أقلام حرة

الفكاهة والحكومة بنكيران / حميد طولست

وتدفع عن الإنسان السأم والملل والسخط والخوف والغيظ والغضب، وتمكنه من قدرات هائلة وإمكانيات عظيمة، لحماية نفسه من الحقد والعنف والكراهية ومقاومة الكرب والمصائب، قد انتشرا بين الناس بصفة كبيرة فلم يسلم من ديوعها، أي زمان أو مكان، ولم تنجو من سطوتها  أي فئة أو جماعة أو أمة من الأمم، لإيمان أغلبها بالحكمة الشهيرة القائلة بأنه "خير للإنسان أن يضحك من النائبة من أن يبكي منها" واعتقاد أكثريتهم بمقولة الفنان العالمي تشارلي شابلن التي يقرر فيها بأنّ "يوماً بلا ضحك هو يوم ضائع من الحياة" فصار بذلك لكل طبقة من طبقات المجتمع فكاهته الساخرة، وبات لكل فئات الشعب حكاياته الظريفة الفكهة، التي لا تترك جانبا من جوانب  المجتمع الذي تتناول فيه شخصيات منه، تنتقد مواقفها، أوتناهض سياستها، أو تسخر من سلوكياتها، وتقدمها للناس في إطار ممتع وفكه، حتى كان الجميع هدفا لحكاياتها، بما فيهم القضاة والفقهاء والوعاظ وأئمة المساجد والمعلمين والتجار، وحتى الخلفاء والولاة  والحكومات والوزارء أنفسهم لم ينجو منها، وتناولهم كأبطال لمفاكهاتها التي تعرض بهم، وتعبر عن رأى الناس فيهم وفي سياستهم بطريقة مباشرة أو غير مباشر، بالتلميح مرة، وبالتصريح مرات، لكن بكل لطف ودقة ودون إطالة في الغالب الأعم، وبفنية عالية توشك أن تجعل منها عملا نبيلا وفضيلة، يُعتبر الافتقار إليها من العيوب، ويلام المرء على "عدم التمتع بحسها" و"خفة الدم" لضرورتها لتبسيط الحياة وتهوين صعابها،كما قال خالد بن صفوان الخطيب:"لا بأس بالمفاكهة تخرج الرجل من حالة العبوس"، رغم أنها تخصص لا يجيده إلا القليل من الأفراد الذين يبرزون فيها دون غيرهم، ويتخذونها وسيلة من وسائل التعبير عن موقف أو نظرة أو فكرة يُتوسل بها تشكيل الرأي العام، أو مناهض لسياسة الكثير من مسؤولي  الحكومات والوزارات والمؤسسات العمومية، دون الإساءة لأحد، تماما كما يحدث اليوم مع الحكومة المغربية الجديدة ورئيسهاالسيد عبد الإله بنكيران وحزبه، الذي  خطف كل الأضواء وكان من غير شك محورا لحديث كل مكونات المجتمع وطبقاته، وأثار جدلا واختلفت  حوله الآراء والتعليقات الفكهة التي تمحورت في غالبيتها حول انعكاس تولي حزبه ذي التوجه الإسلامي تدبير الشأن العام، على الحياة الشخصية والحريات الفردية للمغاربة، وذلك من باب "أن الأشجار المثمرة هي أكثر الأشجار قذفا بالحصى"، أو من باب " لو لم تكن متميزا لما أراد البعض التطاول عليك والإنقاص منك" أو من باب" إن كنت صفرا فكل ما حولك أصفار، وإن كنت واحدا فأنت ذو قيمة". ما دفع بقريحة الشعب المغربي التواق للنكتة والدعابة، أن تجود بالكثير من التعليقات الفكهة التي شاعت وذاعت بين كل الفئات  بعد حدث اقتراع 25 نونبر والتي تعبر بشكل جلي عن التغيير اللغوي والاجتماعي والاقتصادي الذي دخله المغرب بدخول الإسلاميين إلى الحكومة وممارستهم السياسة من موقع المسؤولية والقوة: كتلك النكتة التي يتحدثون فيها عن لقاء رئيس الحكومة الجديد السيد عبد الإله بنكيران بالمدير العام لاتصالات المغرب السيد عبد السلام أحيزون والذي كان مثمرا بينهما وتبادل الطرفان كلمات الود والمحبة والإخاء فقرر السيد أحيزون نزولا عند رغبة رئيس الحكومة تغيير الصوت النسوي في العلب الصوتية بالهاتف النقال بصوت رجولي ملتح، فعوض أن تسمع جملة "يتعذر عليكم الاتصال بمخاطبكم، حاول مرة أخرى.." سوف تسمع جملة ينطقها صوت رجولي ملتح يقول:" يتعذر عليكم الاتصال بأخيكم في الله لأنه في المسجد لصلاة، فالتحق به بارك الله فيك.."، ونفس الطرفة تحكى بصيغة أخرى وهي: أنه "بعـد فوز حزب العدالة والتنمية الإسلامي في استحقاق 25 نوفمبر2011، اتصل أحد وزرائها بشركات الاتصالات المغربية، وفرض عليها تغيير رسائلهم الصوتية المبثوثة في حال غياب المخاطب بأخرى  على النحو التالي: "الأخ الذي تطلبونه إما في الصلاة أو في جلسة الذكر، المرجو معاودة الاتصال بإذن الله.

