أقلام حرة

خالد نزار والحرب القذرة .. متى تنقرض الديناصورات؟ / إيناس نجلاوي

حالة صرع أصابت وزير الدفاع الأسبق خالد نزار، فخرج كعادته يصيح ويطلق رصاصات لا تصيب كنه ما حدث في92...

تقاعد خالد نزار من الجيش، فاعتنق السياسة وما لبث أن تحول إلى مؤرخ تاريخي!

لم يكتف نزار بقلب الطاولة والتضحية بالدولة في 92؛ جنون العظمة خيل له أن دوره لم ينته بعد. أمريكا دمرت العراق لتعيد اعماره! أما نزار فبعد أن خرب البلاد، يريد اليوم تفصيل تاريخها من منظوره الخاص وموقعه "كمدافع عن الشرعية!"، لذا أعاد طباعة كتاب "الجزائر، جانفي1992... يوم سقط القناع عن الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، وهو من تأليف مجموعة من معتنقي الكل الأمني. وبالطبع المشرف على "التأليف" لن يكون سوى نزار، فهو ضليع في الإشراف: الإشراف على الجيش والسلطات الإدارية والتشريعية والمجلس الدستوري، والإشراف على إلغاء الانتخابات والمغامرة بمستقبل البلاد وقلب الحقائق وغيرها ...

بعيدا عن القذف-حتى لا يطالني غضب الجنرال الخبير في رفع القضايا على العباد-، أين كان مكمن الخلل؟

هل هو الفيس الذي وصفه نزار في خاتمة 'كتابه' بـ"الجماعات الإسلامية المسلحة" التي "ما إن شعرت بدنوها من كرسي الحكم، حتى أشهرت برنامجها الساعي إلى إقامة نظام مستبد في الجزائر تحسبا للانتشار في باقي بلاد المغرب لتعثوا فيه فسادا".

رغم أني في تلك الفترة لم أكن أتجاوز السبع سنوات، إلا أني من اشد المتعاطفين مع علي بن حاج:  رجل مبادئ لم يتنازل عن قناعاته رغم كل الاضطهاد الذي لاقاه، ذو بعد قومي تفتقر إليه سياستنا، رجل يؤمن بما يقول وليس كـ"معارضتنا" الورقية التي لاتتوانى عن الانضمام إلى التحالف الرئاسي لدعم "مرشح الإجماع"!

لكن فكرة أن بن حاج يتربع على عرش المرادية تصيبني بالرعب. من الصعب تصور حياتنا في ظل سياسة الوعيد التي تبناها الفيس فمن ليس معه فهو ضده، وتكفير الناس جزافا لمجرد أن طريقة لباسهم لا تتفق مع دعوات جبهة الإنقاذ. من المخيف تخيل أن يترأسنا شيخ يحرم كل متع الدنيا، يسجن النساء في البيوت ويأمر الرجال بإطلاق اللحى وحمل السيوف.

فهل معنى هذا أن توقيف المسار الانتخابي كان إنقاذا للديمقراطية؟

بالطبع لا، فالجيش يده مغلولة في قيعان برك الدماء المسفوكة، وجنرالاته يتحملون أوزار الأرواح المهدورة.

الجيش ليس إلا مؤسسة من مؤسسات الدولة لكنه في 92 انقلب على الدولة برمتها. يستغل نزار خروج الشاذلي بن جديد من المتحف وإعلانه في 28نوفمبر2008 بأنه استقال بمحض إرادته. هذا الإعلان المتأخر جدا يتخذه نزار كحجة تبطل نظرية "الانقلاب العسكري"!

ربما لهذا السبب اكتفى نزار بالمخ تواتي ولم يشرك الجنرال بتشين في تأليف هذا الكتاب "الهام"، وإلا لكان-بتشين- سجل في إحدى صفحات الكتاب بأنه من كتب استقالة الشاذلي الذي أُجبر على تلاوتها على المباشر لكل الجزائريين عبر التلفزيون. وكيف يستقيل دون إكراه وهو الذي عقد ندوة قبل يومين من الدور الأول للانتخابات التشريعية أعرب فيها عن استعداده للتعايش مع الجهة الفائزة واحترام اختيار الشعب، لكن الجيش اصدر أوامره بإعدام الديمقراطية وتأديب الشعب على اختياره للفيس.

فرغت الرئاسة وحُل المجلس الشعبي الوطني، سقطت البلاد في هوة فراغ مهول. أطلق نزار الدبابات "لسد الفراغ" معلنا الحرب على الاسلامويين فكانت عشرية الدم...

