أقلام حرة

حتمية مرور ثورات الشرق الاوسط بالفصول الاربعة / عماد علي

من اجل تحليل المسمى بكل ما يحمل من معنى وجوهر، الا ان المرحلة وما يجري فيها تتحمل العديد من الاوجه من حيث المتغيرات التي نتلمسها بشكل واضح، ومن حيث التقييم للحال الموجود ومقارنتها مع ما مرت به هذه المنطقة في تاريخها، وصحة التوجهات والاقوال من تسميتها او وصفها بالربيع بكل ما يحمل هذا الفصل من الكمال والجمال، ومن كل ما تحمل هذه البلدان والمرحلة ايضا من السمات والمميزات .

انه بمجرد التحرر وخلاص الشعوب من الدكتاتوريات الجاثمة فوق صدورهم لانتقالة كبرى في حياة الناس تستحق تسميات جميلة عدة، ويمكن ان ينتظر الجميع عند التغيير الفوري مايُنتج ويمكن به ضمان الحرية والرفاه المنتظر، ويعولون على ضمان العيش بسلام وتجاوز المرحلة الصعبة بكل سلبياتها، وهم منذ مدة في انتظار هذه العملية التي تنقذهم وينظرون الى الافاق المبشرة لعصر جديد، ويمكن ان يسمونه بالعصر الذهبي بعد طول المرحلة الخانقة، ويتوقعون تحقيق الاهداف الخاصة بهم اجلا ام عاجلا، الا انه مسالة وقت ليس الا ولا يمكن ان يُتنبأ بطوله وقصره احد بشكل دقيق ومتساوي، في كل بلد، على الرغم من وجود بوادر سليمة للمرحلة الاولية المنتظرة من التغييرات المتوقعة، ولا يمكن ان ننتظر قفزة كبيرة وعابرة لكل ما تجسد في السنين العجاف لتلك السلطات الدكتاتورية بلمحة بصر او بخطوة واحدة وعاجلة. اي يمكن ان ننتظر ونمر بمراحل وظروف واوصاف مختلفة، وربما نعتقد مرور هذه البلدان بما تتمتع به كل الفصول من الربيع والصيف والخريف والشتاء ومن ثم العودة والوصول الى الربيع الدائم .

ان الكبت الذي عاشته الشعوب في هذه المنطقة لم تدع مجالا لديهم للتفكير والتمعن والتخطيط واختيار الاصح في وقت قياسي، لا بل لم تكن هناك اختيارات الا البت في اية عملية لازاحة الانظمة المستبدة الغادرة كتلكم الموجودة في الشرق الاوسط منذ عقود. بداية شرارة الثورات وان كانت مفاجئة للجميع لحد كبير من حيث التوقيت، وبدات من دون تحضيرات مطلوبة مسبقة، الا انها كانت منتظرة من جراء افرازات هذه الحكومات التسلطية كما يرشدنا التاريخ به دائما. وهكذا جاء ما يولع الشرارة وارتفعت الاصوات ودفعت الى ما شاهدناه بعدما طفح الكيل ووصل الى مرحلة خطيرة من الظلم وعدم تكافؤ الفرص للعيش وانعدام ادنى نسبة من العدالة الاجتماعية والعيش في ظل الغدر والظلم المستمر لعقود .

