أقلام حرة

من كان جزءا من المشكلة لا يستطيع حلها / عماد علي

المعلوم من الضغوط على القضاء في هذا العالم المليء بالمصالح الشخصية وما فيه من الطرق والصفات الوصولية والانتهازية لنيل ما يطمح به الساعي اينما كان وبالاخص في موقع وبلد بعيد جدا لحد اليوم عن المؤسساتية في الحكم والتي تمنع فرض سيطرة شخص او جهة، كما هو الحال في الشرق الاوسط باكمله ايضا . اذن من كانت لديه كل تلك القدرات على التاثير، هي التي تخلق المشاكل الكبيرة وتفجر الحوادث والمآسي السياسية الاقتصادية وتبني الحواجز النفسية الاجتماعية بين مكونات الشعب المختلفة التركيب كما هو في العراق الماضي والحاضر . كلنا على علم بان الافرازات التي نتجت من مسيرة العملية السياسية وما دفع بها من المؤثرات القوية التي تراكمت منذ عقود ، انبثقت جراء تعامل الجهات المهيمنة على الحياة السياسية مع خلال الجزئيات التفصيلية المملة لما يخص الفرد وما يجري على الارض، وهم راكعون اليها دون ان يرفعوا راسهم ليروا القضايا المصيرية الكبرى ولو لوهلة صغيرة، وهم يحملون تلك الخلفيات التي لصقت بعقلياتهم وتفكيرهم وما يؤمنون به طوال هذه السنين العجاف من حياة العراق .

 ان كان الواقع الاجتماعي الثقافي الاقتصادي العام دافعا لخلق الكثير من الخلافات ، فان المؤثرات والمصالح الخارجية المؤججة والمؤزٌمة لكل قضية ومضخٌمة للخلافات الحاصلة وفق المصالح المختلفة ليست باقل، وانما هي في اكثر الاحيان الخالقة لها وفارضة للعديد من التوجهات وتملي ما تريد على البعض وتحصر الاخر في زاوية لا يمكن النجاة الا بتنفيذ ما مطلوب منه .

ان المشكلة الكبرى تكمن في عدم الاحساس بوجود نسبة ولو قليلة من الثقة بين الاطراف، وفي عدم وجود طرف محايد مخلص لهذا الشعب ، وكل ما موجود له مصالحه التي لا تمكٌنه تصحيح المسار وايجاد الحل المناسب المرضي . الان الصراع وقع كما نرى هكذا ، وكل طرف له مبرراته في التحجج وفي قراءة ما يفكر فيه حسب هواه، ويجد ما يحقق له اهدافه في زاوية معينة يعتمد عليها للمضي في اعماله، والقضايا والمشاكل وان كانت من نتاج هذه الجهات نفسها الا انها هي التي تسعى ايضا وفي نفس الوقت لايجاد المخارج الملائمة لانقاذ نفسها  في الكثير من الحالات التي يفيدها حلها، الا انها تخفق في ذلك ايضا . حتما لكل قضية خصوصيتها ولكل طرف راي ضيق الافق وموقف يفيده فقط فيما يجري وعلى حساب الاخر ايضا، وفي هذه الحال التوافق اصعب وبالاخص في المواضيع الحساسة الاستراتيجية التي تمس مستقبل الجميع . المعاصي تبدا من اصرار الجميع على توجهاتهم ولكل طرف استراتيجيته الفكرية العقيدية وخطوطه واهدافه التي لا يمكن وفق ما يعتقده الا بانه على الحق ولا يحق له التوافق من دونها والتسامح من اجلها وليس له القدرة على التساوم عليه او مفروض عليه المضي على ما يُعتقد من جهات شتى، وفي احيان عديدة ومن جانب اخر يخاف من قاعدته  التي بناها على تلك الاسس التي تؤدي الى التعقيد والتناحر والصراع مع الاخر اصلا،  خوفا من فقدان المؤيدين له جراء اية خطوة لا تتوائم مع ما ادعاه  من قبل ،و ليس له مبرر امامهم في التنازل عنه، وفي جانب اخر ، ان ظروفه الخاصة تفرض عليه حسابات ربما تناقض ما تفرض على الاخر ادعاءه او الطلب به او  تعاكس ما تتطلبه الظروف الموضوعية المحيطة به ، فتبقى المصالح العليا بعيدة المنال وغير مرئية او حبر على الورق عند هذه الزحام غير الطبيعية من الصراعات والتفاعلات اليومية المهيجة لكل الامور .

