أقلام حرة

هاجس الانفصال الكردي في العراق / مهدي الصافي

وتكرار الحديث المتزمت والمتشنج من قبل بعض القيادات الكردية في شمال العراق حول "حق تقرير المصير  للأقلية الكردية"، والممارسة الشبه انفصالية من قبل حكومة إقليم كردستان، والمتعلقة بعقود النفط الفردية، والامتناع عن تنفيذ الأوامر القضائية الاتحادية الصادرة بحق بعض المتهمين، والتجاوز على مناطق المحافظات العراقية الأخرى (الموصل وديالى وكركوك)، وخروج قوات البيشمركة على أوامر القيادة العامة للقوات المسلحة الخ.

كلها تصرفات وإشارات غير ايجابية، ولن تخدم مسيرة الوحدة الوطنية، فضلا عن إنها خروج واضح عن الإجماع الوطني، ومخالفة صريحة لمواد الدستور، التي لم تذهب أكثر من فكرة إقامة الأقاليم الفيدرالية، وكل من يتجاوز على الدستور يعتبر خارجا عليه وعلى  القانون (الدستور العراقي لم يعطي حق لأي أثنية أو قومية أو طائفة أن تستفتي حول حق انفصالها أو مايسمى حق تقرير المصير)، ويعد متهما بالإخلال بالأمن الوطني والقومي، علما إن الإخوة الكرد يمثلون أقلية بسيطة لاتعد أكثر من 7-10% من تعداد السكان العام،

وجع الرأس الكردي الملازم للعملية السياسية، لم يشفع لشفائه حصولهم على مكاسب تاريخية في الحكومة الاتحادية المركزية في بغداد

(لم يحصل أي زعيم كردي على أي منصب كبير رئاسة الجمهورية منذ انهيار الدولة الأيوبية)،

وكذلك تمتعهم بإقليم مستقر ومتطور نسبيا في كردستان العراق، ولكن كثرة الطلبات والتصريحات والتوترات المفتعلة مع الحكومة الاتحادية، تعكر الصفو الوطني والحكومي المشوش اصلا، وخصوصا إن بعض هذه التصرفات تسبق أحيانا أمور وبرامج واتفاقات وخطوات ومؤتمرات مصيرية،  يحتاجها العراق في التعامل مع المحيط العربي والإقليمي

 (كقمة بغداد-أو حتى الأزمات المثارة قبيل الانتخابات البرلمانية ومجالس المحافظات السابقة والقادمة)،

وهذه الأشياء لاتصب في خدمة إكمال مسيرة تصحيح النظام الديمقراطي الحديث، وترسيخ بناء وزاراته ومؤسساته وأجهزته وهيئاته الحكومة او المستقلة

( إن ظاهر صناديق الاقتراع وخروج الناس للانتخابات، لاتعني إن الممارسة الديمقراطية صحيحة، بل قد تكون مخالفة للدستور وللأعراف الديمقراطية الحضارية، إن لم تكن هناك مراقبة مستقلة على صناديق الاقتراع، وكذلك وجود قوانين تمنع احتكار الديمقراطية من قبل الأحزاب المتنفذة، كقانون الانتخاب للدوائر المتعددة –والأحزاب،  الخ.).

 لا يمكن لاحد  أن ينكر معاناة الأمة الكردي، وشعورها المحبط من المؤامرات والوعود الكاذبة الداخلية والخارجية السابقة، من قبل دول المحيط الكردي (إيران-تركيا سوريا )، الخاصة بإعطائهم بعض الحقوق الاجتماعية والثقافية والتربوية،

ولكن بعد أن انصف التاريخ هذه الأقلية المظلومة في العراق، وشقت طريقها في بناء إقليم منفصل تقريبا عن الحكومة المركزية،  ويشارك مشاركة فعالة في العملية السياسية في بغداد، لم يعد هناك عذرا لقيادتهم بالتلويح بين الفينة والأخرى بعصا الانفصال والدخول في فوضى سياسية، لن تخدم مصالحهم،  بل ستقضى على كل المكاسب التي حصلوا عليها حتى ألان، اقل مافيها إلغاء الأغلبية الجماهيرية والبرلمان لمادة النظام الفيدرالي ورفعها من الدستور العراقي)،

ولكن هل دائما الحلول وفقا للمنطق الشرقي (المتسرع والمتخلف)، هو إثارة العنف والتوتر والتمرد والانفصال والتفرد بالقرارات والتصريحات، بالطبع هذه الثقافة هي ثقافة امة الشرق،

إلا إن البعض بدء يقلع عنها، ويستورد ثقافات الحضارات المدنية الأخرى، المعتدلة والمتسامحة فيما بينها، بين الأقليات والأجناس والأعراق والثقافات، مالضير في أن يكون العراق إمارات عربية حديثة ومتطورة (وفقا للنموذج الخليجي لدولة الإمارات العربية المتحدة)،

نقتبس من هذه الإمارة الصغيرة تجربتها في الماضي المليء بالفتن، والصراعات القبلية المتبادلة، إلى إن جاء جيلا اتبع لغة العقل، فصارت دولتهم وإماراتهم محط إعجاب كل من مر بها،

اما إذا كانت لثقافة التصلب والعنجهية الفارغة طريقا معبدا، فليعلم الجميع عربا وأكراد إن أول الخاسرين هم الشعب.

(كان الحزبان الاتحاد الوطني والديمقراطي يتقاتلان ويذهب ضحايا كثر لهذا الخصام، ولكن لم يكن هذا القتال يستهدف القيادات المنعمة بالامتيازات الحكومية والديمقراطية حاليا).

إن مشروع قيام الدولة الكردية، يعني مشروع للفتنة وللحرب المستمرة، ولن يخرج أحدا رابحا منها، اللهم إلا من يشعلها ويلجئ إلى المنتجعات الآمنة،

ومع هذا نحن نقول إن مشروع الدولة الكردية يجب إن يطرح وفقا للشرعية الدولية المحلية والإقليمية، وقبل أن يلفظ احدهم بهذا الحق،  أو يخطوا خطوة واحدة إلى منبر الإعلان، عليه أن يعرف إن إمبراطوريات مرعبة تنتظره (إيران وتركيا)،

ولهذا طريق الدولة الكردية يحتاج إلى تثقيف دولي وإقليمي، مع تنازل كبير من قبل الإخوة الكرد عن الكثير من المناطق،  التي تسربت إليها وفقا للتاريخ الاجتماعي الوطني المشترك، والداخلة في حدود المحافظات المجاورة للاقليم،   وبقية الاثنيات الاجتماعية، وهذه أمور تبقى في حكم التاريخ والمستقبل والظروف الموضوعية المتاحة لمثل هكذا فكرة.

اما الواقع الحالي يحتم علينا كشعب أن نبحث عن أسباب التوافق الوطني، كي نطوي صفحة الإقصاء والتهميش والتثقيف العنصري، لكي يكون بلدنا أمنا ومستقرا وبعيدا عن ثقافة العنف القبلي المضر ،

نطمح لرؤية دولة المؤسسات الوطنية المهنية،  أشبه بدول الولايات الفيدرالية المسالمة والمتوافقة مع مواد الدستور،

لانريد قائد ضرورة،  ولا زعيم طائفة، أو قومية، أو قبيلة، أو عشيرة، يتاجر بدماء البسطاء من الناس، نريد حكومة تكفل للجميع حقوقه دون تمييز

 

مهدي الصافي

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2065 الثلاثاء 20 / 03 / 2012)

في المثقف اليوم