أقلام حرة

أنا والبرلمان .. هل يُوقِدُ خطاب الكهوف قِدْر? الطبخة البرلمانية في الجزائر؟ / إيناس نجلاوي

كنت أتمنى أن أكون أنا والقِدْرُ فقط!

 

منذ الإعلان نهار 9فيفري2012 عن عزم فخامة الرئيس إلقاء خطاب للأمة خلال نشرة الثامنة، بدأت التكهنات حول مضمون الخطاب وامتلأت صفحات الفيسبوك بالتنبؤات؛ تُرى هل سيلقي الرئيس كلمة تأبينية لضحايا التقلبات المناخية والعواصف الثلجية التي تضرب البلاد مؤخرا؟ ربط البعض الآخر-الذي لم ينس بعد- توقيت الخطاب بحلول الذكرى العشرين لافتتاح معسكرات العار في الصحراء، فمنوا أنفسهم باعتذار والتفاتة متأخرة من الدولة الجزائرية إلى هذا الموضوع المطمور في أعماق النسيان. شطح آخرون بخيالاتهم وتصوروا أن الرئيس سيعلن استقالة الحكومة، بل وصل الأمر إلى الاعتقاد بأن الرئيس سيرمي المنشفة ويعلن انسحابه من الحياة السياسية!

شخصيا، كنت مطمئنة ولم تخطر ببالي أية احتمالات، فالجزائر بلد اللاحدث السياسي وقطعا سيتناول الخطاب رفع تعداد مقاعد المجلس الشعبي الوطني بـ73مقعدا بعد تباين الآراء بشان قراره هذا.

دقت الساعة الثامنة مساءا، التفت الأسر الجزائرية حول نشرة الأخبار تترقب ما سيعلن عنه رئيس الجمهورية في أول خطاب له منذ حلول السنة الجديدة. بعد عرض مقاطع للنشيد الوطني، باشر الرئيس خطابه بالإشارة إلى استصدار نصوص تشريعية جديدة متعلقة بالنظام الانتخابي.

ثم تحدث عن مراقبين دوليين للإشراف على نزاهة وشفافية الانتخابات ووجه دعوة إلى منظمات أجنبية حكومية وغير حكومية لإرسال ملاحظيها، ووعد الالتزام بالحياد وامتناع إطارات الدولة المتقدمين للانتخابات عن استعمال وسائل الدولة للترويج لحملاتهم وضمان نجاحهم. وأكد أن الانتخابات المقبلة سوف تكون سباقا لترجيح أفضل البرامج وليس تسابقا على المقاعد.

كما لم يشر الرئيس إلى رفع مقاعد البرلمان ووصول عدد النواب إلى462 عضوا. كان خطابه أحادي الجانب مرتكزا حول نقطة وحيدة وهي الدعوة إلى التصويت بكثافة. جاء الخطاب على شاكلة أنه ينتظر من الناخبين والناخبات هبة قوية للإدلاء بأصواتهم ويتوقع من الجميع أن يقوموا بدورهم على أكمل وجه وعلى الشباب الغيور على وطنه إثبات حضوره يوم الانتخابات للمشاركة في بناء وطنه، وكذلك على الجالية الجزائرية في الخارج إثبات ارتباطها بوطنها عن طريق المشاركة الانتخابية. خلاصة الحديث أن رئيس الجمهورية يريد إقبالا حاشدا على مكاتب الاقتراع ويربط المشاركة الكثيفة في التشريعيات المقبلة بنجاح الإصلاحات على أساس أن "المرحلة الإصلاحية الجديدة تُسْتهل بالانتخابات التشريعية". والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ويُرفع العلم من جديد.

ترقب الجمهور الجزء الثاني للمونولوج الرئاسي بغية التطرق إلى الأمور الهامة التي تمس فعلا الجزائريين على اعتبار أن الجزء الأول –الذي لم يدم سوى10 دقائق- لم يكن سوى مقدمة وفقرة استعراضية. لكن الخطاب انتهى، ولا تتمة له والرئيس أفرغ كل ما في جعبته.

كان خطابا مقتضبا متقطعا عاجلا، ولم يرفع الرئيس رأسه عن أوراقه وكأنه يخشى أن يُضيع الكلمات إذا ما رفع أنظاره وتوجه إلى الشعب الذي من المفترض انه يوجه كلامه إليه. اختفت تلك النظرات الثاقبة الصارمة التي اعتادها المشاهد الجزائري، وكأن الرئيس كان يتحدث لنفسه ولا يخاطب امة بأكملها. كان الرئيس يقرأ بسرعة بالغة يلتهم الأوراق التهاما ويقفز عليها وكأنه بصدد أداء واجب ثقيل على النفس، وكأنه مدفوع دفعا لإلقاء الخطاب... عهده المواطن الجزائري محاورا بارعا بليغا يجيد فن الخطابة، لكن هذه المرة بدا وكأن صوت الرئيس يأتي من زمن بعيد جدا يخرج من جب سحيقة يقول أشياء لا تعني المواطن الذي يعاني من موجة صقيع لم يشهدها من قبل.

جاء الخطاب مسجلا وربما كان محفوظا في احد رفوف ديوان الرئاسة أو مبنى التلفزيون، فلماذا تم بثه في ذلك اليوم بالذات في الذكرى العشرين لافتتاح معسكرات الصحراء؟ وأربع أيام بعد ذلك، يعرض التلفزيون الرسمي تقريرا عن الذكرى الـ52 للتفجيرات النووية الفرنسية في رقان! ما هذه الازدواجية الشديدة القبح؟ وما هذا الإعلام الأعرج الذي يتلاعب بالذاكرة الوطنية الجماعية فيُسقِط ما يشاء ويعرض ما يحلو له؟

يبدو أن كاتب خطابات الرئيس لا يبغي له الخير ولا يسعى إلا لتوريطه. فهل الانشغال بتهيئة الأرضية التشريعية للانتخابات يجعل حاكم البلاد ينسى الترحم على الأشخاص الذين فقدوا أرواحهم جراء الثلوج وتعويض الذين هدمت منازلهم وإنقاذ المحاصرين في القرى والجبال؟

الانتخابات المقبلة لن تكون تنافسا بين الأحزاب لافتكاك مقاعد في البرلمان الجديد، بل هي بالأحرى صراع بين عزم الرئيس على إنجاح الانتخابات من جهة و دعوات مقاطعة الانتخابات المستعرة على الفيسبوك من الجهة الأخرى. والفوز لمن ينجح في حشد الشعب.

قياسا لتجارب الشعب الجزائري السابقة، يمكن الجزم أن المواطن الذي يصطف –هذه الأيام- في طوابير بانتظار قارورات غاز البوتان، سوف يخرج بتاريخ 10ماي2012 بأعداد غفيرة في طوابير أمام مراكز الاقتراع. فهو مواطن سريع النسيان، كثير الغفران. وكل انتخابات وأنتم بخير...


  بقلم: إيناس نجلاوي – خنشلة

أستاذة بجامعة تبسة- الجزائر 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2031الاربعاء 15 / 02 / 2012)

في المثقف اليوم