للحق نقول هنا ، ان الطرف الكوردي هو لحد الان ما يتافعل ويتعامل باعتدال ولازال بيضة القبان في العديد من القضايا وليس كلها، الا انه ليس ببعيد ايضا عن اهدافه وامنيات شعبه، فهو الاخر يمتلك مساحة ضيقة للتحرك على الرغم من التنازلات العديدة التي ابداها ازاء ما تمليه عليه مطالب هذا الشعب المغبون، وكان يتصرف احيانا على الضد من المصالح العليا والاستراتيجيات البعيدة المدى له من اجل تهدئة الامور والحؤول دون انفجار الوضع  الذي لا يكون في مصلحته ابدا خلال هذه المرحلة الحساسة التي يكونهو منضوي ضمن المعادلة، لذا لم يبق امامه اليوم وفي هذه المرحلة المتنقلة بالذات الا ان ينطلق وفق استراتيجية جديدة فرضتها الظروف الموضوعية المستجدة على الساحة والمنطقة والاقليمالمحيط بالعراق بشكل عام، وعليه ان يستهل مشواره الجديد من زاوية ما يهم الشعب الكوردستاني قبل غيره، ربما لبروز الخوف من بقاء ما تحقق على ماهو، وعليه ان يفكر فى الافق البعيد كي لا يكون الخاسر الاوحد في نهاية المطاف، وعليه سوف تكون المباراة القادمة بين الاطراف الثلاث وفي ساحة متعددة الحكام ولم تثبت بعد القوانين الاساسية الخاصة بهذه اللعبة الجديدة والحاسمة، للمواضيع المطروحة والخطط المختلفة حسب توجهات كل فريق ، كما ينبغي يجب ان يفعل ما لم يفعله من قبل،و هذا ما يفرضه عليه مستقبل وخصوصيات الشعب الكوردي ، ومن اجل خلاص نفسه النهائي من الوحل التي ابتليت به المنطقة والعراق نهائيا .

الطرف الكوردستاني هو الوحيد الذي جاهد وعمل كل ما بوسعه على ان يكون جزءا من الحل كما كان وكما طُلب منه ايضا ان كنا اكثر صراحةـ وفق نتائج التحليلات التي تفرض هذا القول، اضافة الى ان هذا الدور يضيف اليه ايجابيات كبيرة على المستوى العالمي عند الاستقرار والامان وانبثاق الحلول للقضايا الشائكة من خلال عمله هو، وان انعكست عليه هذه بالايجاب على المدى القصير فقط، وفق ما يجري وهو وسط ما يدور في المنطقة عموما والعراق خصوصا، وهو لا يزال في بداية طريقه الطويل،الا انه لم يحسم الاستراتيجيات الضرورية .

كل المحاولات جارية من اجل صنع وفرض موانع لعدم انزلاق الاوضاع وفرط العقد وحدوث الفوضى التي تخطط لها جهات عدة وخاصة الخارجية الاقليمية منها من اجل افساح المجال الاكثر امامها للتدخل المباشر وتحقيق ما ترمي اليه وفق المستجدات الكبيرة التي حصلت على غرار ما يحصل في الشرق الاوسط بشكل عام، وتغيرت المعادلات بشكل جذري ويجد كل طرف فاعل موطيء قدم له في هذه المرحلة المتنقلة لتثبيت اركانه ولفرض كلمته في الصراع الاقليمي العالمي .

