أقلام حرة

الذي يَستَحِق العَيش / امين يونس

.. قال له الطبيب: سأسألك بعض الأسئلة، ثم أجيبك. هل تُدّخِن؟ كلا على الإطلاق . هل تشرب الخمر؟ لم أذقهُ في حياتي . هل تسهر مع اصدقائك؟ ليسَ عندي أصدقاء في الواقع . هل تعشق فتاة، هل تسهر مُفّكراً فيها؟ كلا، بتاتاً . هل تلعب القمار؟ لاأعرف أي شئ عنه . هل تُسافر كثيراً، هل عندك هوايات؟ في الحقيقة لا أفعل، وليس عندي أية هوايات . هل عندك أهداف عظيمة تُريد أن تُحّقِقها؟ لا، ليسَ عندي . قال الطبيب بعصبيةٍ واضحة : إذن، أيها الأحمق، إذا لم يكن عندك أي من هذه الصفات، ما الفائدة من ان تُعّمِر؟! " .

تَمّسُكَنا نحن العراقيين، بالحياة، يشبه الى حدٍ ما، رغبة صاحبنا أعلاه ... فَمعظم حياتنا، قضيناها، خائفين من الحاكم، مرعوبين من الاجهزة الأمنية، متقَوقعينَ في بيوتنا، هرباً من شرطي الأمن، او الرفيق الذي سيقودنا الى الجيش الشعبي، أو أقبية التعذيب .. أو معسكرات الإذلال وإمتهان الكرامة .. شَربنا الحيطة والحَذّر مع حليب الرضاعة، إتقاءاً لِلشَر القادم في أية لحظة ومن أي مكان ... هذا كان حالنا " وما زالَ كذلك بدرجةٍ او بأخرى " ... وقسمٌ آخر مِنّا .. هاجرَ رغماً عنه، إن لم يكن لشئ، فعلى الأقل للبحث عن الأمان وبعض الإستقرار وشئ قليل من الكرامة الإنسانية، المفقودة في بلدنا .

هل تستحقُ هذه الحياة، وسط مُستنقع الفساد المُستشري اليوم ان تُعاش؟ هل ينبغي التمسُك بأهداب العيش الذليل، بين اللاعدالة والظُلم وسوء التوزيع وتفّشي العُنف، وخِسّة ونذالة أولي الأمر؟ ... نعم، نستَحِق ان نعيش، في حالةٍ واحدة فقط، أن نتخلى عن السلبية، أن نترك اللامُبالاة .. أن ننبذ الكَسَل والانانية .. أن نقولَ بصوتٍ عالٍ للمُخطئ : أنتَ مُخطئ . أن نصرخ في وجه الفاسد : أنتَ فاسد وسارق وناهب .. مَهما يَكُن هذا المُخطئ أو الفاسد، ومَهما حملَ قبلَ أسمه من ألقاب ورُتَب .. فالمسئ الى الشعب والمصلحة العامة، لايستَحق إلا الردع وجّرهِ جّراً الى القضاء لينال جزاءه العادل . المُستكين والخانع، لايستحق ان يُعّمِر، مثل صاحبنا أعلاه الذي سأل الطبيب .. والمُطالِب بالعدالة وبحقوقه المشروعة والمُكافِح من أجلِ غدٍ أفضل، هو الذي يستحِق العيش الكريم .

 

..........................

 إهِ لو تعلمون مدى قُوة كلمة الحَق، إذا قيلتْ بِصدقٍ وشجاعة .

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2048 السبت 03 / 03 / 2012)

في المثقف اليوم