أقلام حرة

لنكن على الأقل مثل الأفغان

 عقاب بعد أن كانت طالبان قد صادرت كل الحريات ومنها الأصوات الحرة.

أما التغيير الأفغاني فلم يكن  كثير الاختلاف عن التغيير العراقي الذي حدث بعده بفترة وجيزة  منه فهناك أيضا جرت انتخابات ووضع دستور وتكونت أحزاب وكتل لدرجة أن صورة المشهد العراقي بدت مستنسخة طبق الأصل عن صورتهم ليس في هذا الجانب فقط وإنما حتى في الحراكات السياسية والطائفية التي أفتعلها البعض بعد التغيير وإن كانت عندهم بشكل أبسط مما هي عليه عندنا.

ربما يكمن سر ذلك التشابه في راعي التغيير الذي كان هو نفسه من قاد عملية التغيير في البلدين، السيدة الشمطاء المتبرجة أمريكا. وربما  سببه العقليات والسلوكيات التي يحملها الرجال الذين تصدوا لتسنم المراكز القيادية ديمقراطيا في البلدين بعد التغيير وهم في الغالب تربوا واكتسبوا خبراتهم  ومهاراتهم من المنظومة الفكرية الغربية ذاتها. وربما يكمن في الشعوب نفسها التي لم تحتمل رفع الضغط الكبير عنها بشكل فجائي مما خلخل منظمة سلوكها فلم تعد قادرة على وزن الأمور بعقلانية.

لم يكن ما حدث مفاجئا لأحد أو غريبا على أحد، الغريب أن من بين صفوف هذه المجاميع السياسية في البلدين ظهرت نماذج تملك شعورا وطنيا عاليا وحدسا قياديا فطريا قادها لأن تتصدى بجدية لعملية اغتيال الحقيقة التي يقودها السياسيون الكتلويون فرفعت عقيرتها بالاعتراض على ما يدلون به من تفاهات ودعوات طائفية، وهي وإن لم تنجح بإحداث التغيير المطلوب إلا أنها أثبتت أن هنالك من جاء ليعمل ويعطي أكثر مما يأخذ أو يريد ، وان ذلك يعطي الأمل للشعب أن التغيير ممكن أن يحصل في الغد القريب.

شيء واحد وأساسي نختلف فيه عن التجربة الأفغانية وهو أن الحكومة والبرلمان الأفغاني يملكان قدرة التحكم بأصوات هؤلاء المعترضين قانونيا. أما نحن فلا نملك مثل هذه القدرة، وهي طبعا ليست قدرة عضلية بل دستورية ففي قانون البرلمان الأفغاني مادة تجيز تعلق عضوية النائب الذي يراه البرلمانيون مشاكسا. وهذه المادة على عظيم أهميتها ممكن أن تستخدم كسلاح ذي حدين. ولكني أعتقد أنها لو كانت قد ضمنت للدستور العراقي لكانت كفتنا مئونة سماع التصريحات الفجة التي يدلي بها بعض البرلمانيين الطائفيين والمعارضين للعملية السياسية ولمجمل عملية التغيير التي حرمتهم من دكتاتورية السيطرة الكلية على مقدرات البلاد.

  وكنموذج للاستخدام الخاطيء لهذه المادة نجد في التجربة الأفغانية أن قضية النائبة (ملالي جوليا) التي دخلت البرلمان في أيلول 2005 متعهدة بـ (حماية المضطهدين وضمان حقوق المرأة) أنموذجا فهي وبسبب انتقاداتها اللاذعة كانت تمنع بانتظام من الكلام في البرلمان وتتعرض خطبها للبتر، كما وتعرضت لمحاولات اغتيال شارك بتنفيذها السياسيون وأمراء الحرب والمجاميع الإرهابية. البرلمانيون أنفسهم كانوا يتذمرون من تصريحاتها وخطبها لأنها كانت في أحيان كثيرة تفضح تقصيرهم وتسرق الأضواء منهم.

هذه النائبة وبموجب المادة القانونية التي تحدثنا عنها جرى تعليق عضويتها في 21| 5/2007   لمجرد أنها أجرت مقابلة تلفزيونية ليس مع قناة الجزيرة أو قناة المستقلة أو قناة الشرقية أو قناة صفا أو أي من القنوات المشبوهة الأخرى، بل مع محطة تلفزيونية محلية أفغانية، ولم تقل فيها إن المكون الفلاني يتعرض للإبادة على يد الأغلبية أو تطالب المسلمين من تركيا بضرورة دعم المكون الفلاني أو ما شابه ذلك، بل لمجرد أنها قالت خلالها أن البرلمان الأفغاني (أسوأ من حضيرة حيوانات) وهو وصف لا غرابة فيه ولا يجافي الحقيقة، فكما تحوي حضيرة الحيوانات الغزال والمهر الأصيل والحصان العربي ممكن أن تحوي كذلك الحمار والكديش وربما القرد، ونحن لا يمكن أن نكذب ما تراه أعيننا من مناظر.

 أما أعضاء البرلمان العراقي ففيهم من أدمن الظهور على شاشات الفضائيات العربية والأجنبية  لا لتشبيه البرلمان العراقي بحضيرة الحيوانات بل لاتهام النواب الآخرين الذين يختلف معهم في الرأي  بأنهم حيوانات. ولا للدفاع عن العراق والعراقيين ولا للدعوة إلى رص الصفوف ولا للاعتراض على العمليات الإرهابية وعمليات إبادة العراقيين وتدمير البنى التحتية  ولا لتبيان مساويء وجرائم النظام ألصدامي الفاشي ولا لزرع الألفة والمحبة ولا أي عمل آخر يقارب ولو من بعيد ما كانت تطالب به النائبة الأفغانية. بل يتسابقون للظهور على الشاشات للشكوى من مخاطر الإبادة الوهمية التي أوحاها لهم خوفهم من التغيير، وللدعوة للطائفية المقيتة، وللاعتراض على عمل الحكومة، وللتنكيل بالمكونات الأخرى، ولممارسة الإرهاب الفكري ودعوة الشعوب العربية والقادة المسلمين والعرب لدعم العمليات الإرهابية، وللاعتراض على الدستور ومجمل العملية السياسية..في وقت لا الحكومة ولا البرلمان يملكان سلطة منعهم عن ذلك أو تعليق عضويتهم في البرلمان أو محاسبتهم على ما يدلون به من أكاذيب وسفسطة فارغة. مما فتح الباب على مصراعيه للسجالات الكلامية التي زادت استعار النار وساهمت في تضخيم محنة العراقيين ومأساتهم.

 ولأننا نقف اليوم على أبواب الانتخابات البرلمانية الجديدة أرى أن الدورة البرلمانية القادمة ستكون بحاجة ماسة لتضمين الدستور أو قانون البرلمان على الأقل مادة تشابه مادة القانون الأفغاني آنفة الذكر،عسى أن تردع النواب الذين ترفعهم الطائفية إلى صفوف مجلس النواب عن الإساءة للعراق والعراقيين. ومادة أخرى تحدد عدد أيام الغياب المسموح بها للبرلماني  على أن تعلق عضويته أو يرقن قيده إذا تجاوزها بدون عذر مشروع

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1190 الاربعاء 07/10/2009)

 

 

في المثقف اليوم