أقلام حرة

ماهي رهانات الشباب في العراق اليوم؟ / عماد علي

وقد تحطم في العديد من الجوانب الحياتية العامة له، فلم يروا في حياتهم ما يمكٌنهم من الراحة النفسية الجسمية المطلوبة طوال المراحل التي مروا بها كي يعيشوا حياة طبيعية بسيطة كما يتمنى اي شاب في الحياة . هذه ماساة ليست وليدة اليوم وانما مرت بها الاجيال السابقة، شباب الحرب المتعاقبة التي فرضتها الدكتاتورية المقيتة في التاريخ الحديث .

اما اليوم وبعد سقوط الدكتاتورية التي انهكت حياة الشباب لعدة اجيال، وهم اصيبوا بخيبة امل كبرى بعد ان علٌقوا كل امنياتهم بسقوط البعث وصبروا لما قد ياتيهم من الفرج بعد الشدة والضيق، وللاسف لم يلقوه لحد اليوم بعد ما انقض الارهاب على حياة الناس من خلال التفجيرات المتكررة المؤثرة على الحياة العامة من كل جوانبها وكذلك عدم استقرار السلطة وانعدام الالتزام بالقانون . وهكذا اشتد بهم الضيق وزاد اكثر، فمنهم من ترك البلاد مرغما او خوفا ومنهم من لاقى حتفه ومنهم من اعيق جسديا، هذا عدا الوضع النفسي المتردي والكبت الدائم نتيجة الحروب التي اشعلها الدكتاتورية والظروف المعيشية المهلكة وبعد ان واجهوا ما لم يتوقعوه بعد السقوط، زادت الطين بلة .

لو كنا اكثر واقعية في تقييمنا لحياة الشباب لبيٌنا ان هناك ما يستوحي لنا بانه حصل تغييرا ولو ضئيلا  في هذه المرحلة، ولكن الارهاب لم يدع تحقيق الاحلام سهلا وان يصل الشاب لمستوى يحثه على ان يعيد النشوة والحيوية اليه وان ينعش ويعيش حياته الطبيعية كاقرانه في اكثرية دول العالم .

لقد تغيرت مزايا وخصوصيات الشباب ومتطلباتهم وما يدعهم مترفهين وسعداء مقارنة بالاجيال الماضية، انه عصر السرعة كما يعلم الجميع، والمرحلة في حالة انتقالة الى وضع وواقع مغاير بشكل مطلق من جميع النواحي، لما فيه من المثيرات والمحفزات المادية والمعنوية، واصبح الاحتكاك والتلاقي فيما بخص الشباب على اشده على ارجاء الصقيعة وبسهولة ويسر، بحيث لم يدع هذه الوسائل المتوفرة حاجزا بين الاجناس والالوان في العالم، واصبحت الاحلام والاماني المختلفة الى حد ما متشابهة ومتقاربة بينهم، وذات النوعية من الحياة تفرض نفسها، ان استثنينا العوائق الطارئة التي تبرز هنا وهناك نتيجة الظروف الموضوعية وموروثات التاريخ الفكرية العقيدية الدينية وما يؤخر ويقدم التغيير زمانيا. الا ان هذه الحواجز لم تقف حجر عثرة مانعة لوصول الجيل الجديد الى التساوي والتشابه في سيرة حياتهم ومتطلباتهم واحتياجاتهم وظروف حياتهم العامة . تطورات العصر لم تنحصر بمكان دون غيره، اي تغيير ولو صغير في اية زاوية في العالم ستكون له افرازاته وامتداداته وصداه وانعكاساته على الصعيد العالمي وعلى كافة بقاع العالم الاخرى. بعد الحرية النسبية التي فرضت نفسها على حياة الناس في العراق ما بعد الدكتاتورية ، فان الشاب هنا لم يبق بعد في خارج المعادلة وهو يعيش في خضم ما يفرزه العصر وليس كما كان من قبل من وضعه المنعزل المتقوقع في زاويته الخاصة مراقب ومحاصرمن قبل السلطة الغشيمة . رغم الثقافة والكلتور وافرازات السياسات العنجهية للدكتاتورية البغيضة التي لازالت لها تاثيراتها المتبقية على الحياة العامة والخاصة للناس، الا ان الحالة التي كانت سائدة وفرضت نفسها على الشاب العراقي قد زالت مجرد بازالة الدكتاتورية شكليا، وخرج المارد من القمقم نهائيا وتحرر الناس شيئاما، وبدات الحرية والتعبير ما بعد الكبت الطويل الامد، ولكن ان كان التعبير ممنوعا عليه من قبل اما اليوم فان الاستماع اليه ممنوع او مهمل بشكل عام رغم الاستفاضة في التعبير .

 ان الرهان الايجابي الاول للشباب يتوقف على ازاحة ما بقيت من تلك المعوقات التي انبعثت من عصور الحرب وتجذرت في عقليات وسلوك وتفكير الناس جميعا؛ ومن ضمنهم الاجيال الشبابية المتعاقبة، ويتم ذلك بالانسلاخ الكامل من القشور الضيقة التي خاطتها العصور المظلمة، من الوضع النفسي المتردي والاحساس بالنقص للشاب والذي تاصل في سماته واخلاقياته نتيجة طول مدة الايام الخوالي وكما فعلت فعلتها بتلقائية  جراء الظروف الصعبة وما مر بها، وهذه العملية التقشيرية الانسلاخية لاعادة التعقيم والترطيب والتبرعم تحتاج لتخطيط وجهود الجهات العديدة من السلطة الى منظمات المجتمع المدني والمراكز الثقافية، والى الشباب انفسهم وعلى مدى تقبلهم للواقع الجديد وما يختارونه من ما يفيدهم من جميع النواحي وباية الية يختارون هم .

