أقلام حرة

الإسلام والحضارة: أزمة هوية

والتي تعارفنا عليها في الأمس واليوم بالحضارة الصينية أو الهندية، وحتى الفرس كانوا أشد اصراراً من غيرهم في تحديد حضارتهم ابتداءاً من هويتهم القومية، رغم تعاقب الأديان قديمها وحديثها، التي لم يبق منها إلا ما بقي من آثار زرادشت .

هذا القياس ينطبق أيضاً على حضارات النصف الغربي من الكرة الأرضية، سيما وأن الحضارة الغربية ظلت متمسكة بهويتها القومية إلى اليوم في ظل رفضها المستمر لصبغة الحضارة بأي لون غير لونها الحقيقي، سواء كان ذلك قبل ميلاد السيد المسيح أوبعده، وتجلى هذا الرفض جلياً في إفشال مساعي الكنسية التي لم تنجح في إضفاء صبغة لونها الديني على هرم الحضارة من خلال إخضاع قلوب المؤمنين لسلطتها الكهنوتية، إن ترغيباً أو ترهيباً، لهذا بقيت الحضارة الرومانية والإغريقية بمعناها الواسع، ذلك الإطار الثقافي الممتد لآلاف السنين .

وإذا ما عدنا إلى السؤال الذي ابتدءنا به موضوعنا، فإننا سنكون أمام رأيين متفاوتين يصلان بنا إلى عتبة الصراع المرفوض، الرأي الأول يعتبر أن الإسلام إلى جانب كونه دين، فإنه أيضاً يمثل الشق الروحي للحضارة، ورأيهم هذا، كرد مباشر على تشبث بعض المستشرقين أو المستغربين في تقسيمهم الحضارة إلى جزئين، جزء مادي وآخر روحي، فروحانية الإسلام في معتقدهم جزء موصول من ثقافة الاتصال الروحي بين الخالق والمخلوق، أما صرحها الحضاري، فهو البناء الإيماني الراسخ في شخص الإنسان العاقل، من خلال تنوير ما ظلم في قلبه وعقله .

وبالنسبة لأصحاب الرأي الثاني، فإنهم يرون أن ادعاء الإسلام للحضارة، يجافي حقائق الواقع والتاريخ، الواقع لأنه يسلب العرب هويتهم الحضارية كقوم مثل سائر الأقوام الإنسانية الأخرى، صحيح أن الإسلام انطلق من أرض العرب الأولى، إلا أنه لا يبرر انصهار هوية العرب في بوتقة الإسلام كحضارة أوسع وإطار اشمل، وإلا لغدت حضارة الجرمان والرومان، حضارة مسيحية بالكامل، وهنا تظهر مجافاته لحقائق التاريخ إذا ما حصل فعلاً، وبما أنه حاصل الآن في الإسلام، فإنه بلا شك، أحد مسببات الصراع المستديم بين أصحاب الرأيين السالفين، بحيث تظهر مقدماته الأولى في الخيار بين استيراد الحضارة واستهلاكها .

ولأن كفة الحضارة تميل اليوم لصالح دعاة الجزء المادي، ولا نقول لصالح الغرب، وذلك منعاً من الوقوع في شطط التعميم وأخطاءه، فإن دعاة الجزء الروحي، سيكونون في موقف المستهلك لحضارة الجزء المادي، وبذات الوقت يعلنون استنكارهم لها شكلاً ومضموناً، رغم استخدامهم المفرط لأدواتها في الحرب والسلم، ولن يكونوا في موقف المنتج للحضارة، طالما أنهم يعلنونها صراحة، أن حضارتهم روحية، وليست مادية ذات طبيعة انتاجية، إذن فما عساها أن تكون؟ أتكون ذات طبيعة إيمانية استهلاكية عاجزة كل العجز عن الانتاج، أم أنها تكون روحية بمدلول التسامح، في مقابل المادية التي لا تصدّر سوى القوة المدمرة

للكون؟ .

وإزاء هذ التبرير والتبرير المضاد، هل من التسامح بشيء تفخيخ الروح الإنسانية التي هي أسمى وأرفع من المادة الصانعة لها، استعداداً لتفجيرها؟.

سؤال قد يعيدنا مرة أخرى إلى مربع الأزمة، وهو هل الإسلام دين أم حضارة؟.

 

كاتب عربي

[email protected]  

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1188 الأحد 04/10/2009)

 

 

في المثقف اليوم