أقلام حرة

الحلول العائمة لمجلس الوزراء في المحافظات / مهدي الصافي

وبقية ساحات الاحتجاج الجماهيري في المحافظات البائسة، عادت طوافة ترحيل الأزمات إلى طاولة أجندات مجلس الوزراء، تحت راية ألأفكار والبرامج الحكومية الغير مجدية،

انتقال مجلس الوزراء إلى المحافظات (للمواجهة وتبادل التحيات وإلقاء الخطابات والبحث عن فلسفة جديدة لحل الأزمة الوطنية المستعصية)، مع إن مجالس المحافظات العراقية (الوسط والجنوب) والمحافظين دائمي الشكوى من الروتين الحكومي المركزي، والادعاء المتواصل بوقوفها بوجه عجلة تنفيذ العقود وإبرام الاتفاقات مع الجهات الدولية والمحلية، فضلا عن تراجع أداء الوزارات في تنفيذ مشاريعها الخاصة بها في تلك المحافظات، قد تكون خطوة في اتجاه مناقشة الخلافات والاعتراضات المستمرة بين المركز والمحافظات، المهددة بالذهاب منفردة إلى خطوة إعلان محافظاتهم إقليما فيدراليا،

هذا يجري في دولة صار لكل مسؤول فيها تقريبا (اغلبهم) ملفا للفساد، يندرج تحت إطار استغلال السلطة والموقع أو المنصب في الإثراء الشخصي

 (من خلال الشركات الوهمية أو الفاشلة المستحوذة على العطاءات والصفقات الحكومية والمسجلة بأسماء أبناءهم أو أقربائهم وأتباعهم وهي وحدها كفيلة بإسقاط أي حكومة شرعية ومنتخبة) .

مرة أخرى نقول إن الحكومة العراقية لا تريد أن تستمع إلى لغة الحكماء والمفكرين والمثقفين وأصحاب الخبرات والنوايا الوطنية الشريفة، الذين يمتلكون اغلب مفاتيح الأزمة المستمرة في بلادنا، من خلال تجاربهم وأفكارهم ومعرفتهم الواسعة بتلك المجالات (الإدارية والاقتصادية والمالية وحتى الاجتماعية)،

فمثل هكذا خطوات يجب أن تسبقها إجراءات حكومية مركزية، تعيد ترتيب وضعية الوزارات وإداراتها العقيمة الروتينية، التي لازالت تستخدم لغة الصادرة والواردة والتواقيع الكثيرة (لأكثر من موظف ومدير)،

وإذا أردنا إن نشير إلى بعض الوزارات الغائبة عن العالم (وزارة الصحة والتربية والبلديات على سبيل المثال)، أولا نسأل قبل أن تذهب الكابينة الوزارية إلى المحافظات،

ماذا فعلت لوزارة الصحة والأطباء الذين يتلاعبون بحياة وأرواح العراقيين،

أين النظم الإدارية الخاصة بوزارة الصحة، التي صار هاجس الطبيب فيها إن تكون في جعبته أكثر من عمارة (كيف تقبل وزارة الصحة إن يتحول الطبيب إلى تاجر سوق، يدرس في الجامعة ويعمل في المستشفى الحكومي والأهلي وعصرا في عيادته الخاصة، وستقبل فيها أكثر من مريض في إن واحد، وكلما يسأل عنه ما موجود)،

اما جيل المعلمين والمعلمات (عدى من أنقذ نفسه من ثقافة البعث الفاسد)

وهو بقايا جيل الثورة السوداء للبعث المنحل، فلم نرى منه أية انجازات وإبداعات تربوية حديثة، تواكب مرحلة النظام الديمقراطي الجديد، لازالت لغة القسوة وعبارات التجريح والترهيب (والغلط والسب والضرب) سارية بفضل وزيرها السابق والحالي،

وبقاء ملفات بناء المدارس معلقة وغير مكتملة، كملف الهياكل الحديدية للمدارس الوهمية، وأكثر انجازاتها هي ارتفاع نسبة التسيب والعزوف والهروب من المدارس، والضغط على التلاميذ من خلال المناهج الصعبة،

أما وزارة البلديات ومديرياتها المنتشرة في المحافظات، فبغداد تكفي لتحكي لنا عن أكذوبة التركة الثقيلة الموروثة من البعث، وهي لغة حكومية يبدوا إنه ستستمر إلى حين، لتحميلها تبعة الأداء الفاشل لهذه الوزارة أو تلك، وهكذا لبقية الوزارات الخ.

تبقى لعبة الفساد المالي والإداري ورشاوى العقود الحكومية، غائبة عن أية لقاءات وحوارات ومؤتمرات جانبية وثنائية بين الكتل المستعدة للحوار الوطني، وعمليات غسيل الأموال وعمولات العقود فحدث ولا حرج، لا تقف أبدا عن حدود أموال تأهيل شارع المطار لاستقبال القمة العربية، كانزعاج (وزعل) المرجعية المتأخر حول فساد مشروع النجف عاصمة الثقافة الإسلامية، بل يمتد إلى كل عقود الوزارات الحكومية (تحت راية السيد المالكي) المشكوك بها، والى سمسرة العمولات للوسطاء المفترضين

 (وهي وحدها تحتاج إلى ثورة أخلاقية ودينية واجتماعية لاستعادة أموال فقراء أبناء شعبنا المظلوم) .

