أقلام حرة

السلفية البربرية / ياسر الحراق الحسني

ليست سوى نسخة معدلة من نظيراتها في أديان وعقائد الأمم الأخرى . فمثلاً سلفية "الجينغزو" الصينية سلفية بالمعنى الحقيقي لأن المؤمنين فيها يقدسون ويبجلون أسلافهم بطريقة غير معقولة مدعين أن الموتى من الأسلاف يستمدون الراحة والنعيم بسبب تبجيل الأحياء لهم. فما دام قولهم هذا لا ينسب إلى وحي سماوي، وما دمنا لم يخبرنا أحد الأسلاف الغابرين عما إذا كان ينعم بالتبجيل فإنه بناءً على وجود تقديس للأسلاف دون مبرر معقول، يمكن لنا وصف هؤلاء بالسلفيين. والقاعدة نفسها قام عليها وصف مقدسي الأسلاف في الإسلام بالسلفيين لأنهم لا يملكون مبرراً معقولاً في تبجيلهم للأسلاف، ويتجاوزون بكل الوسائل إخضاعهم للنقاش والمساءلة. السلفية مكنة لا تتوقف عن إطلاق العموميات المثالية واعتبارها مسلمات، كما أنها لا تتوقف عن سحق الجزئيات الحقيقية التي من شأنها الإخلال بمنظومة التقديس الكهنوتية. مكنة تطحن الإختلاف ولا تقبل به وجوداً وإذا تعذر ذلك تكتفي بتشويهه. والسلفيون الذي يعارضون المساءلة العلمية أناس يعانون من الإستلاب الفكري والإسهال الكلامي لا تجد عندهم سوى الذي لا قل ولا دل. ومما يؤسف له هذه الأيام هو أن ترى رموزا في حركات حقوقية معاصرة تصاب بداء التمسلف ما أتى بسلفيات جديدة إلى الواقع الثقافي مثل السلفية البربرية أو الأمازيغية . سلفية تكاد تقول أن قرون البربر القدامى هي خير القرون كما يفهم من اطلاقات بعض النشطاء الذين ادعوا أن البربر لا يؤمنون بفكرة المهدي المنتظر لأنهم يؤمنون بالعمل لا بالإنتظار، أو كقولهم بمثالية البربر من الناحية الأخلاقية التي تأثرت سلباً بالإسلام . فهل صدقت السلفية البربرية في القول بسمو بربرية ما قبل الإسلام، وهل الإسلام فعلاً أتى على المجد الحضاري للبربر؟ أم إن المسألة مجرد نسبة ما هو ليس إسلامي للإسلام في الحديث عن التأثير السلبي المشرقي على البربر!

 

الدين وبربر ما قبل الإسلام

يصعب القول بأن البربر قبل الإسلام كانوا يعتنقون ديانة معينة خاصة مستقلة بذاتها عن التأثيرات الخارجية. فقد تأثروا بالميتولوجيا الإفريقية والإيبيرية والفينيقية قبل أن يتأثروا بديانة مصر القديمة والديانة اليهودية. ولا يمكن الحديث عن منظومة قيم أو دين موحد لدى البربر القدامى. هناك أمثلة عدة منها ما جاء في ورقة" البربر والموت" للدكتور مصطفى الواشي مدير الأبحاث السابق في معهد التعليم العالي والبحث العلمي في المغرب، حيث تحدث عن الفرق بين بربر المغرب الأقصى وبربر ليبيا من خلال طقوس الدفن .و يتضح الأثر الإيبيري في المغرب من خلال التشابه بين آثار قديمة تبين دفن الموتى مع الأسلحة والمجوهرات والمحارات مثلاً، في حين يتضح الأثر المصري على بربر ليبيا الذين تبين من خلال الآثار تحنيطهم للموتى. وهذا دليل على غياب وحدة بربرية فيما قبل الإسلام على مستوى الدين والقيم. هناك أيضاً دراسات تتحدث عن طقوس سادت لدى البربر قديماً مثل عبادة الموتى والإعتقاد بقدسية أرواحهم ، حيث كانوا يحلفون بهم ويسألونهم الحاجات ويستشيرونهم في أمورهم عن طريق المبيت في المقابر بهدف تلقي الإجابات في الأحلام 1. ومثل هذه الطقوس القديمة عرف بها سكان إفريقيا السود كذلك وهي لا يمكن اعتبارها من مميزات البربر القدامى لانتشارها لدى شعوب أخرى. وعدا هذا تجد أن البربر تأثروا بمعبودات لا أصل لها عندهم مثل "يوبيتر" الاه السماء الروماني والذي طابقه بربر ليبيا مع "ماستمان " الذي هو في الأصل "آمون" الاه السماء والذي هو بدوره معبود مصري بالأصل. فمن خلال ما ذكرت يتبين أن إعتناق البربر للإسلام ليست مسألة غريبةً أو جديدة بالنسبة لشعب متسامح ومنفتح اعتاد الإنفتاح على مختلف الديانات والعادات الأجنبية. ولما يقول قائل أن فكرة المهدي المنتظر جاءت من المشرق، نقول أنه من الأصوب القول : "أتينا -نحن البربر- بها من المشرق".

 

دعوة أم غزو في بلاد البربر!

