أقلام حرة

الجسد و"أودلوجة" الثورة .. غواية الحرية أو مسعى التغيير بوعي الرمز / بشير عمري

حينا مارسنا لعبة الانكسار والتمرد، على الماضي والأفق على حد سواء، وكتبن بغواية الغائب والغيب، معنى الوجود الثوري بصرف النظر أن قيمته في وبورصة التعامل القيمي في سوق التعامل الايماني والأخلاقي بمجتمع الشرق يقدم الشرف دوما على العلف، في الخطاب وممارسة.

 

الموقف خلف المشروع المنمق

علياء مهدي، من كوكب آخر له لحمه وهمه، وحلمه الآخر، لم يكن مسموح له أن ينجلي للرائين من قبل فجر الثورة، لا لاعتواراته الأخلاقيه بحسبان قيم الشرف في الشرق، ولا لاعتباراته السياسية، بل حفاظا على المشروع المنمق في صياغة الانسان العربي، الذي ينتج فردا مشوه الانتماء المجتمعي مشوش الحضور التاريخي، من المدرسة إلى الشارع إلى الجامع، إلى المقبرة.

 

لغة الجسد والاغتراب التاريخي

سواء أكانت علياء بجسدها العاري، وهو يلمع تحت ضوء المصور، أمام أعين الجمهور المروع، خسوفا للذات وتشوها لها في ممشاها بالمدار الثوري، أو انتصارا لمعركة التعتيم الشامل لها، فالحاصل أنها جلت ببادرتها تلك حالة اغتراب الافق في رؤية العربي للتاريخ، اغتراب صنعته النظم وليدة القطرية الشكلانية التي تأسست على انقاض الاستعمار الحديث.

العري كمعطى فني في ثقافة وقيم الغرب القابض على العصر، هو أبعد ما يتخذ كدلالة بشائرية لقادم التاريخ القومي أو القطري، لأن ذلك القادم لا يزال قائما في مدار الصراع بين ماضي وحاضر الأمة وما بينهما من أفق الغيب الديني، وبالتالي فإننا نعاني من أثر تلاشي حدود التعبير تاريخي بالجسد في غير لغة الملهى والمرقص ولا نزال بالتالي معوزين لبدائل الذات خارج نطاق الطابو و الممنوع كما بمعبدة عن الانبطاح في وحل الميوع.

 

 

هالة فيصل التعري في غربة المكان

كانت الفنانة الساورية هالة فيصل، السباقة لممارسة التعبير السياسي بالجسد يوم جسمها يافطة للدعاية ضد الحرب على العراق في قلب نيويورك، وتحديدا في ساحة "واشنطن سكوير بارك" واعترفت بعدها بأنها استعارت بجسدها العاري للتعبير عن قناعتها وموقفها الرافض للحرب لكونها فنانة، رغم ادراكها المسبق أن ذلك يتنافى مع تقاليد مجتمعها، فالتمرد على التقاليد هو في عرف النضال النخبوي اعتراض على واقع سلطة رمزية قهرية مانعة للتغيير والتطوير، لا سيما في ظل حدوثها في غربة المكان، في قلب الحرية العولمية، ليس ما فعلته هالة فيصل اعتراض بعرضها على وحشية الحرب بأرضها فقط بل وتحرير لمجتمع الفن والثقافة من سلطة التقاليد ومن سلطة السياسة والمشروع الوطني التلفيقي الذي ينتج انسان عربي خارج التاريخ فقالت "وأما لماذا التعري .. لأني فنانة وهذا استعارة" هالة ترى أن لا مشروعية للنخب المثقفة العربية إلم تتحرر من قبضة النخب السياسية والفكرية التقليدية التي تقود المجتمع العربي وتبقيه داخل الدائرة الحضارية المغلقة يجتر مساراته، على شاكلة دوران الكواكب في الفضاء الصامت.  

