أقلام حرة

لا تغرقوا مصر في الظلام

ومَن يعمل على تجهليه وتعميته بعادات وأوصول أقل ما يقال عنها، إنها خرافية متلطية بعباءة العادات الموروثة التي لا علاقة لها بالإسلام في شيء، كعادة النقاب الموروث أصلاً عن الديانة اليهودية وأصوله موجودة في سفر التكوين من توراة العهد القديم .

ليست المعركة اليوم بين الأزهر ودعاة الانغلاق من رهط الإخوان المسلمين وحشود السلفية المتخفين حول مبدأ الحرية الشخصية في ارتداء النقاب، وأحقية المرأة المسلمة بارتدائه بموجب تلك الحرية الشخصية، إنما هي معركة حقوقية إصلاحية تترواح فصولها، بين حق المسلم في إثبات ذاته المستقلة أولاً قبل حقه في تنويرها، وبين إلغاء تلك الذات وإجبارها على التقوقع في حفرة الماضي السحيق .

إن مصر التي كانت لها الريادة وقصب السبق في حمل لواء التنوير، لا يعرف لماذا يراد لها الغرق في الظلام والدوران في دوامة تفرغ حضارتها وتاريخها العريق بعادات بالية لا تمت للدين بأصل، في الوقت الذي يسير فيه العالم بخطى واثقة في رحلة اكتشاف الكون، يرجع بعض المسلمين القهقرى إلى ما هو أقل من اكتشاف الأرض، بل إلى التخندق في المغاور والحفر، والتخندق بعادات ما أنزل الله بها من سلطان، وليس لها أي نصيب في كتاب أو نص .

إنها معركة تذكر بمعركة الحجاب التي دارت رحاها على أرض مصر قبل نصف قرن من الزمان، فلم تكن مصر في تاريخها القريب ولا البعيد موطناً للغلو أو التشدد، وإذا ما سألنا عن السبب الحقيقي وراء انتشار ظاهرة التشدد، لتفاوتت التقديرات بين الحريات العامة الضامنة لمبدأ حرية العبادة، أو بسبب الفقر الذي يدفع الحشود نحو التشدد كسبيل لمواجهة أنواء الدنيا الفانية، أونتيجة لبعض الأفكار المستوردة والمغالية في فهم الدين، بما يتناقض مع روح التسامح والانفتاح التي تعد من سمات المجتمع المصري .

عندما أعلن الأزهر معارضته الصريحة للنقاب، رد البعض أنه ثمة قرار سياسي وراء موقفه، أي أن القرار في أساسه تتحمل تبعاته الدولة المصرية، وفاتهم أن الغرب عندما ينظر إلى المسلمين لا ينظر إليهم من خلال مرجعية " قم " أوغيرها من المرجعيات الإسلامية، إنما ينظر إلى العالم الإسلامي من خلال مركز الأزهر، الذي قال عنه الرئيس الأميركي باراك أوباما في خطابه بالقاهرة، إن الأزهر كان ولا يزال شعلة للنور، وهو ما يُستدل عليه بالدور الذي لعبه الأزهر في الجمع بين حالتي الأصالة والمعاصرة،اللتان امتازت بهما مصر وشعبها على مر التاريخ .

فإذا كان الغرب ينظر أصلاً إلى النقاب كرمز للديكتاتورية والاستبداد لشخص المرأة، فكيف ستكون نظرته للأزهر، إذا ما أيد ذاك النقاب، الذي يعلم جميع المسلمين أن لا أساس له في جوهر العقيدة ؟ ألا تكفي النظرة السوداوية التي ما برح بعض المسلمين يقدمونها عن أنفسهم وتالياً عن واقع مجتمعاتهم، إما بسوء نية أو بجهل أعمى إلى الحد الذي تجرأ فيه بعض الغربيين إلى وصم الإسلام بصبغة التشدد والإرهاب ؟.

إن خطوة الأزهر، ولو جاءت متأخرة، بعد أن بلغ السيل الزبى جراء استفحال ظاهرة النقاب الدخيلة، تفتح الباب واسعاً أمام احتمالات الإصلاح والتجديد، الذي نعلم علم اليقين أنه لن يرضي غلاة التشدد، وأنهم سيرمون به وبأصحابه عرض الحائط، كما رموا بأصحابه الأوائل الذين انطلقوا في إصلاحهم من مصر ومن الأزهر تحديداً .

ليبقى النقاب، بما له وعليه من جدل، لدى البعض فرضاً شرعياً لا يقبل الجدال، ولدى البعض الآخر طريقاً رجعياً، لكنه بكل الأحوال يظل أولاً وآخراً، رمزاً للظلمة وسط عالم متحول، فلا تغرقونا بالظلام .

كاتب عربي    

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1192 الجمعة 09/10/2009)

 

في المثقف اليوم