أقلام حرة

كريستيان ?ولف وقيادة الشعب الجبار / آكو كركوكي

هذا مانقلتهُ البي بي سي، عن الرئيس الألماني كريستيان ?ولف، عقب تقديمهِ لإستقالتهِ، على أثر طلب الإدعاء العام في هانو?ر، رفع الحصانة عنهُ، بسبب إعتقادها بإن الرئيس قد (أخل بواجباتهِ)، أثناء توليهِ رئاسة أقليم ساكسونيا السفلي.

جاءت إستقالة الرئيس بعد عشرين شهراً فقط، على توليهِ هذا المنصب الشرفي، الذي يحصر فيه الدستور أدوار الرئيس الخارجية: بالزيارات الرسمية. أما الداخلية: فبمجرد تمثيل وحدة البلاد أمام الولايات الفيدرالية، والتصديق على كلٍ من أسماء التشكيلة الحكومية، والقرارات ومشاريع القوانين، المرفوعة من قِبل الحكومة والبرلمان معاً.

أما هو، فقد بدء كلمته المقتضبة، ليلة أمس، بالحديث عن تطلعاتهِ، أثناء توليه هذا المنصب، في ترسيخ الوحدة الإجتماعية لأِلمانيا، كيما يشعر الجميع فيه بالإنتماء، لهذا البلد، بغض النظر عن جذورهم المختلفة، ثم أردف قائلاً:

" إن بلادنا، جمهورية ألمانيا الإتحادية، بحاجة الى رئيسٍ، يكرس كل وقتهِ، وجهدهِ، لهذه التحديات، والمهام الوطنية، وكذلك التحديات العالمية المُتعاظِمة. رئيسٌ لايحظى بثقة الأغلبية وحسب، بل بثقة قاعدة عريضة من المواطنين. إن تطورات الأيام، والأسابيع الماضية، قد أظهَرَ، بإن هذه الثقة، ومعها إمكانياتي، ودوري، قد تأثرا، بشكلٍ بليغ. ولهذا السبب، لايمكنني تحمل مسؤوليات الرئاسة، كما هو مطلوب، سواءٌ أ كان هذا على صعيد الداخل أم الخارج. وبالتالي أقدمُ اليوم إستقالتي من الرئاسة، كي أفسح المجال أمام خليفتي....أما فيما يخص المُسائلة القانونية الحالية، فإنني على ثقة، بإنها لسوف تُخليَّ طرفي، من المسؤولية، وبشكلٍ كامل. لأنهُ كان تصرفي وعلى الدوام، سليماً في الدوائر التي توليتُ إدارتها. لا أنفي الخطأ عني، ولكني تحليتُ بالإخلاص، والصدق على طول الخط...أما التقارير الصحفية، التي عايشناها خلال الشهرين الماضين، فلقد أصابني وزوجتي، بِجُرحٍ عميق...".

جرم هذا الرئيس المستقيل، تلخص بحصولهِ على قرضٍ، بقيمة نصف مليون يورو، ولكن بفائدة قليلة نسبياً، كي يسد قرضاً آخر لهُ، وبفائدة أكبر. وهذا الذي يبدو لربما تافهاً، في أعرافنا السياسية، يرقى لمستوى الفضيحة في ألمانيا. والفضيحة فقط، هي التي تنشدها صائدة الفضائح، والعاريات، وسطحية العوام. صحيفة الصورة (بيلد تسايتونج)!

محاولة الرئيس التلفونية، للحديث الى مدير التحرير، وقبل النشر، كانت خائبة. لكن الخطأ القاتل أتى، عندما ترك الرئيس رسالة صوتية غاضبة، على الخلوي، يطلب فيها عدم النشر، أو على الأقل... التأني في النشر. وهذا الأخير، كلفهُ كرسي الرئِاسة، حتى بعد أعتذارهِ رسمياً. فَمن هو هذا الذي يتجرء على تهديد الصحافة، وحرية الرأي، حتى لو كان الرأيُ صادراً، من صحيفة بمستوى بيلد تسايتونج، التي تشتغل على سطحية العوام!

