أقلام حرة

كلام في السياسة الخارجية (2) .. خطوة سعودية متأخرة وناقصة / مصطفى الأدهم

من جهتها ذكرت مصادر اعلامية على لسان المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء، علي الموسوي أن "الحكومة العراقية ترحب بهذه الخطوة، ونعتقد أنها خطوة أولى، وننتظر خطوات مكملة بتعين سفير مقيم في البلاد". وأكد أن "استجابة العراق بالقبول لهذا الطلب ستكون سريعة". متابعا "كان لدينا سفير عراقي في المملكة منذ فترة طويلة، وكنا ننتظر هذه الخطوة".

 

بداية، الخطوة السعودية أتت متأخرة جدا، وفي نفس الوقت ناقصة. من جانب أخر فأن الترحيب العراقي بهذا الشكل كان متوقعا كنتيجة للهاث وراء تبادل العلاقات الديبلوماسية التي كانت من طرف واحد مع نظام آل سعود. من جهة ثانية، فأن لهذه الخطوة التي هي في الحقيقة "نصف خطوة" في طريق ألف ميل تعبيد العلاقات بين بغداد والرياض، لها جانب سلبي واخر أيجابي.

 

الإيجابي، كما فسره المستشار الموسوي، وسيترجم في بغداد على أنه "انتصار" للديبلوماسية العراقية واختراق نوعي في "جدار برلين" - العلاقات الديبلوماسية بين بغداد والرياض. واعتراف من الأخيرة ب"شرعية نظام الأولى الديمقراطي وعمليته السياسية" !!.. بالإضافة إلى أنها خطوة أولى ينتظر أن تليها خطوات لتكميل الوصل المنقطع مع الرياض. وستكتب المعلقات عن ايجابية هذه الخطوة السعودية المنتظرة شارحة الأبعاد "الإستراتيجية" ل"المبادرة الكرمية" من لدن "خادم الحرمين". 

 

أما الوجه السلبي، فهو أن هذه الخطوة هي في الحقيقة نصف خطوة، وناقصة، وتضمر نوعا من الإستخفاف بوزن العراق - اقله ديبلوماسيا. فتعيين سفير غير مقيم ليس بالخطوة الديبلوماسية الإيجابية. فالعراق ليس بلدا صغيرا أو هامشيا، ولا هو حديث التكوين والإستقلال كي يستجدي الإعتراف من هذه الدولة وتلك، مجمعا أكبر عدد ممكن من الأصوات على أمل اعتراف الأمم المتحدة به كي يحصل على معقد له فيها - ككوسوفو على سبيل المثال لا الحصر. 

 

أولا: العراق دولة اقليمية مهمة، ولها موقع استراتيجي في الجيوبوليكتيك؛ الإقليمية والدولية. ناهيك عن مكانته الرائدة في "أبجد هوز" العالمين العربي والاسلامي، بالأضافة الى تاريخه الحضاري ـ الأمبراطوري، ودوره الحالي كأول نظام ديمقراطي في المنطقة. 

كل ذلك يجعل له خصوصية معترف بها من الكبار قبل الصغار.

 

ثانيا: فالعراق ليس بالدولة الغير آمنة والفاشلة بمستوى الصومال حتى لا تبادله السعودية التمثيل الديبلوماسي لإعوام، بينما كانت تتبادله مع "تمارة طالبان الأرهابية".

فبغداد تحتضن سفارات متبادلة مع الدول العظمى الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، مضاف لها أكبر دول الإقليم كتركيا وإيران وأغلب الدول الاوروبية والأسيوية المهمة كاليابان بالإضافة إلى العربية وأن على استحياء للدواعي الطائفية. ناهيك، عن انتشار التمثيل القنصلي للدول الكبرى عالميا واقليما في كوردستان، كركوك والموصل شمالا والبصرة وغيرها جنوبا إلى جانب التمثيل الأكبر في بغداد. والأخيرة لها سفير مقيم في الرياض وكادر سفارة منذ مدة طويلة، أشبه بالعاطل عن العمل. 