تتحدث مصادر إسلامية مهمة عن غزو لبلاد البربر لا يمكن الإفتخار بما جرى فيه من جرائم ضد الإنسان. فحسبك "البداية والنهاية" وما فيها من أحداث سنة 27 من تفاصيل لغزو بلاد البربر حيث القتل والأسر والغنائم الجمة والأموال الكثيرة، أو كما ذكر البلاذري في فتوح البلدان (فتح برقة وزويلة) عن إرغام لبيع البربر لأبنائهم من أجل دفع الجزية تنفيذاً لأمر عمرو بن العاص الذي قال للبربر من أهل برقة :"إن عليكم أن تبيعوا أبناءكم ونساءكم فيما عليكم من الجزية". لا شك أن هذا نوع من أنواع الإستعمار ولا يفتخر به إلا متطرف. لكن في المقابل تجد تجربة المولى إدريس بن عبد الله الحسني الذي فر من ذات المجرمين ولجأ لدى البربر ولم يتحالف معهم فقط، بل تزوج وصار منهم كما صاروا منه وعمل على محاربة طغاة الغزو البشع بإسم الإسلام إلى أن أسقطه السفاح هارون العباسي في مصيدة سم اغتاله به . مسألة دخول الإسلام إلى البربر فيها غزو وحشي كما فيها دعوة محمدية حضارية ثابتة في المراجع التاريخية والدينية. فلا يصح لسلفية البربر الإساءة إلى الإسلام بسبب ما صدر عن سلسلة دموية من الحكام الذين نسبوا أنفسهم إلى الدين الإسلامي، والذين دمروا بيت النبوة وذبحوا أبناءه وسبوا نساءه وما البربر إلا شركاء لحملة الحضارة المحمدية والدين الإسلامي في واقع الإرهاب والقتل والدمار الذي عانوا جميعاً منه، سواء كان عباسياً أم أموياً أم قبل ذلك أم بعده.


بربر في المقدسات الإسلامية

لا شك أن المنتسبون إلى السلفية البربرية لو أحسنوا قراءة التاريخ الإسلامي بمختلف مدارسه وأئمته لعدلوا عن كثير من الأقاويل الباطلة في حق الإسلام ، ولوجدوا أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي توجد فيه شخصيات بربرية في غاية الأهمية وكامل التقديس. وهنا لا نتحدث عن طارق بن زياد المتنازع على انتمائه أو عن شخصية كانت على علاقة طيبة مع الحاكم أو من أشبه. إن الحديث هنا انما هو عن شخصيات لم تنل التقديس من الناس بل نالته من الله وبشر به أمناؤه الذين ورثوا العلم عن رسوله. فأي دين تجد فيه إمرأة مثل حميدة المغربية ،أم الإمام الكاظم وزوج الإمام الباقر ، وهي بربرية يمدحها ثلاثة أئمة معصومين -كما في الإسلام الإمامي-، فتجد كتب الحديث كما في الكافي تقول أنها كانت تحرسها الملائكة وكانت مطهرة من الدنس 2 وكانت الملائكة تحل في بيتها 3. ولك مثال آخر لشخصيات هي في الإسلام جزء من المقدس وهو مثال السيّدة سمانة المغربية -البربرية -، والدة الإمام علي بن محمد الهادي، التي قال فيها الإمام الهادي:" اُمّي عارفة بحقّي وهي من أهل الجنة، لا يقربها شيطان مارد، ولا ينالها كيد جبّار عنيد، وهي مكلوءة بعين الله التي لا تنام، ولا تختلف عن اُمّهات الصدّيقين والصالحين"4. لكن مع الأسف الموروث الإمبراطوري الإسلامي لا تجد فيه هذه النصوص التي تتطلب مجهوداً إضافياً لمن يدرس الإسلام لكي يطلع عليها، وهذا ما لا يفعله الذين لم تصلهم أخبار الدعوة الإسلامية ووصلتهم فقط أخبار الغزو.

يمكن للنشطاء والتقدميين الذين وقعوا في التمسلف البربري أن يعيدوا حساباتهم التاريخية لأن في ذلك هدي لهم لما هم فيه من إنحراف عن الصواب. هؤلاء لا يحتاجون إلى سلفية عنصرية لكي يثبتوا لنا ما هو مثبت في كتب التاريخ من جرائم أباطرة الإسلام المقرصن، ولا يحتاجون إلى التهكم بعقيدة منقذ البشرية في آخر الزمان وتشبيه إنتظار المهدي بكل إسفاف وكأنه الكسل في وقت يدافعون فيه عن أقوام يبيتون إلى جانب القبور أملاً في أن يكلمهم الموتى، وشتان بين الإنتظارين. الحركة الحقوقية الأمازيغية تسيء إلى نفسها وهي تظهر بمظهر سلفية بربرية متحجرة وغير علمية تدعو الناس إلى عبادة يوبيتر وآمون رع وتأخذ الإسلام المحمدي الأصيل بجرائر المتأسلمة في التاريخ الإسلامي. فهذا من شأنه أن يحرمها من دعم الكثيرين ولعل هذا هو الحاصل إذا نظرنا إلى بطء تجاوب العوام والمسؤولين مع مطالبهم العادلة.

 

.........................

1. Breth Michael & Elizabeth Freness"the berbers" 1996 Oxford Blackwell p.35

2.  الكافي: ج1 ص477 ح2.   

3. بحار الأنوار: ج37 ص15 ب49.

4. دلائل الإمامة: ص216.

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2050 الاثنين 05 / 03 / 2012)


في المثقف اليوم