وكأن المسكين وقد نبش في وكر الدبور، فبدء الإنتقام وتوالت (الفضائح). مِن ذاك النوع والمستوى، فها هو الرئيس، وقد حصل على إجازة لبضعة أيام بأسعار مخفضة من فلان. وذاك هو الرئيس، يقضى (ليلة واحدة) في فندقٍ فخم، لحضور مهرجانٍ سينمائي في ميونخ، على حساب مؤسسة تزينتس، لصنع المربى والمنتجات الغذائية، وهكذا دواليك.

" من الأفضل أن نسئل خبير بأمور الفساد والسياسة...آكو... مارئيك أنت، بقضية الرئيس ?ولف؟ "... هكذا خاطبني متُهكماً، زميلي الألماني في العمل (م)، ونحن نقضي فترة إستراحة وقت الغداء قبل أيام.

وللقصة خلفية، فكنت قبل فترة، قد أقتنصت، فرصة نادرة، كي أجر زملائي في العمل، للحديث في الموضوع غير المرغوب بهِ إجتماعياً هنا، ألا وهي (السياسة). لأعبر فيها، عن تفاهة ما أرتكبهُ السيد ?ولف، من خطأ، بالمقارنة مع، مايفعلهُ الساسة في بلادنا، وأقول لهم، إنهُ ليس ببعيدٍ عن قصر الرئاسة للسيد فولف، وفي برلين، هناك مقر لِمنظمة الشفافية الدولية، التي تُصدر نشرة دورية، بالبلدان الأكثر فساداً بالعالم. والعراق الذي أحسبُ عليهِ، يتصدر القائمة وبجدارة. ومع هذا، فالأستقالة، والمحُاسبة، والمُسائلة، هي آخرُ، ما يفكرُ فيهِ ساستنا، ونحن معهم أيضاً، فالرجلُ يثيرُ تعاطفي معهُ حقاً.

لذا أجبت (م)، ضاحكاً : " إنهُ أصلاً السرقات التي تقل قيمتها عن المليون دولار عندنا... لانُسميهِ فساداً!".

وأضاف زميلي الألماني الآخر (ش) والجميع غارقٌ في الضحكات في تلك اللحظة : " تسموه (بكشيش)- (يقصد بخشيشاً)". فقلت " أجل بالضبط هو كذلك".

شخصٌ قريبٌ مني جداً، ولكنهُ جديدٌ على ألمانيا، شاركني تعاطفي مع الرجل، وهمس في أذني قائلاً : ياليت لو أقُيل وزير الخارجية بدلاً عنهُ، الذي فضحنا قبل فترة وتزوج مِن رجلٍ مثليٌ مثلهُ!

هذه الحادثة، تأتي في ظل أجواءٍ، بات كظاهرة تتكرر سنوياً، أقصد في أن تتسبب بيلد تسايتونج في توديع الألمان، وفي كل شباط، لسياسي بارز، في حكومتهم. ففي العام المُنصرم، من نفس الشهر، أستقال وزير الدفاع الألماني، كارل تيودور تسوغوتنبرغ، عندما أتُهِم بنقل بضعة أسطر، من مصادر مُعينة، الى رسالته في الدكتوراة، دون أن يشير الى أصحابها الأصليين. ولم تشفع له كارزميتهُ، التي كانت ترشحهُ قبلاً، ليكون خلفاً لميركل، ولم يشفع له دفاع الأخيرة عنه أيضاً، لا بل ولم يكن لأستطلاعات الرئي الشعبية، التي غفرت له ذنبهُ، من قيمة. أمام الرسالة التي بعث بها أكثر من 200 أكاديمي، الى المستشارة الألمانية، أحتجاجاً على إستمرار جوتنبرغ في منصبهِ. فقال العلماء والمؤسسة العلمية، إن دعم ميركل لغوتنبرغ رغم هذه الواقعة، قد يضر بسمعة ألمانيا، كدولة علمية، وقبلة للعلماء.

 نعم هنا عندما تتكلم المؤسسة في شأنٍ يخصها، يصمت الجميع.

وعندما تغضب الصحافة على إمرئٍ ما، فليكن الله في عونه!

قبلة للعلماء، أو كما يصف الناقد الأدبي، ?ولفغانغ مينزل(1798-1873)، بلادهُ:

بـ "Das Land der Dichter und Denker ". أي "بلاد المفكرين والشعراء والكتبة".