الإجراءات الاستعراضية أو الافتراضية لا تستطيع أن تغير الواقع العبثي، ولاتمتلك القدرة على إنجاح مسار عملية إعادة أعمار بلادنا المخربة عمدا، لعدم توفر ابسط الشروط الموضوعية لإدارة هذه الملفات المعقدة، هل يعقل إن شوارع وأرصفة المحافظات تستنزف ميزانية الدولة والمحافظات، دون أن تتغير ملامحها وحفراتها

 (التي سرعان ما تتحول إلى رمل وحصى ناعم)، أو تقلل من البطالة المنتشرة في عموم المناطق، لان الإحالات لهذه المشاريع تذهب إلى بعض مقاولي المقاهي الشعبية (الذين لا ينفذون بكفاءة ولا يشغلون الأيدي العاملة الكافية للإسراع بالتنفيذ)، وهذه معضلة دمرت الاقتصاد العراقي (وهي محرقة أموال الدولة)، بينما كان يمكن إن تستورد الدولة بهذه الأموال العجلات والآليات (إضافة إلى إنشاء معامل الإسفلت) لتنفيذ تلك المشاريع حكوميا (مع توفير فرص العمل للعاطلين) .

أما بالنسبة للخديعة الكبرى الذي فرضها البنك الدولي (والولايات المتحدة الأمريكية)، حول رفع يد الحكومة عن الاستثمار المحلي، بغية دخول الشركات الامبريالية العابرة للسيادات والقوميات والأمم،

فهي وراء ظاهرة الفساد المنتشرة في عموم البلاد، لأنها غير معنية بهذا الجانب، لأنها تعرف إن العقود الكبيرة (وفقا لخبراتها في التعامل مع دول الخليج والمنطقة) تبرم عن طريق عمولات وتسهيلات الوسطاء، وبالتالي فيد الحكومة مشلولة في متابعة هذه العقود لأنها ظاهريا غير مخالفة للشروط والضوابط القانونية، لكنها تعتبر عقود فاسدة لأنها لم تدخل سوق المنافسة المشروعة، واعتمدت مبدأ الرشوة في سبيل الفوز بهذه العقود (وفشل الحكومة في تسليح الجيش العراقي لبعض العقود الفاسدة-ووزارة التجارة وفشلها في مواد البطاقة لتموينية-وقطاع الكهربا-وعقود النفط في كردستان الخ.) كلها أدلة على حملات تدمير الاقتصاد والبنية التحتية العراقية.

ياسادة الحلول ليست سحرية، لكنها ممكنة وسهلة التشريع والتخطيط والإدارة،

أولا عليكم محاربة فساد عقود الوزارات، واستعادة الأموال المنهوبة،

ثم تسلم الدولة العراقية والمحافظات مسؤولية تنفيذ خطط التنمية الخدمية (البلديات وقطاع الكهرباء)، كذلك تعديل الأداء الإداري للوزارات ومديرياتها المنتشرة في عموم المحافظات، وإعطاء صلاحيات دستورية وتنظيمية وإدارية لمجالس المحافظات، وقطع طريق المراجعات للمواطنين من المحافظات والى العاصمة، والاكتفاء بالمديريات التابعة لها في المحافظات، بحيث يمكن اعتماد الشبكة العنكبوتية للمراسلة السريعة لتنفيذ الأوامر والقوانين والأنظمة الإدارية (ومن ثم تتكفل الدوائر المعنية في متابعة المراسلة الورقية)، كذلك الاستعداد لربط الوزارات الحكومية بمديرياتها عبر الشبكة الالكترونية (كمبيوترات وأسلاك وشبكات إرسال واستقبال الكترونية وموزعات رويتر الخ.)، مع السماح لمجالس المحافظات لتنفيذ مشروع الشبكة الالكترونية المحلية التي تربط دوائر المحافظة بالمجلس (عبر دائرة يمكن تسميتها دائرة المعلومات العامة-التي تشبه دوائر الهجرة في الدول الأوربية)، وبالطبع هناك العديد من المقترحات المهمة التي تجول في خواطر بعض أصحاب الخبرة والكفاءة المغيبة عن المشهد العراقي الرسمي، يمكن إن تعتمدها الحكومة بغية تطوير أدائها، فمن الغباء إن يدعي احدهم انه يمتلك كل مفاتيح العلوم والمعرفة الكفيلة بإنقاذ بلادنا، ولكن لكل منا رؤية وفكرة وهدف، يمكن إن تساعد في إيجاد بعض الحلول الواقعية للأمور المعقدة.

نطالب مجلس الوزراء قبل إن يسن سنة خيمة المحافظات المشتركة مع مجلس الوزراء، نقول عليها إن تنهض بالنظم الإدارية للوزارات المركزية، الشعب يبحث عن شيء جديد يغير ملامح الروتين الإداري العقيم المتوارث منذ عقود.

 

مهدي الصافي

               

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2031 الاربعاء 15 / 02 / 2012)

في المثقف اليوم