الرهان الثاني لهم مرهون بذاته على الشاب بنفسه قبل غيره، ومتوقف على فكر وخطط وتوجهات السلطة السياسة وما يكمن ان يصدر منها من التعليمات والافكار والخطابات ، وكيفية تعاملها مع ما يخص حياة الجيل الجديد ومستقبله والتعامل مع طموحاته السياسية الثقافية الاقتصادية الحقة والوسائل التي يمكٌنه من توفير الضرورات الحياتية والمحفزات المادية المعنوية التي تدعم انتقالته واخراجه من وحل وعقدات الماضي الكثيرة، وشد ازره وما يمكٌنه من ايجاد الطريق المناسب للوصول الى مبتغاه وتحقيق امنياته في الحياة بنفسه دون ان يستجدي من المكونات والتراكيب السياسية المتفقعة فجاة، وما يمكن ان ينوجد من اجل الاهتمام به دون اي يمنوا عليه في كل صغيرة وكبيرة .بل هو اعمدة التغيير ويحتاج قبل اي شيء اخر الى خطط شاملة كاملة علمية دقيقة ليختارو لهم اهم الطرق ويتابع مسيرته ويعمل بجد وجهد مطلوب لتحقيق اهدافه بنفسه من خلال دعمه وارشاده الصحيح بداية ومن ثم اعتماده على نفسه في مسك زمام الامور وتوجيه السفينة، ومن دون ان يحتاج لاحد .

الرهان الاكبر لنجاح الشباب يقع على ذاتهم هم الشباب اليوما الواعية المتفهمة لموجودات ومتطلبات العصر، اي يجب ان يخرجوا بانفسهم الى ساحات العمل والوغى ويقفزوا وينطلقوا من مواقع الانعزال والتقوقع والخوف الذي زرعته الدكتاتورية في كيانهم، وعندئذ يكون لهم التاثير المباشر على كافة مفاصل الحياة السياسية الاقتصادية الثقافية الاجتماعية العامة، وعند مشاركتهم الفعالة في كافة امور الحياة العامة وبيان رايهم لاستثارة الراي العام في كل صغيرة وكبيرة سيحتلوا مواقعهم المهمة، ومن اجل الضغط على المتنفذين كي لا يحسوا بانهم غير مراقبين او هم مطلقوا الايدي كيفما يعملون احرار كما هم لحد اليوم. لا، بوجود المعارضة الشبابية المبدعة الصانعة للمعجزات والراي العام القوي المؤثر، لا يمكن للسلطة ان تستمر في غيها، وستلتفت بكل قوة وحذر الى متطلبات الشباب وما يخصهم قبل غيرهم. وهذا الواقع الذي يتطلع اليه المخلصون ليس بسهل، ربما صعب جدا في هذه المرحلة المعقدة وفي ظل ما نجده من تدني مستوى الثقافة العامة وانعدام الخلفية المتنورة المطلوبة والتعاون والتنسيق لولادة راي عام ضاغط مطلوب في عصر التقدم .

هذا التوجه والرهان سيفصل الشاب الواعي المثقف المتنور المتمكن النشط الذكي المتحرر من كل عوائق الماضي والتاريخ عن الكسول المترخي المتوكل المرتبط بالماضي وسلبياته وملتصق بكل مالا يلائم التطور والمستجدات ومتطلباتها . لو تحققت المتطلبات وتوفرت الارضية وترسخت بشكل ملائم واستوضحت الدوافع وتقوت التوجهات، يمكن ان نجد الشباب الواعي المتوائم المتقبل للتغيير ولكل جديد وهم يبنوا الكيان القوي الناصح المستقيم المفيد لهم وللجميع، وهو ما يغير الزمن والحياة ويبني ما يوائم الجديد المتغير المستمر . رهان الشباب تقف دائما على كل جديد ومتطور وعصري من الوسائل والافكار والقيم من اجل التنمية والتطور المنشود في كل عصر، فما بالك باليوم الجديد. وبه سيتقدم البلد وتتطور الحياة المعيشية للجميع وتنتعش الشباب وسيعيشون عصرهم بمستجداته كما هو وبما يفيدهم وتزدهر به حياتهم ويقتربون من امتلاك ما يدعهم ان يعيشوا بسعادة ورفاهية منتظرة لهم، وهذا ما يجعلهم اداة ضرورية قوية وقيمة للانتقال الى مرحلة جديدة متلائمة مع العصر الجديد، وبه سيزيحون ما خلٌفه الماضي الى الابد . اذن هذه الرهانات الرئيسية لشباب اليوم التي يمكن ان تتحقق، وتتغير بها حياتهم وحياة الناس جميعا، في العراق .  

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2044 الثلاثاء 28 / 02 / 2012)

في المثقف اليوم