أقلام حرة

الأسس التي قام عليها مذهب التشيع / جابر السوداني

على الرغم من بطولته الفذة وسابقته وفضله في الإسلام وعلمه وبلاغته وعدله ودرايته بالقضاء وقرابته الماسة الرحم بالنبي صاحب الرسالة ومؤسس هذه الأمة، وبدون توفير إجابة شافية لهذا السؤال المهم فإن البحث والخوض في هذا الأمر سيبقى غير مجدي وهامشي ولا يصب في صلب الموضوع إطلاقا.

والإجابة الشافية عن هذا السؤال تستدعي هي بدورها أيضا من الباحث إلقاء نظرة متفحصة ومعمقة على القوى والتشكيلات الاجتماعية المتخندقة في كلا المعسكرين المتصارعين حين ذاك، وسيجد الباحث في هذا المجال بيسر ودون عناء كبير أن جميع المتخندقين ضد خلافة الإمام علي هم من أبناء البيوتات القرشية المتنفذة ومن أصحاب الزعامات المشهورة في العهد الجاهلي ومن حلفائهم والطامحين مثلهم إلى استرداد ما أخذه الإسلام منهم طوعا أو كرها، بينما تتكون الغالبية العظمى من المتخندقين في معسكر الإمام علي من الموالي والعبيد والفقراء المحرومين والإعراب الوافدين من عمق الصحراء إلى مراكز المدن الأمصار ولولايات الكبرى ومن أصحاب الذمة الباحثين عن المساواة وفرص البقاء في ظل الحاكم العادل

ونتيجة منطقية لا تقبل الشك أو التأويل:  فإن سمة الصراع الذي دار بين هذه تشكيلات الاجتماعية المتشاكسة والمتضادة المصالح هي سمة طبقية بامتياز ووضوح تجلت فيها كل أشكال الدفاع العن مصالح الطبقة وليس عن مصالح المذهب

وانطلاقا من هذا الفهم تتجلى حقيقية أسباب الرفض القريشي لخلافة الإمام علي باعتباره ممثل طبقي لمصالح الفقراء والمغلوبين من أبناء الأمة وهذا ما جعل خلافته  هدفا لنشاط التخريبي  يسعى بلا هوادة إلى إجهاض تجربته الأخلاقية الفذة وإسقاط حكومته ومن ثم التخلص من مفاهيم العدل الاجتماعي التي كان علي ينادي بها ويرفع لواءها

وبالعودة من جديد إلى السؤال الأول عن الأسس التي قام عليها مذهب التشيع فإننا سنجد حتما وبعد هذا العرض الموجز إن أسس التشيع الأولى  إنما هي مفاهيم ثورية طبقية قام بها جياع وفقراء الأمة ضد الانحراف والاستئثار بالمال العام اتخذت من شخص الإمام علي بن أبي طالب رمزا وقائدا لها، وقبل هو بهذه المهمة الشريفة من منطلق إيمانه بأخلاقية شروطها

لكن هذه الإجابة  ضلت غائبة وعن سوء قصد قرون طويلة واستبدلت بإجابات كاذبة لا تمت إلى جوهر الصراع العلوي القريشي بصلة لا من قريب ولا من بعيد ولا تحدد بشكل واضح ومكثف أسباب الرفض القريشي لخلافة الإمام علي والذي قوبل برفض آخر من قبل المتشيعين للإمام علي لخلافة الآخرين كردة فعل طبيعية على استبعاد مرشحهم والمدافع عن مصالحهم كفقراء عن الخلافة وهذا الرفض والرفض المضاد شق صف الأمة ووحدتها إلى الأبد

وقد شارك في التغاضي عن فضح جوهر الرفض القريشي المعادي لمنهج الإمام علي والتعمية عليه بسوء قصد فيما بعد المتشيعون وغير المتشيعين على حد سواء لكون هذا الجوهر  ينطوي على حراجة أكيدة للطرفين بسبب توحد توجهاتهم الطبقية البرجوازية المعادية للفكر الحقيقي للإمام العظيم علي بن أبي طالب

لذاك صبتِ الغالبية الساحقة من أطروحاتهم المذهبية المتشاكسة في ما بينها وعن سوء قصد أيضا، صبتْ بعيدا عن الجوهر الحقيقي للخلاف الذي كان قائم بين الإمام علي وبين زعامات قريش المتربصة به

والحقيقة إن قريشا لم ترفض عليا لشخصه أو لنسبه أو لصغر (سنه قياسا ببقية الصحابة) ولم ترفضه أيضا بسبب الدور الذي قام به  أثناء معارك صدر الرسالة وتصفية لرموز قريش المناوئين للرسالة بسيفه كما يدعي بعض زعماء المؤسسة الدينية وإنما رفضتْ قريشُ منهجه الطبقي الداعي إلى مساواة الفقراء من الأعراب والموالي وأهل الذمة من أصحاب الأديان الأخرى بزعماء قريش في العطاء والفيء وتحقيق العدالة الاجتماعية بين جميع أفراد الأمة والتي يعاديها ويخالفها اليوم المتشيعون وغير المتشيعين كما أسلفنا بسبب توحد توجهاتهم الطبقية البرجوازية المضادة لمصالح السواد الأعظم من الفقراء

ومن غير المعقول أن نتوقع من مؤسسات دينية يعشش في روحها الجشع البرجوازي المقرون بكل بترف العصر الراهن  أن تكف عن ممارسة لي عنق الحقيقة عن مسارها الصحيح وتعترف لنا بطبقية الدعوة العلوية المنحازة لمصالح الفقراء، لأنها بذلك ستعترف ضمنا بالخروج عن منهج الإمام علي بن أبي طالب الذي تدعي إتباعه

  

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2047 الجمعة 02 / 03 / 2012)


في المثقف اليوم