 

جمال الجسد سلطة يتوجب الحد منها

إذا كان جمال اجسد هو تعبير معارض لبشاعة السلطة الفعلية والرمزية في العالم العربي من خلال تجربة علياء مهدي وهالة فيصل، فإنه يظل في قناعة ابنة الشيخ عبد السلام ياسين نادية سلطة يتوجب الحد منها وهذا في معرض حديثها عن مغزى التمايز في الذات وهوية، بين الشرق والغرب ومن خلال ما قالت به من ضرورة الحفاظ على الجسد سرية وهذا من منطلق أنه غيب وجودي على فاصل فيما بين الجنسين في معركة العريزة، ولا يجب المكوث في حلقة الحديث عن الحجاب والبرقع في زمن يفرض تحديات تاريخية كبرى أمام الأمة، نادية عبد السلام ياسين ترى أن الجمال الجسدي للمرأة هو سلطة وأية سلطة يجب أن يحد كمنها على تطغى، وبالتالي تغطية الجسد الانثوي كونه اغرائي سلطوي من خلال الحجاب هو حد من سلطة.

 

الاشكال الجيلي للثورة

القناعات الفكرية والسياسية الجديدة أسقطت الاقنعة القديمة، وأكدت أن حوارا ضاريا حول الهوية يجري راحاه دون حدود ومحددات في والوسط الشباني العربي خارج سياجات المشروع الرسمي ومطارحات النخب المعارضة، جسدته الأجسام الناعمة والعائمة في العراء، ويمكن القول بالتالي أن الثورة طرحت إشكال جيلي على كامل المناحي الفكرية والعمرية السياسية، بل إن بعض التجارب الثورية التي لم تكتمل بعد ولم تنهي اقتلاع نظمها أبكرت كثيرا بطرح هذا الجدل الذي يكشف عن مدى تكلس الخيال السياسي ومدى الانقباض على مستوى الحق في المواطنة لدى الانسان العربي.

هل يحق لجيل الانترنت وشبكاتها الاجتماعية من فيس بوك وتوتيتر ويوتيوب أن يعبر بوسائل ووعي لحظته الاليكترونية عن رأيه على شاكلة ما فعلت علياء وهالة ومعارضة نادية عبد السلام ياسين، أم تظل المشروعية لخطاب النخب القديمة التي لم تنتج ثورة ولم تغير من حال المجتمع والسلطة بسبب انقباضها الداخلي وتمحورها حول الذات بغير انسجام مع تقلبات التاريخ؟

لا أحد يجرؤ على تقحم هذا الفضاء التساؤلي المخيالي، وبالتالي يتم الابقاء على اسئلة المشروع الثوري المغيب، ولهذا رأينا مكن هذا المعطى التلبسي المعارضة العربية الكلاسيكية من ركوب لعبة الثورة وهي التي إن لم تتواطأ مع السلطة في فرملة تطور الوعي السياسي المؤسسة في أحسن أحوالها، فقد عملت على ديمومة الخطاب السياسي الخشبي المبتذل.

 

الجسد والثورة.. المسعى والمعنى

السعي الجسدي كرسالة ثورية هل كان بصرخته الافتضاحية استكمالا لمسار التصعيد الرمزي لحركة الانتفاضة الشبانية العربية ينشد غنيمة السلطة أم يرنو إلى الحرية؟

من خلال ما حصل من سجال في أعقاب التجارب التعبيرية الجسدية، والتي أقحمت فيها قواميس الشجب الاجتماعي، ومساطير الاحكام الدينية ودنيوية، دونما إيغال في الحالة اللحظية الثورية المراهقة التي يعيشها المجتمع العربي، يتضح أن الوعي الثوري لم يكتمل بشروطه التاريخية، وأن الحاجة إلى الحرية الفطرية المجردة من وعي التاريخي تبدو جامحة في راهن الانفجار والانتفاضة الشعبية العربية، المعنى المطلق وغير المحدود للحرية الذي عبرت عنه علياء مهدي وهالة فيصل بتعريهما علانية، وما نقاضها لدى الناشطة الاسلامية المغربية نادية عبد السلام ياسين المدافعة عن غيبة الجسد الأنثوي من منطلق كونه سلطة إغرائية يلزمها الحد من الطغيان، وبذلك يمكن الخلاص إلى أن التعبيرات الجسدية هي استباق نحو الغنيمة الثورية التي هي سلطة الوجود الفكري الجديد الذي جاء في أعقاب سقوط المشروع القيادي ألاقتيادي لديكتاتورية الدولة القطرية البطريقية، وهذا عبر إضفاء معلم أو إيحاء فكري مسبق لانتفاضة تحررية.

 

بشير عمري

 كاتب صحفي جزائر

  

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2059 الاربعاء 14 / 03 / 2012)

في المثقف اليوم