أقلام حرة

وثيقة ابو سفيان / جمال الهنداوي

عن مشروعهم السياسي في سوريا بعد سقوط النظام، وهو ذلك البيان الذي تعهدوا فيه بالالتزام بأن "تكون سوريا المستقبل دولة مدنية حديثة، تقوم على دستور مدنيّ، ودولة ديمقراطية تعددية تداولية، ودولة مواطنة ومساواة، يتساوى فيها المواطنون جميعاً، على اختلاف أعراقهم وأديانهم ومذاهبهم واتجاهاتهم، كما يتساوى فيها الرجالُ والنساء، في الكرامة الإنسانية، والأهلية، وتتمتع فيها المرأة بحقوقها الكاملة."

وبمزيد من الارتياح –الاقرب الى التهليل- قوبل تعهد الاخوان بأن"سوريا المستقبل ستكون دولة تلتزم بحقوق الإنسان، وتقوم على الحوار والمشاركة، لا الاستئثار والإقصاء والمغالبة، ويكون فيها الشعبُ سيدَ نفسه، وصاحبَ قراره".وان"الدولة المستقبلية ستكون دولة تحترمُ المؤسسات، وتقومُ على فصل السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، وتنبذُ الإرهابَ وتحاربُه، وتحترمُ العهودَ والمواثيقَ والمعاهداتِ والاتفاقياتِ الدولية، ودولة العدالة وسيادة القانون، ودولة تعاون وألفة ومحبة، بين أبناء الأسرة السورية الكبيرة".

ولكن رغم كل هذا الترحيب,وكل تلك الاكوام من المصطلحات التي تكاد تفرغ قاموس العبارات الديمقراطية من محتوياته يبقى هناك الكثير من الريبة والتوجس يتملكان المراقب وهو يحاول ان يلامس المعنى الحقيقي الكامن خلف توقيت هذا البيان وتزامنه مع مؤتمر اسطنبول من جهة والاعلان عن موافقة دمشق على خطة المبعوث الاممي,والاهم هو عن مدى امكانية صمود هذه الشعارات امام اغراءات السلطة خصوصا مع التراث الاخواني الضخم في التلاعب بالالفاظ والمواقف واتكاءهم على كامل المخزون الفقهي والحيل الشرعية التي يستطيعون من خلالها النفوذ في ادق المنعطفات واكثرها مفصلية..

لن يكون تجنيا لو استرجعنا العديد من الشواهد التاريخية الكثيرة التي تشير الى استسهال الاخوان المسرف في اطلاق الوعود والعبارات الودية تجاه الشركاء وقدرتهم اللافتة على الانقلاب عليها وتمييعها واتساع قابلياتهم في ايجاد المبررات اللازمة للتملص من الالتزامات المتلرتبة امام الشركاء..وحتى قبل ان تتكفل قناة الجزيرة بهذه المهمة..ويكفي ان نستعيد بعض الجمل التي اغرقت بها الجماعة وسائل الاعلام في الفترة التي تلت انتصار الشباب المصري في ساحات التحرير حتى نستطيع ان نستنتج المآلات التي قد تنتج عن وثيقة عهد اخوان سوريا..

فليس بعيدا عنا عبارات الدكتور عصام العريان عن ثلث المقاعد وعن عدم النية بالاضطلاع بدور مهيمن في المرحلة الانتقالية ..وشعارات المشاركة لا المغالبة التي تحولت الى عملية استحواذ اقرب الى الالتهام لكل فقرات المرحلة الانتقالية ونكث الوعود بعدم تقديم مرشح للرئاسة واتساع الحديث عن ان "كل الخيارات مفتوحة",كذلك لن يكون من الحكمة التغافل عن دعم جماعة الاخوان المسلمين لكل الحركات الانقلابية واصطفافها مع الحكومات الاستبدادية على مر الشواخص التاريخية التي مرت على منطقتنا العربية كدليل على عدم احترامها للتقاليد الديمقراطية مثل تأييدها لابتزاز الحركة الاسلامية في السودان للحكم من الشرعية المنتخبة من قبل الشعب ووقوفها مع غزو صدام حسين للكويت وتأخرهم المؤلم عن ركب الثورات العربية وتقافزهم بعدها على نتائجها مزاحمين مبعدين التيارات الشعبية والليبرالية وادخال المرحلة الانتقالية في مصر الى نفق الاتفاقات الجانبية المحرفة لمسيرة النضال الوطني.. ولا ينفع هنا الادعاء بان ما يصح في مصر قد لا يصح في سوريا مع كل هذا الالتزام الاممي العابر للحدود لجماعة الاخوان المسلمين تجاه القضايا ذات الطابع المحلي وتشكيل قوة ضغط –بل وجلد-لمناهضي الجماعة رغم مساس هذه الممارسات بسيادة الدول والتدخل في شؤونها ..

ان اصدار هذه الوثيقة لا يعد الا استباق لنتائج حراك لم تتضح صورته بعد وليس الا استدرار لرضا الغرب اكثر منه موقفا مبدئيا ومحاولة فجة لاستثمار الانقسامات داخل صفوف المعارضة والتقزم المتزايد للقوى العلمانية والليبرالية لحسم التدافع لصالح الجماعة من خلال استغلال التقنيات الصحراوية اللافحة المقلقة للغرب التي تتبعها التيارات السلفية في ادارة الصراع على الارض لكي تطرح نفسها كبديل جاهز مقبول ومسوق باسراف لاقناع الدول الكبرى بانتقال سلس للسلطة في سوريا..

ولكن ما يبدو انه فات على الجماعة هو ان الكثير من المعطيات قد تغيرت,وان دور العرب والخليج تحول الى ما يشبه موقع دار ابو سفيان في بيان الفتح..وان شعارات التدويل والتدخل الدولي قد خفتت مقابل الحديث عن الحل الدبلوماسي ودعم مهمة عنان وهو ما قد يصفر التأثير المنتظر لوثيقة عهد الاخوان ويضعه في خانة اللاشئ..

السؤال الان يجب ان يكون عن ما يريده الشعب السوري النبيل وليس هذا الفصيل او ذاك, وعن الوسائل التي تحقق للسوريين انتقال سلمي للسلطة,وتحديد المسارات التي تصل به الى الدولة المدنية التعددية الحديثة التي تعلي من مبادئ الحرية والعدالة والمساواة وحقوق الانسان..واول الطريق هو في التخفف من قميص عثمان الاسلامي الذي قيدت به الانتفاضة الشعبية السورية وتشرنقت من خلاله بالشعارات الطائفية المشظية الممزقة للحمة الوطنية السورية..وعلى الاخوان ان كانوا يبتغون وجه الله والوطن ان يطرحوا نفسهم كجزء من الحل وليس كحملة رسالة الهية منصوص عليهم في اللوح المسطور كقدر على الشعوب الاسلامية التي تنشد الحرية والكرامة والنماء..وهذا ما قد يجعل الناس تتقبلهم وتقتنع بشعاراتهم وتتفاعل معهم بمردود سياسي واجتماعي اكثر بكثير من المنتظرمن الوثائق والعهود التي لا يرتجى منها الوفاء..

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2074 الخميس 29 / 03 / 2012)

في المثقف اليوم