 

النقطة المهمة هنا، هي غياب العقيدة الخارجية التي ترسم السياسة الخارجية العراقية. لذلك ترى بغداد تجري وراء الشكليات لا الإستراتيجيات، عادة الأولى "انتصارات استراتيجية" مهمة وانجازات "نوعية"، معتقدة بأمكانية النجاح في تسويقها دوليا واقليميا ومحليا.. متناسية أن المجتمع الدولي هو من وضع "أبجد هوز" العمل الديبلوماسي بالتراكم والخبرة ويعلم من هذه الأبجديات ما هو الإستراتيجي وما هو الشكلي، ناهيك عن أن الشعب العراقي كما يقال "مفتح باللبن". 

 

فمن أبجديات العمل الديبلوماسي "سياسة المعاملة بالمثل" والتصعيد المتدرج. أي "تعطني سفارة. أعطيك سفارة". "ترسل سفير. أرسل في مقابله سفير"... وهكذا. 

وهذا ما أهمله العراق في تعامله مع السعودية، وهنا بيت القصيد. واستخدم الشاذ من القاعدة، الذي لم يجني منه أية فائدة تذكر، سوى الخسارة المالية، والمعنوية، بالإضافة إلى الديبلوماسية وانعدام الإنتاجية من سفراته العاطلة عن العمل في الرياض والتي تسمع، وتقرأ، وتشاهد الإهانات والمغالطات، والتزوير الرسمي والاعلامي السعودي المتعمد تجاه العراق الجديد وهي عمياء، وصماء، وخرساء، لا تعترض. لا تشرح. ولا تدافع.. بل تجزل الشكر،، والعرفان والمجاملات على مسلسل الإهانات في مازوخية ديبلوماسية مثيرة للإستغراب!

 

الخطأ، كان عراقيا، بالتمثيل الديبلوماسي من طرف واحد مع السعودية، الذي لم يؤدي حتى الساعة إلى عودة العلاقات معها. وهذا التصرف الديبلوماسي الخاطيء أعطى الرياض الذريعة تلو الذريعة، لهكذا معاملة مهنية. فمن لا يحترم نفسه لا يحترمه أحد، خصوصا خصومه. والحكومة العراقية لم تحترم تمثيلها الديبلوماسي ودرجته، والنتيجة كانت عدم احترام السعودية لهذا التمثيل العاطل عن العمل. وعندما تحركت، كانت نصف خطوة ناقصة وفيها ما فيها من السلبية. 

 

الحل، أن كانت الحكومة تحترم نفسها وشعبها وتمثليها الديبلوماسي ودرجته، ومؤمنة بمكانة ودور العراق اقليميا، عليها أن تملك الشجاعة الكافية لتطبيق سياسة التعامل بالمثل مصحوبة بالتصعيد المتدرج مع الكل دونما أستثناء. والإنحناء للعاصفة لا يكون مع الصغار بل هو مع الكبار وفي شروطه وشرائطه. 

 

لذلك - وبصراحة، لا داعي لمسح الأكتاف السعودية، لأنها "سياسة" لم ولن تجدي نفعا. بالإضافة إلى حقيقة مفادها أن "الداخل والخارج يعلم أن النجاح في السياسة الخارجية لا يقاس بالضرورة بعدد السفارات خصوصا أن كان التمثيل الديبلوماسي من طرف واحد وغير مقيم". العراق، ليس كوسوفو ولا جمهورية جنوب السودان كي يستجدي افتتاح السفارات، بل هو موقع مهم وساحة استثمار خام يلهث روائها كل صاحب عقل. 

من هنا، يجب أن تكون الخطوة التالية للترحيب العراقي، هي وضع "Deadline" للسعودية لرفع تمثيلها الديبلوماسي بدون شروط مسبقة والا المعاملة بالمثل مع التصعيد المتدرج، كي يعرف كل طرف حجمه ويتصرف على أساسه.

 

مصطفى الأدهم

21.02.2012

  

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2040 الجمعة 24 / 02 / 2012)

 

في المثقف اليوم