أقلام حرة

قيام دولة كوردستان وسط سخط المعارضين / سامان سوراني

وأن الحداثة هي جهد و اجتهاد، مراكمة و تكديس، عمل و مراس، صناعة وتحويل، بناء و تركيب، عل? نحو متواصل و بصورة نتغير بها بتغيير صورتنا عن أنفسنا وعن العالم، عبر المشاركة في ورشة الخلق والإنتاج.

فبعد أن نشر قبل فترة وجيزة مقالات لي حول موضوع "إعلان دولة كوردستان" و"الهوية الكوردستانية"، وصلني مجموعة غير قليلة من رسائل ال?ترونية تحمل في طياتها هجمات كلامية غير متحضرة عل? الشعب الكوردستاني والقيادة الكوردستانية و أفكار عقيمة ذو تفسير أحادي لدعاة و حملة الشعارات وأصحاب المشاريع الإصطفائية، التي يشتغل أصحابها ال? اليوم بمنطق التكفير والتخوين و بعقلية النبذ والاستبعاد والإلغاء. أسأل نفسي، ما النفع من نفخ شعارات في الديمقراطية و الفدرالية و الدولة الاتحادية، إذا كانت هناك قو? سياسية تفكر بعقلية النخبة والوصاية وإحتكار القيم و تحلّل في الدستور ما تنفعه و تحرّم فيه ما تنفع الجماهير الكوردستانية، التي هضمت حقوقها الشرعية إبان الح?م الدي?تاتوري القسري والتي تسع? اليوم في إسترداد حقوقها الشرعية بأسلوب متحضر بعيد عن طرق تدمير صيغ التعايش بين الناس.

المحاولات الفاشلة في بغداد من قبل دعاة وحماة العراق العروبي، الذين سقطوا في إمتحانات العلوم والمعارف الحديثة، و أسلمة الحياة فيه لإستعادة ما لا يمكن إستعادته لا تجلب معها إلا فقرا و تخلفا أو هذيانا و شعوذة و ظلاما و إرهابا. الذين تعاملوا في السابق مع هوياتهم ?عصاب أو كقوقعة أو كفخ، دمروا صيغ التعايش بين الكوردستانيين و بينهم بقدر ما نصبوا الحواجز الرمزية والمادية بين دوائر المكونات الأساسية في العراق، فوقعوا في النهاية فريسة ثوابتهم البائدة وأوهامهم الخادعة. فبعد سقوط الطاغية عام 2003 ?ان هناك فرصة ذهبية أمام القو?، التي تتربع اليوم عل? عرش رئاسة الحكومة و سيطرتها الشبه مطلقة على المؤسسات الأمنية والعسكرية، لتقوم بمشاريع الإصلاح والتحديث و لتمارس الإعتراف بالآخر دستورياً بمعن? التداول والتبادل مع من كان مستبعد سياسياً أو ثقافياً أو حت? معرفياً و االإهتمام بمفاهيم كونية، أي الحرية والديموقراطية، لكن هذه القو? بنظرتها الطوباوية الفردوسية ولّدت ع?س ذلك تماماً، أي المزيد من الاستقصاء و التفاضل والصطفاء والاستبعاد و التحامل علناً عل? الكوردستانيين و العجز في تحقيق الحرية والعدالة، و هي اليوم تدعم الأنماط الثورية الإيديولوجية القائمة على نظرية القائد المنقذ.

هؤلاء لا يعترفون بأن ثمة منظومة إيديولوجية قومية إنهارت مع سقوط أوراق التين في بغداد بمسلماتها الثابة و أطرها النظرية وآلياتها العملية- ?أنفلة الكوردستانيين و حرق قراهم و قصف مدنهم- بقدر ما فقدت مصداقيتها، بساساتها و أمناءها و قممها، بجنرالاتها و إعلامييها، بمفكريها و نظرياتهم المتهافتة، فضلا عن مثقفيها القاصرين والمذعورين من التحولات الثقافية العالمية، و سائر رموزها، الذين غرقوا في وهم المارد "صدام" بحجة الدفاع عن الحدود الشرقية من "الوطن العربي" أو "رسالة العرب الخالدة" و "كرامة الأمة العربية".

نقول  لا يمكن لهم مواجهة المستجدات، التي هي نتاج العولمة "وليبراليتها الجديدة" بعدة قديمة، لذا نر? لزاما عل? الكوردستانيين أن يرسموا مجالهم الجيوسياسي بأنفسهم و لا يخافون في قيام دولتهم كوردستان لومة لائم.

وختاما نقول: "إن لغة الصاروخ وطائرات F16 و المدفع والحشد المليوني المرصوص والجمهور الأعم? لن تصنع حياة ولن تجلب حرية ولن تغير واقعا نحو الأحسن ولم تصنع إصلاحا أو تجديدا أو تقدما أو إزدهارا."

 

د. سامان سوراني

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2072 الثلاثاء 27 / 03 / 2012)


في المثقف اليوم