ويمكنك أن تضيف أليه بلاد الصناعات الثقيلة، والتقنية، والهندسة، وبلاد التنظيم، والبرامج المعدة مُسبقاً، بلاد الغرام بالكرة، والرياضة، والبيرة، والصوصج، والكجب، والسفر، وغيرها.

لكني اليوم أريدُ ان أقول عنها "بلاد الشعب الجبار، ذو النفس الأبيّة، ذات الترفع!".

فهو لايرحم، وهو يحاسب الساسة، في شأن حقوقهِ.

و لم يرحم قبلاً حتى هلموت كول، الذي أعاد الأمجاد لألمانيا المقسمة، بتوحيدها، في خضم الحرب الباردة، والذي دق آخر مسمارٍ في نعش الأتحاد السوفيتي. وقاد البلاد الى الإزدهار السياسي، والإقتصادي، طوال فترة حكمهِ، في الثمانينيات والتسعينيات.

أبداً، كل هذا لم يشفع له، أمام جبروت هذا الشعب، الذي أستدعاءه للمُسائلة، على مجرد خلفية إتهامات له بالفساد. وبعد أعوامٍ من تركهِ السياسة، وهو شيخٌ متقاعد هرم لايقوى حتى على المشي.

فمن ذا الذي يريد أن يترك مقدرات البلاد، كيما تكون لعبة بيد أيُ سياسياً كان. ليشفعوا له اليوم تلك الهفوة، وغداً ذاك الغلط الصغير، ولِيستيقظوا من غفلتهم في أحد الأيام، ومجنونٌ آخر مثل هتلر ... يحكمهم ويقودهم الى الدمار؟

يحضرني الآن مقولة فيلسوفي المفضل بوبر، حين قال: إن الديمقراطية الحقة، هي التي تمنح الأمكانية للشعب، لأسقاط الحكومات الفاسدة، وإن المرء حينما يذهب كي يقترع، فهو في الحقيقة يذهب ليُحاكم الحكومة السابقة، فإن كانت نزيه وناجحة، جدد لها، وإن كانت فاسدة، منح صوتهُ لغيرها.

قطعاً، ليس لهذا الجبروت والقوة، صلة بالعرق، فهم على حد قولهم من أصلٍ جرماني، عُرِف عنهم البربرية في حينها، وقت كان الرومان (الطليان)، والأغريق (أسلاف اليونانيين) ينشرون الحضارة، ويمارسون الديمقراطية في أوروبا. لا بل لهذه القوة صلة بالأخيرة، أي الديمقراطية. وفي أبسط معانيها (حكم الشعب). الذي يبني الدولة، والمجتمع المدني، لِيُنجبا المؤسسات الصحفية، والعلمية، والقانونية وألخ.

 والتي تتولى السهر على حقوق الشعب ومستقبلهِ. فالأمثلة على محاسبة المسؤولين، مهما علا شأنهم ومنصبهم، كثيرة، ونشهدها في الدول الأخرى، كفرنسا، وبريطانيا والولايات المتحدة، وأسرائيل وغيرها.

ويبدو إنه ليس لهذه القوة، صلة أيضاً بالتاريخ الحضاري، فالمانيا البربرية في السابق، تُطعم اليوم، أصحاب الحضارات التأريخية السابقة، مثل الطليان واليونانيين، وتعطيهم درساً في النزاهة السياسية، والديمقراطية، بعد أن أضحى شعوب تلك البلدان مُفلسين، بفضل الفساد الذي أصاب السياسة والأقتصاد.

وعالرغم من إن الكاتب، والمفكر الكوردي المشهور (بخ.ع)، قضى أكثر من ثلاث ساعات، في أحد مقاهي مدينة كولن، وهو يُناقشني، ويسرد عليّ الإنتقادات الصحيحة، الموجهة للتجربة الحضارية الغربية. ورغم إنني وافقتهُ الرئي، وأعترفت إن المقارنة بين تلك التجربة، وحالنا في بلداننا، لن تكون دائماً مُنصفة، ولا يجب أن تنطلق من الإنبهار المطلق، بالتجربة الغربية. ولكني لم أقوى على ضبط عفويتي، حين عبرت لزميلي الألماني (م)، عن تفاهةً ما أرتكبهُ السيد فولف من خطأ، بالمقارنة مع مايفعلهُ الساسة في بلادنا.