إذا كان الفيس يلف حوله الشعب، والجيش يتحرك للمحافظة على الجمهورية، فمن يتحمل مسؤولية الكارثة؟

الخطأ كل الخطأ يرجع لأحداث 88 وما تلاها من قرارات طائشة. خرج الشعب يتظاهر ضد الفساد، يعترض على الجوع والتهميش في جزائر العزة. وماذا كان رد الحكومة؟ عوضا عن اقتسام ثروات البترول مع الشعب ومنحه حقه المسلوب في ثروات وطنه، فُتحت الأبواب والنوافذ لديمقراطية هوجاء لم يستوعبها الشعب ولم يحسن ممارستها. هل يعقل أن يطلب شعب جائع الخبز، فتقدم له حكومته ديمقراطية غير ناضجة لا تسمن ولا تغني من جوع، بل كانت الشرارة التي أشعلت آتون حرب أهلية مازالت تحرق البلاد...

إن الديمقراطية ليست حقيقة مطلقة منزهة عن الخطأ، ليست مفهوما ثابتا يصلح لكل الأوقات ويطبق في كل الحالات. الديمقراطية لا ترمى من السماء، ليست منتجا مصنعا جاهزا للاستعمال. الديمقراطية لا تصدر ولا تستورد. كل امة تفصل ديمقراطيتها على مقاسها، حسب مناخها السياسي واحتياجاتها للحرية. إنها كالدواء المر، مذاقها علقم لكن حصادها حلو. أوروبا انشطرت إلى شظايا و شنت حربين عالميتين على أراضيها لتحصل على ديمقراطيتها.

أما الشعب الذي غرق في مستنقع الجهل والفقر-بعد خروجه منتصرا من حرب تحريرية- فيحتاج إلى ديمقراطية بالتجزئة ترافقها توعية شاملة حتى لا يسيء استخدام حريته، كالدواء يُقدم على جرعات لحصول الشفاء...

انتفض الشعب، خرج الجيش، سقطت الأرواح. بعد 6ايام من غياب الدولة، اطل الرئيس ليعلن التعددية. كان قرار الشاذلي بمثابة ابتلاع علبة الدواء دفعة واحدة، فتسمم الشعب.

انتقل الجزائريون فجأة من قراهم الاشتراكية المغلقة إلى التعددية والحريات العامة، فتشكل بين كل شارع وشارع حزب. الكل أصبح يتعاطى السياسة ويرى انه الأجدر ليحكم البلاد. وما هكذا تكون الديمقراطية...

وسط فوضى الانفتاح، ظهر عملاق سمي جبهة الإنقاذ اكتسح الانتخابات المحلية ومضى في طريق الفوز ليسيطر على الدور الأول للتشريعيات. من بنود برنامجه الانتخابي تعليق المشانق للجنرالات الذين افسدوا الجيش. تجاوز كل المسموح به. دقت أجراس الخطر في طاقارة، فحين يتعلق الأمر بسلامة كبارات الجيش، تلغى الديمقراطية وتطوق الدبابات الشوارع...

وحصل ما حصل، ووصلت الكرة إلى بوتفليقة وفاز بنسبة 90? بحيث أن المرضى في المستشفيات والأموات في القبور شاركوا في التصويت حتى حصل على هذه النسبة المهولة. ذكرني هذا الحدث الهزلي بانتخابات العراق في2003 حين أعيد انتخاب صدام-قبل3اشهر من العدوان- بنسبة 99? وبعد 20يوما من العدوان انقلب عليه شعبه واخذ يرجم تماثيله بالنعال...

 لنطوي صفحة الماضي الشديدة السواد لان كل الأطراف متورطة فيها: الحكومة بغيابها، الجيش بتسلطه والشعب بسكوته. وعلى الجنرال السابق أن يعي بان الحجر على إرادة الشعب يحتمل أي مسمى غير "حماية الشعب"، والقفز على السلطات يستحيل أن يكون"حفاظا على مؤسسات الجمهورية"، وخروج وحدات الجيش من الثكنات لا يكون إلا انقلابا، ومعاملة الشعب على انه قاصر لا يعرف تقدير مصلحته وتعطيل حريته بدعوى حمايته لا يدعى إلا استبدادا...  

ما حدث أن سلطة مفلسة استوردت ديمقراطية فاسدة فغرقت البلاد. جبهة الإنقاذ أسأت استغلال الحرية الممنوحة وحولتها إلى سيطرة مطلقة على الوطن والشعب انساق "عليها نحيا...عليها نموت" لان البديل لم يكن متوفرا أما نزار فلم يعاقب فقط الفيس على نجاحه، بل عاقب الشعب على استخدامه لحقه المشروع في اختيار الأجدر لتمثيله. ولو كنا في بلد ديمقراطي، لما افلت جنرالات الانقلاب على إرادة الشعب من محاكمات عسكرية بتهمة الخيانة العظمى...

فلنتوقف إذا -أيها الجنرال- عن لعب كل الأدوار، ولنترك كتابة التاريخ لأهل الاختصاص. أما إن كان يقصد بالكتاب تدوين مذكراته فله كل الحق على أن لا يصور ذلك على انه واجب وطني وضرورة تاريخية لأننا ببساطة نعرف الحقيقة...


 بقلم: إيناس نجلاوي- خنشلة

أستا?ة جامعية – جامعة تبسة الجزائر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2032 الخميس 16 / 02 / 2012)

 

في المثقف اليوم