أقلام حرة

قمة بغداد .. شروط متبادلة / مهدي الصافي

منذ أكثر من خمس عقود والشعب العراقي يدفع ضريبة المؤامرات الخارجية، وليتها جاءت من غريب بعيد، ولكنها كانت تأتي وتعبر دوما من بوابات الدول العربية، بدأ من سلسلة التدخلات المتكررة في الشأن الداخلي للعراق، وصولا إلى الانقلاب الأسود لحزب البعث منذ 1963وحتى 1968،

ثم جاءت حرب الخليج الأولى مع الجارة إيران (1980-1988)، تحت شعار حماية المصالح العربية من جهة الشرق (حرب البوابة الشرقية)،

بعدها اختلف المتآمرون حول تعويضات تكاليف تلك الحرب (والتي خرج منها العراق محملا بديون أسلحة الحرب)،

وهكذا حيكت مؤامرة حفنة المليارات من دولارات التعويض (حيث قيل إن النظام العراق قد طلبها من الكويت جراء شفطها نفط الرميلة المشترك، وقيل أيضا إن الولايات المتحدة أسدت إلى أمراء الكويت بنصيحة عدم الدفع، فاحترقت المنطقة بمئات المليارات)،

ولكن تبقى مهمتهم المحكمة في اسطورة التجويع الجماعي، التي طبقوها على أكمل وجه، بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بحصار الشعب العراقي وتدميره وسحق اطفاله ومرضاه وفقراءه، بينما تبقى قرارات هذه المنظمة معلقة على الرفوف، والمتعلقة بخصوص الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، وجرائمها المتكررة بحق أبناء الشعب الفلسطيني، لا احد يجرؤ على الحديث عنها، بل يدفعون لمن يفتي بأن الشيعة اخطر من اليهود لشيوخ فتاوى السلطان!

واليوم تمارس هذه الدول ازدواجية المواقف والمعايير، فهي لاترى بعين الحقيقة لما يجري من أحداث في المنطقة العربية، فهي تمارس تدخلا سافرا في الجمهورية العربية السورية، وتبحث هنا وهناك عن منفذ لتمرير الاسلحة للمعارضة السورية السلفية، وتمتنع عن الالتفات إلى بيتهم المتهالك، إلى مايحدث مثلا في البحرين من انتهاكات سافرة بحق المحتجين والمعتصمين العزل، وما إزالة دوار اللؤلؤة، إلا خير شاهد على تلك الأفعال المخالفة للقانونين والأعراف الدولية.

بعد إن خرج العراق من سطوة النظام الاستبدادي الإرهابي للبعث البائد، كشرت بعض الدول عن أنيابها وشرها المسموم المحشو بالحقد الطائفي والهمجي، المرتعد من شبح التجربة الديمقراطية،

فصارت ارض الرافدين ارض التجارب الإرهابية، وأفرغت دول المذهب الوهابي، وأصحاب الدعوة السلفية الجهادية حمولتها القذرة فوق أجساد شعبنا، في كل مكان وتحت اي ظرف، في الشوارع والمدارس والأسواق والمستشفيات والأحياء السكنية الخ.

هؤلاء الخوارج الذين ابتدعوا التفجير المزدوج (يقصدون الناس الذين ينقذون الجرحى، تحت شعار باطل تحشرون على نياتكم)، كانوا يكفرون الشعب العراق حتى من يلتقي معهم بالمذهب، لا لشيء إلا لان دول الدفع المشروط طلبت منهم ذلك.

اما قصة الديون العربية المطالب بها، فهي موضوع أخر يطول شرحه،

اقلها أن نقول كان على هذه الدول أن تخجل من نفسها ومن شعوبها، عندما سمعت وعرفت إن دولا لاتشترك معنا إلا بصداقة عابرة، قد أطفت ديونها وألغتها، بينما هم لازالوا يصرون عليها، وعلى دفع تعويضات حماقات النظام البائد لهم، دون أن يندى لهم جبين، أمام انهار الدم الجارية في بلادنا.

إذن نحن أمام خيارين لاثالث لهما، بدون حضور القادة العرب إلى قمة بغداد، يعني إن العراق لم يعد بحاجة إلى الجامعة العربية، وعليه أن يبحث عن تحالف استراتيجي قوي في المنطقة، إلى جانب سوريا ولبنان وإيران، والبحث عن دول أخرى يمكن أن تلحق بهم (كمصر وتونس وليبيا والجزائر الخ.)،

فقد قدم الشعب العراقي مايكفي، دون أن نسمع تعاونا من بعض الدول العربية الغاضبة منا (أو من حكومتنا)،

أو اعتذارا عن عقود مضت بجراحاتها، حملت معها ذكريات المحاصرة والمؤامرة والتجاهل وحتى الإذلال عن بوابات حدودهم الدولية المجاورة لحدودنا، كانت سفاراتهم مغلقة بوجه الجوازات العراقية ولازالت....

 

مهدي الصافي

  

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2048 السبت 03 / 03 / 2012) 

في المثقف اليوم