أقلام حرة

اقليم كوردستان بحاجة الى دستور ديموقراطي / عماد علي

كما يحق للاخرين، يحق لاقليم كوردستان الاستناد على برلمانه وحكومته الخاصة به، والدستور كام القوانين والناظم للامور العامة كافة ولتنظيم الادارة الذاتية والعلاقات المختلفة سواء مع المركز او مع العالم الخارجي كضرورة ملحة  لا تقبل النقاش والتاخير مهما كانت الحجج، فانه من المفروض اقرار دستوره الخاص باسرع ما يمكن، وتلكؤ السلطة في اقليم كوردستان لاقراره لحد اليوم يعتبر نقطة غير محمودة يحسب عليه .

ان كانت للشعب الكوردستاني المقومات الاساسية لاقرار حق تقرير المصير في بناء كيانه ، ولم يفعل لحد اليوم، واختار قادته الفدرالية كنظام عام والقاعدة الاساسية لبقاءه ضمن الحدود المصطنعة المفروضة عليه بحكم الظروف والمؤثرات والمصالح التي رسمت الحدود في حينه، هذا لا يعني ان يلتزم ويفرض على نفسه البقاء في واحة الصراعات والخلافات والتحديات وعدم الاستقرار والامان في العراق الى الابد، ويجهل ويتجاوز مصلحته كما ينبغي وكما يفعل لحد اليوم، وكابسط الحقوق لاي شعب، يمكن له ان يبحث عما يضمن مستقبل اجياله وما يسيٌر امورهم ويؤمٌن لهم الحرية والسعادة والتقدم والانتعاش ويثبت لهم السلام الدائم والامان ويبعدهم عن شرارة الاحتكاكت العقيدية والمذهبية، ويبقوا هم الضحية لافعال الاخرين، ويخرجوا في النهاية من المولد بلا حمص.

اقليم كوردستان كجزء من كوردستان الكبرى من حيث الموقع الجغرافي والشعب والخصائص والسمات،  طوال العقود المنصرمة، لم يكن في حال توفر امامه الفرصة لتحقيق اهدافه الاستراتيجية التي ناضل ابناءه من اجلها ودفعوا دماءا غالية طوال العقود الماضية، وكان هذا الشعب دائما ضحية مطامع القوى العالمية والاقليمية حتى الوقت القريب، وما شاهدنا من تغيير المعادلات لحد اليوم يقع لصالح الشعب الكوردستاني .

 لذا ، من حقهم الشرعي ان يتخطوا المرحلة الصعبة ويوفروا ما لديهم من الامكانية والقدرة من اجل عدم تكرار المآسي والويلات على اجيالهم القادمة، وهم من كانوا دائما تحت رحمة المتسلطين، وكانوا هم المغدورين والمحرومين من الحقوق الطبيعية لهم .

خلال العقدين الماضيين، على الرغم من وجود الانتقادات الكبيرة لمسيرة الاقليم وما مر به وما شاب الحكم فيه من الضيم وما افرزت منه من السلبيات ومرَ بمراحل لا يحسد عليه وحفرت في كيانه العديد من الثغرات، الا انه استقر اخيرا على وضع وان لا يمكن ان نصفه ضمن اطار الطموح الذي يكنه الشعب للوصول اليه، غير انه الخطوة التي بدات تتوائم مع الخطوة الاولى المؤملة لتحقيق الاماني اعظيمة للشعب، وشهد الاقليم تغييرا محسوسا مقارنة مع ما كان عليه من قبل . ولضمان استمراره وابعاد القلق والخوف الكامن في تفكير اجياله من المستقبل وما يمكن ان يحدث، لابد له من ان يقوٌي  القاعدة الاساسية الرصينة التي يرتكز عليها، والتي من الواجب تقويتها باستمرار، ومن الممكن بناء ما يتامله الشعب بشكل سليم لضمان الوصول الى المحطة المؤملة من تحقيق اماني الشعب الكوردستاني .