ان كان الوضع العام والعقلية السائدة والنظرات المتباينة والمختلفة اصلا الى الامور العديدة ، والوعي والمستوى الثقافي كما هو الحال في ظل الخوف والقلق المستمر والشك والريبة المسيطرة والتي نبتتها العقود الماساوية التي مرت بالعراق واهله، وما تغير كثير، واثر بشكل تدريجي وجذري على الحياة العامة للشعب، وملحوظ الان على طبيعة هذا المجتمع ، وهو ما يقوٌي ويكبٌر الخلافات والاختلافات كما هو المبان والواضح في جميع النواحي . فمن الطبيعي ان يعاني هذا الشعب من التناقضات التي وصل اليه وهو تائه في بحر من الخلافات ولم يجد الحلول الجذرية الحقيقية المقنعة لكل الاطراف .

ان اعتبرت جميع الاطراف من التاريخ، واخذت بالديموقراطية الحقيقية كانسب وسيلة وانجعها من اجل الحل والتعايش السلمي، وفي هذه الحال يحتاج الى الخلفية المطلوبة وكما هو الملائم الخاص به، ستبقى المعضلة الى حد ما من اختيار الالية المناسبة للطريق المتبع ، وهذا وكما معلوم لدينا غير متوفر، لذا ستواجه العملية في هذه الحال البعيد المنال ايضا العوائق الكثيرة وتسبب لها الانحراف ويُسهل عليها الاستغلال من قبل العديدين  ايضا . الا انها الوسيلة الوحيدة التي لا يمكن ايجاد طريق اخر اكثر ملائمة منها ، من اجل التقارب وضمان احقاق الحق ومن ضمنه حق تقرير المصير لم يظن بانه يستحقه مهما كان جنسه ولونه ومعتقداته وقوميته . كل هذا وسط هذه الضجيج والتخلف المسيطر على الاكثرية العظمى من الشعب وخاصة من ناحية تعرفهم على المباديء الاساسية للديموقراطية الحقيقية والالتزام بحقوق الاخر والحريات المطلوبة . الا اننا نعيد ونكرر بان الحل الجذري لا يمكن ا ن يكون متوفرا في هذه المرحلة التي نعيش لاسباب معلومة، وان استمرينا على هذه الطرق وهذا المنوال التي نتبعه لم يحتمل مستقبلنا الا القليل من النتائج واكثرها غير محمودة ومنها ما تصلنا الى حافة الانفجار الكبير، ويحرق به الاخضر واليابس، ولم تعرف نهايته مهما بذلت من الجهود .