فعندما يكون نائب رئيس جمهوريتك متهم بـ "150" عملية أرهابية، ويخرج عليك رئيس برلمانك ويقول: " إن أربعين ملياراً من الدولارات في ذمة الحكومة قد أختفت، ولا ندري أين هيّ؟". ويوزع رئيس حكومتك الأموال، والهبات، والمكرمات، والرواتب، والمسدسات، والشقق، والفلل، والمناصب، والوظائف وكأنه ينهل من حُرّ مالهِ.

وعندما تتقاطر أسماء الوزراء، وحتى رؤساء هيئات النزاهة، والمدعين العامين، والقضاة، والنواب، وكبار الموظفين، في قائمة الفساد والمفسدين، وبالملايين من الدولارات الأمريكية. ويصرف رئيس جمهوريتك مليونا دولار في سفرة واحدة. ولاتعرف ما في ذمتهم، ولا في ذمة وزاراتهم، ولا في ذمة وخزينة دولتهم ودولتك.

وعندما يكون القتل، والموت بالجملة، روتيناً يومياً. و يغدو البلادُ ساحةً، يسرح فيها قاذورات الأرهاب، وعتاة المجرمين، والمافيات، والمليشيات، ومخابرات العالم أجمع. دون وجودٍ لوزير الدفاع، أو الداخلية في الحكومة، ولا تأثير يذكر، لمئات الألوف من القوات المسلحة عليهم. وتُشترى الذمم، وتزور الإنتخابات، وعندما تصل الميزانية الى الحدود "الإنفجارية"، وتتعدى المئة مليار من الدولارات سنوياً، وأنت مازلت لاتعرف مذاقاً للكهرباء، والصحة، منذ أكثر من عقدين. فعندها لا يمكنك أن تسمي الرشوات الصغيرة، اللواتي يتلقاها أغلب الموظفين الصِغار، ولا عمليات القتل، والنهب، والسلب، لصغار الأرهابين والسراق. ولا الأدوية، والاغذية، النافذة الصلاحية، التي يبعيها أياك صغار التجار. ولا التفنن في النصبِ، والكذبِ، والتزوير، والمحسوبية، المنتشرة بين الخاصة والعامة. أن تصفها (بالفساد)، بل بمجرد البخشيش، والهفوات، والأخطاء. فشتان بينها، وبين تلك الأرقام والمستويات الفلكية من الجريمة والفساد السالفتين الذكر!

ولايقتصر إنتشار هذا الوباء على بغداد، بل حتى دولة، الأمر الواقع عندنا في كوردستان، والذي غذيناهُ ببحرٍ من الدماء، والتضحيات. تغرق السياسة فيها في مستنقعٍ من الفساد. من رأسهِ الى أخمص قدميه. وذلك وبأعتراف القيادات فيها. وبات مرتعاً لمافياتٍ حزبية، تحتكر السياسة والأقتصاد، والمجتمع.

وإن كنا قد تقدمنا، مبعد فرسخٍ أو فرسخين، عن التجربة الفاشلة في بغداد، وأسسنا لِنظامٍ فيه نوعٌ من المعارضة السياسية، ويتمتع بأمانٍ نسبي، وجلبنا بعض الأستثمارات الناجحة، وبعد عشرين سنة من الحكم. لكننا مازلنا بعيدين جداً، عن شئ أسمهُ " المجتمع المدني" أو " الصحافة الحرة" أو "الشفافية" و"النزاهة الأنتخابية" و"دولة المؤسسات والقانون".

ففي اليوم الذي تُسقط فيه، صحيفة صفراء في ألمانيا، رئيس الجمهورية، لمجرد هفوة. ففي نفس اليوم تتعرض فيها الصحافة، للضرب والأعتقال، ويمنع التظاهر السلمي، عندنا. ويبدو إن هؤلاء الصحفيين، أكثرُ حظاً من زملاءهم الاخرين، اللذين تلقوا رصاصة في جبينهم أو أفواههم، وتم رميهم بدمٍ بارد، على قارعة الطريق. ولهذا اليوم فالعشرات من المطلوبين للعدالة، والقضاء، اللذين تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء، يسرحون، ويمرحون، ويتكبرون على الحقِ، والقانون.