كما لم يفت مبدعي النكت أن يعبروا بشكل غريب أحيانا لما تحدثوا في نكتة أخرى أن إحدى الشركات الخاصة ببيع آلات الحلاقة قررت أن تعلن إفلاسها بعد صعود الإسلاميين إلى الحكم بالمغرب لكن السيد رئيس الحكومة اتصل بالشركة وعبر لها عن تضامنه ومساندته لها وأن مسألة الإفلاس غير مطروحة لأن لكل مشكلة حل والحل في هذه النازلة بالنسبة للشركة التي اعتقدت أن مبيعاتها سوف تقل بشكل كبير، وهو أن السيد رئيس الحكومة يقترح أن تخفض الشركة من عدد الشفرات إلى شفرة واحدة فقط وأن استعمالها سوف يستمر لأنه حتى ولو عفا الرجال عن اللحى فإن أماكن أخرى في الجسم تحتاج إلى حلاقة ونظافة، فأثنت الشركة على الحل الحكومي ولم تفلس.

 وقد كتب احد الساخرين على موقع "فيسبوك" قائلا: "أشاد الملاحظون الدوليون بنزاهة الانتخابات التشريعية بالمغرب، وعزوا فوز حزب العدالة والتنمية بعدد كبير من المقاعد كون الانتخابات جرت يوم الجمعة وطالبوا إدارة التربية المغربية بإعادة هذه الانتخابات يوم السبت المقبل لفسح المجال أمام الأحزاب الأخرى.

ــ وقال معلق على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، "أن الحكومة الجديدة تدرس مشروع الزيادة في الضريبة على استيراد شفرات الحلاقة وتسهيل القروض الإسلامية للمستثمرين في صناعة وبيع الجلابيب والسواك والحبة السوداء". وفي تعليق آخر يقول: "الحلاقة ينضمون إلى 20 فبراير لطالبة الحكومة بتعويضهم عن الخسائر التي أصابتهم بسبب الانتساب  لحزب العدالة والتنمية".

ونقل أحدهم على الفيسبوك خبر مفاده أن الحكومة المغربية قررت في اجتماع عاجل منع كل القاطنين والسياح الأوروبيين من ارتداء ملابس مخلة بالحياء ولا تتطابق مع القيم الدينية والأخلاقية التي يعتز بها المغاربة.وجاء ضمن الملابس الممنوعة: بذلات البحر والبيكيني والسراويل القصيرة. كما ألزم القانون الأجانب الراغبين بزيارة المدن العتيقة بارتداء الجلباب المغربي التقليدي في كل المناطق التي تقرب بأقل من 1 كلم من المسجد.
ولمزيد من التفاصيل حول قانون “اللباس المحترم في المملكة الشريفة”، يرجى من وكالات الأسفار والفاعلين السياحيين الإتصال بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية التي أعدت دليلا شاملا للباس المحترم مترجم لكثير من اللغات الأوروبية ليتم توزيعه على السياح. أما بالنسبة للأجانب القاطنين فعليهم تسلم هذا الدليل من أقرب إدارة للأمن الوطني.  وسيتم تغريم كل المخالفين للقانون الجديد 1000 درهم على المخالفة الأولى و3000 درهم على الثانية ومواجهة الطرد وسحب بطاقة الإقامة على المخالفة الثالثة. وختم كلامه بهذه ملاحظة: هذا القرار لم يصدر بعد عن الحكومة المغربية والمقال ليس قصاصة للأنباء!

و صاح احد الحشاشة، بعد سماعه بخبر أن الحكومة الإسلامية ستمنع الخمر والسجائر وتفرض النقاب على النساء قائلا: "لي عندوا شي ساطا (صديقة) يتزوج بيها.. لي عندوا شي جوان (لفافة حشيش) يكميه (يدخنه)... ولي عندوا شي مطرب أو قرعا (قنينة خمر) يشربها ....أنهم قادمون".

ويبقى أكثر ما أثار النقاش على صفحات الفيسبوك وجود امرأة واحدة فقط، وهي وزيرة المرأة والتضامن السيدة بسيمة الحقاوي، وسط واحد وثلاثين وزيرا. البعض اعتبره تراجعا عن المكتسبات التي حققتها المرأة المغربية في السنوات السابقة، والبعض الآخر اعتبره إشارة من الاسلاميين ينبغي التقاطها فيما يخص حقوق المرأة، وكيف سيكون وضعها في ظل حكومة الاسلاميين. الكثير من شباب الفيسبوك عبروا عن مواقفهم بتعليقات ساخرة: فهناك من وصف الحكومة الجديدة بالحكومة الخشنة، نظرا لغياب العناصر النسائية، ومنهم من علق على وجود امرأة واحدة فقط في الحكومة الإسلامية قائلا: "إن عبد الاله بنكيران، رئيس الحكومة اختار اتباع الآية القرآنية الكريمة: إن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة".

وغيرها كثير جدا من النكات الفكهة الموسومةً باللطف الذي يتفادى الهُزء الاحتقار، والتي أقر مثلها الإسلام، ولم يحرمها كما يفعل بعض المتشددين في الدين، وذلك بدليل أن رسول الله (ص) قال لحنظلة:"ساعة وساعة" (جاء ذلك عند ابن الجوزي في أخبار الحمقى والمغفلين) أي أن يراوح الإنسان في ساعته بين الجد والترويح عن النفس، ذلك لأن النفس تمل من الاستمرار فى الجد، وترتاح إلى بعض المباح من اللهو، وبحجة قول على بن أبى طالب :"روحوا القلوب واطلبوا لها ظرف الحكمة، فإنها تمل كما تمل الأبدان". كما بين ذلك جواب النخعي عندما سئل:"هل كان أصحاب رسول الله (ص) يضحكون؟" فقال:"نعم والإيمان يملأ قلوبهم مثل الجبال الرواسى".. 

 

حميد طولست   

العودة الى الصفحة الأولى 

 ............................ 

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2052الاربعاء 07 / 03 / 2012)


في المثقف اليوم