من المعلوم، ان الظروف الاقليمية الحالية تدفع بنا الى الاعتقاد بان احتمال الانحدار والفوضى والوقوع الى الهاوية وارد في كل لحظة، والهدف الرئيسي لكل المحاولات التي تبديها الجهات المختلفة وخاصة القيادات التي تحس جيدا بهذا الوضع من اجل الحؤول دون الهيجان ومن اجل التهيئة وارساء الارضية المناسبة لاتخاذ الخطوات الواقعية الصحيحة والاستنا د على الديموقراطية والاعتماد على الدستور والقوانين العامة لايجاد الحلول النهائية، ستكون الجهود  في محله وتحتاج اليها  جميع المكونات . الا ان هناك بالضد تماما من هذا التوجه، هناك من الاطراف السياسية التي تهتم بالمصالح الفئوية السياسية الضيقة، تصر على مصالحها من اجل ايجاد سبل الصراع والذي وصل الى اشده بعد ثورات العصر المندلعة في المنطقة، ووصلت شرارتها الى باب البيت العراقي . المصيبة في الامر، ان تلك الاطراف الخارجية تستغل ما يتمتع به مكون ما في العراق من الاعتقادات والتقاليد وعلى سذاجته من اجل التفريق بينهم. وبعد دراسة ما تتمتع بها جميع المكونات العراقية من الاعتماد على العاطفة والبدائية في التفكير والنية الصافية وكنتيجة طبيعية لكل الخيبات التي اصيب بها من كافة الجوانب فانه يتميز عن غيره في ظروفه الاجتماعية العامة ، وهذه الظروف هي التي تفسح المجال الاكبر للتدخل في شؤنه سياسيا . شعب طيب لاخر الحدود، أُستغل تاريخه المرير وسلب حقه واختزل كل ما له صلة به من الخصائص المميزة في دائرة الضرورات والاحتياجات اليومية فقط، وهو لم يحصل عليها لحد الان كما يجب، على الرغم من التضحيات الضخمة التي قدمها، وهو لحد اليوم يعاني من شتى النواقص ولم يحقق امانيه، شعب غارق في العاطفة حتى النخاع، وهو خاضع للمؤثرات الروحية والدينية لحد الرقبة، شعب غير متحد ومضاد للبعض وينخر في نفسه حتى العظم في اكثر الاحيان، شعب ينسى بسرعة ما يحل به ولم يفكر بردع ما يمكن ان يتكرر يحقه، انه شعب يمكن ان يوصف بسمات شتى، وهو غارق اليوم في ثنايا ما يجري على ساحته الخاصة، وربما ينسى التاريخ ويعيد ما جرى فيه بالشكل والطريقة المختلفة ولكن بنفس التاثير والهيمنة والخنوع .

بهذا الشعب وبهذه الجهات السياسات المنبثقة منه، وبهذا التدخل وذاك في شؤونه ، وبتاثيرات هذه المصلحة وتلك، فان الخلافات ستستمر وستكبر وستبقى المشاكل مستعصية لفترة طويلة ، الا ان الافاق غير مظلمة حد القتامة في السواد، والوضع والمرحلة وما يجري داخليا وخارجيا يحتاج للدقة والتمعن والحسابات والجراة ، والمهم هو احقاق كل الحقوق  لكافة المكونات ومن ثم سيبدا التعايش المؤمل برضا الجميع . وهذا لا يحصل الا بعقليات كبيرة مؤمنة بمستقبل البلد والمحبة للاخر بعيدا عن العقد المزمنة ، وعاملة من اجل سعادة ورفاه الجميع معتدلة الفكر والعقيدة، غير انانية ومطالبة بحق الاخر قبل الذات . فهل من جهات او قيادات تمتلك هذه الخصائص والسمات، ام الواقع والمصالح والعمل التطبيقي على الارض يُنسي المباديء ويطرح العقلانية جانبا كما يحصل اليوم وطوال هذه السنين التي مرت بنا . لنا ان نقول ونحزم في قولنا قاطعا بان من كان جزءا من المشكلة ولو بشكل معين وحتى غير مرئي لا يمكن ان تكون له القدرة على ان يتحلى بكل تلك الاخلاقيات والعقلانية الدافعة له بان يكون جزءا من الحل ، اولا يستطيع المشاركة في ايجاد الحلول اليوم على الاقل . لذا ، علينا ان نراقب وننتظرايجاد الطرف الذي يمكن الاعتماد عليه، ووفق كل الاعتقادات بان الحل يكمن في خطوات وتوجهات الطرف الكوردستاني شيئاما حسب ما اعتقد لانه يعيش شبه مستقل وله خصوصياته وممارس لشيء من سلوك الديموقراطية المطلوبة في اقليمه، وهذا لا يمكن ان ينجح في هذه الاونة وانما بعد ان يحس بانه حقق ما يطمح اليه شعبه بشكل مرضي، وعندئذ لن تكون لديه مصالح كبيرة ليجبره على الانحياز هنا وهناك، وسيكون حكما وليس خصما في جميع الامور، وفي حينه يمكن الاطمئنان على الطريق السليم المؤمٌن للوصول الى الامن والسلام والاستقرار في البلد . 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2037 الثلاثاء 21 / 02 / 2012)

في المثقف اليوم