وهنا يمكنك أن تعمم الفساد، وطغيان السياسة، على مجالِ أوسع، لتشمل معظم الشرق الأوسط والعالمين الإسلامي والعربي. فمسلسل القتل اليومي للدكتاتوريات الفاشية في المنطقة. وبذخ الشيوخ وأمراء النفط، وتسلط الملوك والرؤساء، ومضاجعتهم لكرسي الحكم، ونهب ثروات بلادهم، لعقود وأجيال، من مشرقها الى مغربها، أمام مرأى ومسمع الجميع.

نعم عندما تعايش كلا التجربين، (تجربتنا الفاشلة) و (التجربة الغربية الناجحة نسبياً) وبشكلٍ يومي، كيف يمكنك أن توقف عقلك من التفكير والمقارنة والتقييس؟

فيبدو إننا، وكشعوب وقد أخُصينا من أي شعورٍ بالإباء، والكبرياء، والكرامة الإنسانية، وتعودنا على هذا النمط من الحياة، أصبحنا فيها قطيعاً يقاد الى صناديق الأقتراع، أو المسيرات، أو حتى المقصلة، دونما أي مقاومة، عبيداً أذلاء في بلدننا وأوطاننا، لانرقى لمستوى رؤساءناً وساستنا في الإنسانية والحقوق، نتملق لهم ونخدمهم في كل شئ، وننتظر دائماً مكرمتهم، ورحمتهم، في أن يتركونا نعيش، ونتعلم، ونوظف، ونسكن، ونتلقى الرواتب، بسلام. أو تجدنا مُهّجرين، نستجدي العطف والأمان، في أصقاع الأرض، ومن شعوب العالم كافة. نُسلمُ حياتنا، وثقافتنا، وكياننا، وعمرنا، كضريبة بخسة للغربة!

لا أن نكون أحراراً، ذو كرامة، وإباء، نتسيد على أنفسنا وأرضنا وبلداننا وثرواتنا. فنحن لانعرف سبيلاً الى شئ يسمى بـ(حكم الشعب). وليست تلك المشكلةِ وليدة اليوم، بل قبلها كان الصبر المفرط على صدام، لمدة عقود، وعقود، وقبلها على الدكتاتوريات، والحكومات الأخرى، وقبلها على قرون من مختلف الأشكال من الأستعمار، والعبودية، دون كللِ أو ملل!

ويوم تأتي لتناقشنا في الأمر، فلسوف نطرق مسامعك، بوابل من الخزعبلات، التي تناقلناها دون وعي. ففلسفتنا في السياسة هو إنها فن الكذب والخداع. وبمجرد أن تحصرنا بأول نقدٍ لسوف نعود الى ماضينا التليد، لننسب لأنفسنا إنجازات أقوامٍ، أندثرت، وأنقرضت، من غابر الزمان. ولنفتخر بإحتلالها، وسبيها لأقوامٍ أخرى، و ببطولاتها. ثم مانلبث أن نبيعك، سعي بعض البدو، وراء الجواري، والغنائم، وقتل الناس، وكأنها "حضارة". وإن حدثتنا عن الغرب، فلسوف نواجهك بفضل "أخلاقياتنا وقيمناً" عليهم.

لم يسعف الكذبُ، والخداعُ، كريستيان فولف ولا غوتنبرغ، فالسياسةُ الحقة، لاتفيد معها الكذب. لم تنقذ الحضارة الغابرة، والماضي التليد اليونان، من أن تقع في حضيض الإفلاس!

ثم أين هي الأخلاقُ في المجتمعات التي تنتشر فيها الفساد؟

ودوماً كنت أسئلُ نفسي، هل لهذا التخلف علاقة بثقافة تلك الشعوب؟ حيث إنه ليس التخلف، وطغيان السياسةِ، والفسادُ، مايشتركون به وحسب، بل الدينُ وغالباً اللغةُ والثقافةُ، ما يجمعهم أيضاً. بالتأكيد سينبري الكثيرون لينفوا هذا الطرح، وتلك العلاقة!

لكنهم سيتوقفون عند حدود النفي فقط، ولسوف يعجز ون عن إعطاءك طرحاً وتفسير اً بديلاً... يُقنع... مثلي أنا!

 

                                                             في الثامن عشر من فبراير 2012

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2035 الأحد 19 / 02 / 2012)


في المثقف اليوم