أقلام حرة

ما هي الشراكة الحقيقية في دولة الإبادة الجماعية؟ / سامان سوراني

والتبجحات المتعالية والمزاعـم الشوفينية والغطرسة الحضارية والعربدة العسكرية للحكومات التي تعاقبت عل? حكم العراق منذ العهد الملكي ال? يوم سقوط الطاغية عام 2003 لصنع قطعان بشرية و هويات عنصرية و تثبيت أنظمة شمولية أدت في الكثير من الأحيان ال? المآسي والكوارث و إستباحة الإبادة الجماعية للشعب الكوردستاني.

ماذا نعني بالإبادة الجماعية؟ إن هذا المصطلح لم يكن موجودا قبل عام 1944، ففي عام 1944، سعى محام يهودي بولندي يدعى "رافائيل ليمكين" (1900-1959) إلى وضع وصف للسياسات النازية للقتل المنظم، بما في ذلك إبادة الشعب اليهودي الأوروبي. وقام بتشكيل مصطلح "الإبادة الجماعية" (genocide) عن طريق الجمع بين كلمة "جماعي" (-geno) اليونانية والتي تعني سلالة أو قبيلة، مع كلمة "الإبادة"(cide-) اللاتنية التي تعني القتل.

وحينما كان يقوم بصياغة هذا المصطلح الجديد، كان ليمكين يضع في اعتباره مفهوم "وضع خطة منظمة تتألف من إجراءات مختلفة تهدف إلى تدمير الأساسيات الضرورية لحياة مجموعات قومية، بالإضافة إلى إبادة المجموعات نفسها." وفي العام التالي، وجهت المحكمة العسكرية الدولية في مدينة "نورمبرخ" بألمانيا الاتهامات إلى كبار القادة النازيين بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية." وقد اشتملت الاتهامات على كلمة "الإبادة الجماعية"، ولكن ككلمة وصفية، وليست باعتبارها مصطلحًا قانونيًا.

ونظرًا للجهود المتواصلة التي قام بها ليمكين بنفسه في أعقاب "الهولوكوست" (Holocaust) وعلى نطاق واسع، أقرت الأمم المتحدة اتفاقية تقضي بمنع جرائم الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها في 9 كانون الأول/ديسمبر 1948. واعتبرت هذه الاتفاقية "الإبادة الجماعية" بمثابة جريمة دولية تتعهد الدول الموقعة عليها "بمنعها والمعاقبة عليها".

ففي مثل هذا اليوم من عام 1988 إقترف نظام الطاغية الدموي "صدام" جريمة بشعة بحق أهالي مدينة حلبجة الكوردستانية، إذ قام بقصف هذه المدينة وأطرافها بالأسلحة الكيمياوية، راحت ضحيتها أكثر 5000 من أهالي المنطقة المسالمة، ?ما و جرح أ?ثر من عشرة آلاف شخص و شرد الآلاف الآخرين. و مع أن هناك ال?ثيرين من تعرضوا لهذه الغازات السامة ما زالوا على قيد الحياة إلا أنهم يعانون ال? ?ومنا هذا من أعراض تلك الغازات و هم في وضع صحي و نفسي سيئ للغاية، هم يتمنون الموت على حياة ملئها العذاب و المعاناة. إن الغازات السامة قد أثرت حتى على العوامل الوراثية لنساء المنطقة فهم يولدون أطفالا معوقين. فبهذا العمل الإجرامي أفرغت الفاشية البعثية جرعة أخرى من حقدها الأسود وكراهيتها الدفين على أهالي كوردستان، انطلاقا من أيديولوجيتها العفنة، التي تناهض القوميات الأخرى والشعب الكوردي بشكل خاص.

لقد آن الأوان كي تقوم الح?ومة الفدرالية أدخال هذه‌ التراج?د?ا التار?خ?ة في برامج التربية والتعليم في عموم العراق حتى ?تم?ن المجتمع إجتثاث فكر البعث الفاشي أستراتيجيا عبر بضعة أجيال قادمة من الحياة السياسية والممارسات الأجتماعية وحت? تتحول ثقافة المجتمع العراقي من ثقافة الأستبداد والعسكرة الى ثقافة الحوار وأحترام حقوق الأنسان. في كوردستان نعلن اليوم حدادا على ضحايا هذه‌ الجريمة ونرفع في نفس الوقت راية الحب والسلام لكل اسم من أسماء الضحايا. كي تكون لحظة الحزن في قلوبنا جنينا للحظات الحب والسلام والحرية الأبدية لنا جميعاً.

ما يريده‌ شعب كوردستان من الدولة الفدرالية هو الشراكة الحقيقية و الإعتراف الكامل بحقوقه و حت? الحق في تقرير مصيره و فضح المنزع العنصري الذي يعمل أصحابه بعقلية التمييز والفرز أو التطهير والتصفية و العمل عل? ?سر المنطق الكلاني الشمولي، الذي يعمل أصحابه تحت إمبريالية المعن? و دكتاتورية الحقيقة. هذا هو أساس الشراكة الحقيقية، حت? نستطيع العبور نحو فضاءات مغايرة نتجاوز فيها ما يعمل عل? إنتاج المآزق والكوارث، بقدر ما ننجح في إختراع مفاهيم و قيم و مؤسسات و أطر وعلاقات جديدة بين الشعب الكوردستاني والعراقي مفرداتها و عناوينها التوسط والتداول والمشاركة والإعتماد المتبادل.  

لنؤرخ تاريخ 16.03 كيوم حلبجة العالمي و ليكن كل اسم ضحية بعنق كل ?ردي حر أبي يدافع عن حقه في الحياة وعن كرامته وعِرضه وأمله في السلم والديموقراطية، حتى تتحقق كل مطالب شعبه وت?ون تلك الآلام آخر المطاف في ظل عراق د?مقراطي تعددي ف?درالي ?حتفظ ال?ورد ف?ه ب?امل حقوقه التي ?انت جزءا من أسباب تلك ال?ارثة اللاإنسان?ة.

 

د. سامان سوراني

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2061 الجمعة 16 / 03 / 2012)

في المثقف اليوم