أقلام حرة

مشعان الجبوري في بغداد / امين يونس

كانتْ له علاقات تجارية مع بطانة عُدَي صدام، مصحوبة بنشاطات صحفية في ذات الإتجاه .. لكنه قبلَ الإحتلال الامريكي، ببضعة سنوات، وبعد أن ألقى النظام السابق، القبض على بعض أقرباءه، إستطاع الإفلات والهروب من العراق .. وبِقيَ لسنوات يُمارس التجارة، لاسيما بين سوريا وأقليم كردستان وكَونَ علاقات مع بعض المسؤولين الكُرد وغيرهم .. كما أصدر صحيفة " الإتجاه الآخر " التي كانتْ رائجة .. بل انه لم يكن مُحايداً، بين طَرَفَي المنافسة الشرسة، في الأقليم، فطالما تصدرتْ المانشيتات المُعادية للسيد " جلال الطالباني "، الصحيفة التي يصدرها من سوريا " الإتجاه الآخر " .. وينعته فيها بأبشع الصفات، في الوقت الذي يمتدح فيه السيد " مسعود البارزاني " !... بعد التغيير في 2003، كان من أوائل المتحمسين الداخلين الى الموصل وتكريت، ورغم انه كان يُعلن معاداته للإحتلال الأمريكي، إلا انه شاركَ في العملية السياسية بِقُوة، وشّكلَ كياناً سياسياً تحت اسم المصالحة والتحرير، وفاز بثلاثة مقاعد في انتخابات 2005 .. غير ان حركتهُ النشيطة في مجلس النواب وخارجه وأسلوبه الهجومي والإنتقادي اللاذع، وجرأته التي تتعدى أحياناً، الحدود المسموح بها ! ... جَعَلَتْهُ مَحط رفضِ من كثير من القوى السياسية، السنية والشيعية وحتى الكردية .. إضافةً الى إتهامهِ بالفساد والإستيلاء على الاموال العامة، ومُساندتهِ للبعث والمجاميع الإرهابية .. فلقد جرى نزع الحصانة عنه، والتهيئة لِمُلاحقتهِ قضائياً .. إلا انه هربَ الى سوريا، وظَل هناك، وفتح فضائية تحت عدة أسماء، كان آخرها " الرأي " ومن ثُم " الشعب " ! .. كان لايتوانى عن إبداء تأييده ودعمه الصريح، للمجاميع الارهابية تحت عنوان مُحاربة الإحتلال .. ويتهجم بقسوة على العملية السياسية ورموزها .. وطبعاً كان مُدافعاً قوياً عن سياسات النظام السوري، وكذلك نظام معمر القذافي .

...................................

بعد سقوط النظام الليبي ومقتل القذافي، وإزدياد الضغط على النظام السوري .. بدأ " مشعان الجبوري "، إعادة ترتيب أوراقه، والتحضير لمرحلة جديدة، من نشاطه الإشكالي ! .. لاسيما، بعد ظهور بوادر، لإلتقاء مصلحتهِ مع مصالح رئيس الوزراء " نوري المالكي " .. فبعد بروز الدعوات الى تشكيل الأقاليم في نينوى وصلاح الدين والأنبار .. وحاجة المالكي، الى أشخاص أقوياء من اهالي تلك المناطق، [مُعارضين] للأقلمة والفدرلة .. من ناحبة .. والحصار الذي يشعر به " مشعان الجبوري " بعد سقوط النظام الليبي وأزمة النظام السوري المتصاعدة .. فلقد إستغلَ الطرفان [المُصالحة]، لترتيب إستقدام الجبوري الى بغداد، وإسقاط التُهَم الرئيسية عنه، في جلسة محاكمة لم تستغرق سوى ساعة ونصف الساعة فقط ! ... مشعان الجبوري، بعد هذه السنوات من المُعاداة العلنية، للعملية السياسية ورموزها .. سيخرج مُعافى وبريئاً .. ولكن ماذ سيستفيد المالكي :

- المالكي يتخّوف من تقارُب " عراقيون " المنضوية تحت قائمة " العراقية "، مع التحالف الكردستاني .. ويتوجس من إمكانية إتفاقهما، على حَل الخلافات المتعلقة بالمادة 140، والمناطق المتنازع عليها، في صفقةٍ بعيدة عن توجهات المالكي ودولة القانون ! .. في صفقةٍ مُحتَمَلة، يحصل فيها الكُرد على جُزءٍ مُهم ممايريدون ..مُقابِل دعمهم الكامل لأقليم نينوى وغيره المُزمع تشكيله ... وحتى في كركوك، هنالك إحتمالات، لإتفاق الكُرد مع التركمان وقسمٍ من عرب كركوك، لإيجادِ مخرجٍ للأزمة هناك، بِمعزلٍ عن المالكي وحزبهِ .

- مشعان الجبوري، حتى قبلَ ان يقدم الى بغداد، أعلنَ مِراراً، انه ضِد فكرة الأقاليم جملة وتفصيلاً، وانه سوف يقف بِكُل قوة، بوَجه مَنْ يُرّوجون لأقليم نينوى او صلاح الدين او الانبار .. إضافةُ الى انه لن يسمح وسوف يُقاتل الى آخر قطرة من دمائه، حتى لاتنظَم كركوك الى اقليم كردستان !!.. عجباً .. فبِغَض النظر، عن صِحة رأي الجبوري من عدمهِ .. فأن تشكيل أقاليم في اي منطقة من العراق، وتنفيذ المادة 140 التي تستدعي، إجراء إحصاء سكاني وبعد ذلك إستفتاء، حول مصير كركوك والمناطق المتنازع عليها ... كُل هذه .. مواد دستورية، ولا يحق لأحد من الناحية القانونية، الوقوف ضدها " إلا بعد تعديل الدستور " ... فكيفَ يُصّرِح الجبوري، انه سيسفك الدماء دفاعاً عن كركوك ؟ وكيف يمنع تشكيل أقاليم أينما كان ؟!.

........................................

أعلنَ مشعان الجبوري، بعد إسقاط معظم الدعاوي والتهم التي كانت ضده ورفع الحجز عن امواله وممتلكاته .. انه سيعود نهائياً الى بغداد .. وسيكون " مُعارِضاً " ! ... من الطبيعي، انه لن يصبح في حزب الدعوة .. ولكن بالتاكيد لن يكون معارضاً للمالكي ولحزبهِ .. بل سيكون مُعارضاً، لمجالس المحافظات في صلاح الدين والانبار ونينوى .. سيكون مُعارضاً أيضاً للتحالف الكردستاني .

أعتقد ان الوضع العراقي الحالي .. بحاجة أكثر، الى العُقلاء والحمائم والجانحين نحو السلم والتفاهُم وحَل المشاكل، من كُل الإتجاهات السياسية... وليسَ الى المُتطرفين والمُتشددين والمتعنتين والداعين الى التصعيد وتعقيد الأوضاع .. مثل مشعان الجبوري !.

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2073 الاربعاء 28 / 03 / 2012)

في المثقف اليوم