وفق كل مستلزمات الحياة العامة وما يمكن ان ينظم مسيرة هذا الشعب بشكل اقوى، الهدف الرئيسي هو الاصرار وتكثيف الجهود من اجل ترسيخ الاعمدة الاساسية للبناءالموجود، من اجل استكمال البنيان العصري التقدمي الجميل الذي ينتظره الجميع في النهاية. وعليه، كاهم حاجة وضرورة في تسيير امور الاقليم هو وجود المحرك والمنظم والساند والداعم،  وهو الاساس القانوني الذي يجب يلتزم به الجميع وهو الدستور الديموقراطي التقدمي العصري المتوائم مع التغييرات العالمية  وبما يتماشى مع متطلبات العصر والحداثة المنشودة، لتوفير ما يدفع ظروف حياة المجتمع الكوردستاني نحو الرخاء والامان دون اية اعاقة قانونية سياسية عامة، وهذا لا يعني عدم الاعتبار لخصوصياته وكلتوره وموقعه وما يفرضه عليه تراثه وتاريخه .

دستور ديموقراطي ضامن لكافة الحريات العامة والخاصة حسب ما تقتضيه ضرورة المعيشة العصرية بعيدا عن احداث الثغرات التي يمكن ان تُستغل من قبل من لهم صلة ومصلحة بها داخليا وخارجيا ، من الجهات ذات الشأن من القوى الداخلية والاقليمية والعالمية، دستور يضمن اجماع الشعب عليه من اجل الالتزام الطوعي العفوي به من قبل الجميع، دستور يضمن الديموقراطية الحقيقية ويقطع الطريق امام تكرار المآسي والويلات التي حلت بالشعب ، دستور يمنع الاجتهادات الشخصية ولا يقلص الصلاحيات بيد اي طرف او جهة او شخصية والتي تؤدي الى اعادة بناء الدكتاتوريات باشكال وانواع ومضامين مختلفة، دستور يقطع حتى التفكير او التوجه من قبل اي كان نحو الانفراد بالحكم وضرب القوانين عرض الحائط حسب ما نقراه من كل الشخصيات والقيادات الشرقية، دستور يضمن حقا حكم الشعب للشعب فعليا وبنسبة حريات وحقوق مقنعة تماما للشعب. هكذا يكون دستورا يمكن يتطبيقه السليم على الارض ان يدفع الحياة العامة للشعب الى الامام من كافة النواحي، ويمكن ان يقتدي به الاخرون من المؤيدين والمعارضين في المنطقة عاجلا كان ام اجلا. من اجل ضمان كل تلك الصفات والمحتوى وسهولة التطبيق والملائمة يجب التدقيق والتصحيح والتعديل الكامل المقنع للمشروع الدستورالكوردستاني المقترح قبل فوات الاوان ، لضمان النجاح وتامين الراي العام الداعم له قبل الاستفتاء الموعود . وبعد ضمان نجاح امراره بنسبة قبول عالية ، لا يمكن ان يقف امام تطبيقه العملي او يعرقله احد وبالاخص من يتجرا ويتخرص اليوم وينتقد هذا العمل القانوني، من بقايا الشوفينييين والمصلحيين ومن حثالى البعث الذين ينعقون من بعيد، ويمكن ان يسلم الجميع من اذى الاشرار من يفعلون ما بوسعهم من اجل المصالح الضيقة .

لو توفرت الارضية المناسبة ونجحت العملية وآمنت به النسبة العالية من الشعب الكوردستاني ، او نال الاجماع في الاستفتاء، ستغلق الطريق امام بقايا الدكتاتورية والمتربصين في العراق والمنطقة، ولم يبق خيار امام هؤلاء الا التراجع والتاييد والاقتداء به وبيان صحة الامر ولو بعد حين، كما حصل من قبل الكثير منهم في العديد من القضايا الحساسة الاخرىمن قبل، ومنهم من التجا الى الاقليم وسمع العالم اعتذاراتهم سواء بشكل مباشر او ضمني، او بطريقة ما عبروا عن خطا توجهاتهم ونواياهم واستعدلوا عنها ، ونالوا رضا الاقليم وشعبه. اذن الخطوة الصحيحة هي التي تفرض نفسها ، وفي هذه المهمة، هي اقرار دستور ديموقراطي يشهد عليه الجميع ويؤمٌن دعم الاكثرية المطلقة من الشعب الكوردستاني الذي يخصه قبل غيره، وسوف يحتذى به الاخرون وهو الامر المهم ويصح الصحيح في النهاية وعندئذ يعترف به  المساندون والمعادون . الشيء الاهم هنا هو الحساب للوقت، والاقليم بحاجة الى هذا الدستور المقر من قبل الشعب اليوم قبل الغد .  

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2030 الثلاثاء 14 / 02 / 2012)



في المثقف اليوم