  اثر عملية امنية نفذتها في منطقة النبي يونس في الساحل الايسر من مدينة الموصل، هذه العمليات واعترافات قيادات التنظيم تؤكد هشاشتة .

 

المؤسسات الامنية العراقية

باتت العمليات المسلحة مرتبطة بالعملية السياسية  وعدم استقرارها من خلال تصاعد وتيرة العنف في العراق،اما موضوع جاهزية القوات العراقية وامكانتيها في تامين الامن الداخلي للعراق وحماية حدوده فمازالت موضع تضارب وغير مؤكدة وسط معاناة المؤسسات الامنية  من مشكلة الدمج واختراق المليشيات لها .

ان مفهوم دمج الميلشيات والصحوات في المؤسسات الامنية، هي قرأة خاطئة من الحكومة والكتل السياسية  لحل مشكلة الامن بل تزيدها تعقيدا وممكن اعتبارها  خطوة ليس بالاتجاه الصحيح  لانها تخلق من المؤسسات الاستخبارية والامنية خزان بشري  بدلا من معالجة المشكلة جذريا/اقتصاديا .

ولايمكن للمؤسسة الامنية العراقية استعادة كفائتها الا بتفكيكها واعادة بنائها من جديد على اساس الكفاءة والخبرة مع ايجاد سياسة تنسيقية لا تتعارض بعضها مع الاخر .

 ان احدى قواعد نظم المعلومات هو تنظيم بطاقات سكن جديدة وعقود ايجار البيوت والمكاتب  وبطاقات ملكية العجلات والمركبات لتتمكن الاجهزة الامنية من تعقب المعلومات وعدم الاعتماد فقط  على نشر القوات.

يحاول رئيس الحكومة  الامساك بالامن من خلال اشرافه المباشر على القوات المسلحه والامن القومي و اللواء 56  الرد السريع و مكتب المعلومات  داخل مكتب رئيس الوزراء و قسم  ام 2 داخل الاستخبارات العسكريه المعني بجمع وتحليل المعلومات العسكريه وهي مهمة صعبة مع ابقاء منصب وزير الدفاع والداخلية والمخابرات شاغرا ، هذه المجموعه من الاجهزه والهيئات  الامنيه خلقت الكثير من التداخلات  فهناك قدر هائل من المعلومات داخل المؤسسات الاستخبارية المختلفة لم تخضع للتوظيف .

 

بعض تصريحات المجموعات المسلحه " دوله العراق الاسلاميه " ذكرت في اصداراتها بانها كثيرا ما استخدمت الاختراقات والخدع والتمويه  ضد الاجهزه الامنية  وهذه الاختراقات  اكدتها عمليات هروب معتقليها من مراكز الاعتقال واكدتها تصريحات  الناطق باسم قيادة عمليات بغداد اللواء قاسم عطا في مقابلة تلفزيونية  في 20 نيسان 2010  نقل فيها خبر اعتقال شخص يحمل اسم البغدادي في نيسان 2009 بانها   كانت عملية  تمويه لخداع تنظيم القاعدة، مؤكدا "استخدمنا نفس السلاح الاعلامي الذين يستخدمونه".

بات معروفا بان الامن في العراق يفتقد قواعده الاساسية ولكن لا تتحمل المؤسسات الاستخبارية والامنية العراقية كامل المسؤولية طالما انها تخضع لتوافقات داخل العملية السياسية  بين جميع الكتل والاحزاب بل  تتحمل ـ الكتل السياسية ـ  مسؤولية  دماء الابرياء من العراقيين المدنيين التي اطحنتهم ماكنة الارهاب  .

 

كاتب في قضايا الارهاب والاستخبار

 

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2030 الثلاثاء 14 / 02 / 2012)

في المثقف اليوم