 انبثقت هذه الثورات من تحصيل تفاعل الذات بما يملك من الصفات من ما يمكن ان نسميه فتيل الثورة المخفية المصنوعة الموجودة من ذات الواقع والظروف والتركيبة والصفات التي تتمتع بها كل هذه الحقبات . لذا يمكن ان تكون تسمية الحالة والمرحلة نابعة ايضا من الظروف ذاتها التي وقعت لحين اندلاع الثورات، والا لم نشهد لحد هذه الساعة ما يؤكد بان الربيع قد حلٌ فعلا، ان استثنينا بداية الانطلاقة وكسر القيود الذي كان اشبه ما كان بمطر الربيع وانتظر الجميع تفتح الزهور وعبق العطور، وبالاخص المتفائلون والمعانون اكثر اندفاعا لما توسموه من الثورات وحصول التغييرات المطلوبة . استنادا الى المعادلة التي تدلنا الى انه كلما طال واشتد الظلم والتنكيل والتوهين ولم يلق الشعب طريقا على ارض الواقع للتحرر، سوف يتوجه هذا النوع من الشعوب وفي ظروف كما هي الحال وما تعانيه في الشرق الاوسط، فانه يتعلق بافكار واعتقادات لما تعتقد هذه المكونات او الفئات بانها تنقلها الى واقع ما يمكن ان نسميه خياليا او ما ورائيا، وهي تفكر فيما عسى ولعل تحصل به على ما ينقذها من الحالة الميؤسة التي تعيشها . فبه، نرى ان الاكثر روحانيا وخياليا من هذه الفرقاء اعلى اندفاعا وتضحية من اجل كسح ما يجري والوصول الى القشة التي تنقذها من الغرق المحتوم، وبه ستكون النتائج وفق المشاركات لصالحها وليس بشرط ان تكون هذه النتائج مثالية ومن المفروض ان تكون ملائمة للجميع، كما نتلمس ما وصلته البلدان الثائرة لحد الان .

بعد فصل الربيع، نتلمس في بعض من هذه البلدان بوادر الوصول الى فصل الصيف وانقضاء الربيع القصيرالامد بسرعة وبشكل نسبي، وحرارة هذا الفصل ربما تختلف من بقعة ثائرة لاخرى، الا انها بالتاكيد فارضة نفسها ولا تقبل التاثير المباشر على مسيرة الثورة فقط، وانما سياخذ هذا الفصل وقتا معينا ولم يدع فسحة مطلوبة للتاني والتمعن والاستناد على هدوء الاعصاب في القرارات المصيرية مهم علم المعنيون مسبقا بخطا خطواتهم وتوجهاتهم .

لكون هذا الربيع المسمى منذ اول الحظات قصير، فلم يزهر جيدا او كثيرا، ولذلك يمكن ان تعيش هذه الشعوب صيفا جافا مخلفا ورائه صحاري قاحلة، الا انه سيتغير في مرحلة ما حتما مهما طال، وسنعيش خريفا ربما طويلا ايضا . اي على الرغم من قلة الاوراق لربما تسقط ما نبتتها الاشجار من الانصال العريضة او حتى الرفيعة لهذه الاوراق القليلة اصلا، اي ما تحتاجه الشجرة من التغذية بواسطة هذه الانصال لا تكفي المتغيرات . فقلة الخدمات ومصادر التغذية وعدم تكاملها سيجبر المواطن البسيط على اعادة النظر فيما اقدم عليه والوقوف ضد كل ما يمنعه من الوصول الى مبتغاه واحتياجاته البسيطة. ومهما كان الخريف قاسيا الى ان الشتاء قادم واول زغات المطر ونسيم الهواء العليل بداية الشتاء يمكن ان تعيد الامور وبها تضغط على الكل وستضطر كل الجهات الى اعادة الحسابات الاولية التي التزمت بها من اجل تنظيم اوضاعها وترتيب الاوراق الخاصة بها لاستقبال الشتاء القاسي القارص بما فيه من عوامل تصفية للحسابات والامور، وسيختفي الجفاف وتملأ الامطار القنوات مياهَ كافية من اجل الربيع الدائم المنتظر حقا .

اي، كل ما يمكن ان نستلهم من هذه الثورات، هو وجود الفوضى الخلاقة بداية وانبعاث قوى خيالية ولكن لمدة وكما اعتقد قصيرة ومن ثم تخفت بريقها وتترك المجال تدريجيا للقوى الواقعية كي تتسلم المنصة والحكم في الفصول المتتالية التي تتبعها . الاسواق السياسية المفتوحة ستكتفي ببضائع اصلية قابلة للتداول، وطويلة لفترة مدة الاستهلاك لها خلال العصر الجديد . الاهم مافي الامر هو الوصول الى عصر الربيع الدائم المتميزالمنتظرو المتسم بصفات هذا الفصل الجميل المعطاء عاجلا كان ام اجلا، ومهما كانت العوائق والموانع الرئيسية والجانبية، فالثورات يجب ان تمر بالفصول الاربعة كامر حتمي اذا .


 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2056 الأحد 11 / 03 / 2012)



في المثقف اليوم