أقلام حرة

ديون الفتنة

والعجز عن تمويل المشاريع ذات النفع العام وأمور أخرى. هنالك دول تعاني من إعسار مالي مزمن تلجأ للاقتراض طويل الأمد لتسديد ديون أخرى مستحقة عليها خوف تصاعد فوائدها عند الاستحقاق أو اللجوء إلى الجدولة

 

العراق وأسلوب الاقتراض

 كان العراق حتى عام 1980 من الدول المكتفية التي لا تحتاج للاقتراض ولكنه نتيجة التخبط وهيمنة الجهلاء والمتخلفين على مقاليد أموره  وعدم التحسب المدروس لما يأتي به المستقبل والجهل بأسلوب التعامل مع الفائض النقدي المتولد عن زيادة كميات التصدير وارتفاع الأسعار للمصدر الرئيسي للدخل في العراق وهو البترول، أو توظيفه لبناء المشاريع، قام السلطويون بتبديد الإيرادات العظيمة المتحققة ليس من البترول وحده بل والفوسفات والكبريت والمواد الزراعية والمصنعة الأخرى.

 

منافذ التبديد

 منافذ تبديد هذه الثروات العظيمة لم تكن قطعا بما يخدم الإنسان العراقي أو لتحقيق الرفاهية والسعادة والتقدم له أو بنائه حضاريا وإعداده فكريا لمعايشة المرحلة التاريخية وبما يتلاءم وارثه الحضاري العظيم وإنما كانت تذهب لمتطلبات الحروب المدمرة التي افتعلها النظام مع دول الجوار بلا مسوغ والفائض منها يذهب للحسابات السرية في الخارج تحت أسماء وهمية أو لبناء القصور التي لا يوجد مثلها في البلاد والأعم الأغلب يذهب للكذبة التاريخية التي أطلق عليها النظام اسم(التصنيع العسكري) بحجة إنتاج الأسلحة المتطورة التي ستمكنه من تحقيق الوحدة العربية المنشودة تحت تهديد السلاح والتي اكتشف العالم بعد سقوطه أنها  كانت وسيلة للفساد المالي والإداري حيث كان أبطال التصنيع وقادته ينهبون البلد تحت هذه الحجة ويرفعون تقاريرهم الكاذبة لرئيس النظام عن إنجازات وهمية باهرة ستجعل العراق قوة عظمى!

 

الخزائن الخاوية

ونتيجة هذا التصرف الأرعن والإنفاق غير المدروس أصبحت خزائننا قاعا صفصفا وذاب كل ذلك الجبل النقدي الجبار في نفس الوقت الذي انعدمت فيه الموارد أو شحت كثيرا نتيجة حظر تصدير البترول والمنتجات الأخرى فبدأ العراق بالاقتراض الواسع ولأول مرة في تاريخه الحديث، وكان تزايد الحاجة للسيولة النقدية  للصرف على الملذات والتصنيع الكاذب يدفع النظام للبحث عن منافذ جديدة للاقتراض، لذا تراه بعد أن استنفذ الطرق الشرعية والقانونية للاقتراض يلجأ للطرق المشبوهة مما أثار الكثير من الفضائح حوله ومنها فضيحة (بنك ناسيونال دي لا فورا) الإيطالي فرع لندن. كما لجأ النظام بنفس الوقت لاستعمال أسلوب الابتزاز مع دول الجوار الخليجية النفطية ملوحا أمامها بالخطر الإيراني ومهزلة أن العراق يتصدى لهذا الخطر نيابة عن ألامه العربية كلها وخصوصا منها دول الخليج، وصار يحلب خزائنهم بطريقين طريق الهبات الشهرية والطارئة  التي وزعت حصصا عليهم واجبة الدفع شهريا، وطريق الاقتراض, فأثقل كاهل الاقتصاد العراقي بحوالي 300 مليار دولار أمريكي!

 

التركة الثقيلة

وبعد سقوط النظام وجد العراقيون أنفسهم أمام تركة ثقيلة لا طاقة لهم بها مرشحة للتصاعد الجنوني بسبب تأخير تسديد الأقساط  لسنين طويلة وتراكم الفوائد وتصاعدها بشكل مضاعف، مقابل تدني الإيرادات المحتملة نتيجة تدني وسائل الإنتاج المندثرة والتي أنتهى عمرها الافتراضي نتيجة التقادم وضربات الغارات الجوية المتكررة عليها جراء حروب النظام وتكرر الهجمات الإرهابية التخريبية المنظمة على الآبار وخطوط النقل بعد سقوطه.

 

المبادرة وموقف الأهل

ولغرض تمكين العراق من إعادة بناء نفسه قامت الدول الدائنة ودول نادي باريس والدول الأوربية الأخرى بمبادرات إنسانية لإطفاء أو إسقاط نسب كبيرة من هذه الديون تتراوح من 50 إلى 80 %

وكان المفروض بالدول العربية الشقيقة بحكم ما يربطنا بها من وشائج لا أن تكون المبادرة قد صدرت منها فقط بل أن تكون المبادرة قبل غيرها بإسقاط مالها من حقوق وهمية وديون  كريهة على العراق خاصة وهي تعرف المنافذ التي ذهبت إليها ديونهم والتي كان بعضها  بالأساس سلعا ومعدات عسكرية اشتراها النظام وقاموا بتسديد أقيامها نيابة عنه.

 ولكن الواقع كان خلاف التوقعات إذ أصرت هذه الدول على التمسك بكامل ديونها على أساس أنها ثروة وطنية مما أصاب العراقيين بالإحباط ودفعهم لاستنباط اسم لها فيه الكثير من السخرية وهو (ديون الفتنة) باعتبار أنها لم تمنح للعراق لتوفير سبل الحياة الكريمة للعراقيين وإنما منحت للنظام لخلق الفتنة العظمى في الشرق الأوسط تلك الفتنة التي أشعلت الحرب مع إيران ومهدت لغزو الكويت وخلقت كل الأوجاع التي أصابت العراقيين والعرب في ما بعد ومنها الغزو الأمريكي للعراق وما تركه وسيتركه من آثار مدمرة على عموم المنطقة.

إن الذي نأمله من الدول الشقيقة أبناء عمومتنا وأهلنا وجيراننا وحلفاء أمسنا، الذين تخلوا عنا ولم ينصرونا أو يقفوا إلى جانبنا في محنتنا العظيمة، والذين ساهم بعضهم في إذكاء نار الفتنة وصب الزيت عليها وإدامتها خلال السنين الست المنصرمة، إعادة النظر بموقفهم المتشدد من هذه الديون وبقية التعويضات الهائلة التي فرضها علينا البند السابع سيء الصيت، على الأقل ليكون لهم دورا في إطفاء بعض ذيول فتنة قادمة أعظم يخشاها العراقيون ويعملون على تجنبها لأن ألسنة لهبها ستطال كل المنطقة، ونيرانها ستزداد استعارا وشررها يزداد تشظيا وجمرها تلظيا وإذا وصلت لهذا الحد لن تقف بوجهها حدود أو تمنعها متاريس وسدود وسوف تحرق الأخضر واليابس، بل تحرق حتى التراب ولا تبقي للأوطان وحدودها التي يعتقدون أنها محمية من أثر. ولات حين مندم

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1191 الخميس 08/10/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم