أقلام حرة

خصخصة ألامن في ألعراق .. ماكنة قتل محمية / جاسم محمد

وسط  شراكة سياسية بائسة ادخلت العراق في دوامة العنف والدمار، والشركات الامنية الاجنبية والعراقية كانت وماتزال احدى عوامل ذلك العنف، رغم رحيل القوات الاميركية  العام الماضي 2011 .

 

نقلت الادارة الاميركية تجربة خصخصة الأمن في العراق بعد احتلالها عام  2003 ، وجائت بالشركات الأمنية الخاصة  لتقوم بحماية الدبلوماسيين والمقاولين الأمريكان  بدلا من القوات الاميركية لتجنب  اي توابع قانونية تلزم الحكومة الامريكية  في مسائلتها، وقد شهد الشارع العراقي  الكثير من عمليات القتل العشوائي  بسبب تلك  الشركات الامنية، فهي تحرمها على اراضيها وتحللها في اراضي الدول الاخرى مثلما فعلته في معتقل غوانتناموا  .

 رامسفيلد وزير الدفاع الاميركي السابق، هو عراب خصخصة الامن في العراق بالاشتراك مع ديك تشيني نائب الرئيس الاميركي في عهد بوش الابن ومدير سابق لشركة الامن الاميركية (هاليبرتون) العاملة في العراق وتعتبر اكبر مجهز لوجستيك للقوات الاميركية .

 

تسجيل الشركات الامنية في العراق

أصدر الحاكم المدني بريمر عام 2004  القانون المرقم 17 والذي منح الشركات الأمنية  الحق باستعمال القوة واحتجاز العراقيين مع توفير الحصانة القضائية لها ـ للشركات ـ  فبدأت حينها الشركات الأمنية تدخل العراق عن طريق  اتحاد الشركات الأمنية في العراق وسمح القانون العراقي لها باستيراد ما تريد  من الأسلحة  دون موافقة وزارة الداخلية والاكتفاء بأطلاعها .

 

لقد وصل عدد الشركات الأمنية  في العراق  الى 109 شركة، 28 منها أجنبية والباقي عراقية ،

وتستعين اغلب  الوزارات العراقية  بشركات أمنية أجنبية لحماية  المواقع وبعض المسؤولين، ومنها مطار بغداد الدولي التي تقع مسؤوليته تحت  شركة (آرمر كروب) البريطانية .

وقد أعلنت الخارجية الأمريكية عن نيتها بالاستعانة بـ 7000 آلاف متعاقد لحماية سفارتها، في اعقاب اعلان اوباما  انسحابه من العراق اواخر 2011  وعدم تمديد العمل بالاتفاقية الامنية مابين البلدين .

 

يعتبر الجنود السابقون من قوات الكوماندوز المصدر الرئيسي لتلك الشركات، ووفقاً لتقرير لجنة تقصي حقائق لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فان 5% فقط من مخالفات المرتزقة في كل من العراق وأفغانستان تم عرضها أمام القضاء،اما صحيفة (الاندبندنت) البريطانية فقد وصفت مقاتلي الشركات الامنية  بالمرتزقة وهم يتحركون في بغداد مدججين بأسلحتهم، برعاة البقر .

 

وفي عام 2007 نبه تقرير صادر عن الأمم المتحدة حول نشاط المرتزقة، جمعته مجموعة من خبراء حقوق الإنسان المستقلين، إلى حقيقة أن معظم الأفراد المتعاقدين المنتشرين في مناطق الصراعات المسلحة لا يمكن مساءلتهم إلا أمام الشركات التي تتعاقد معها .

 

تاريخ بلاك ووتر

شركة بلاك ووتر: هي أقوى جيش مرتزقة في العالم  تم تأسسيسها عام 1996  من قبل إريك برنس .

ويرجع تاريخ خصخصة الحرب حسب  الصحفي الأمريكي( جيريمي سكيهيل )  إلى حروب الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية وتأمرها مع الجنرال أوغيستو بينوشية في قلب نظام الحكم في تشيلي وقتل الرئيس سيلفادور أليندي المنتخب ديموقراطيا عام 1973 آخذا بنظر الاعتبار نشاطات شركة بلاك ووتر الآن في تشيلي فيما يخص استئجار أعداد كبيرة من المرتزقة العسكريين التشيلين وإرسالهم إلى العراق تحت غطاء فرق الحماية الأهلية.

وقد تولت مهام حراسة الشخصيات السياسية والعسكرية الأمريكية والعراقية المهمة، وتقاضت من أجل تأمين حماية بول بريمر، (21) مليون دولار في السنة  وهي تملك اكثر من ( 20  ) الف مسلح .

وفي حادث منفرد قتلت بلاك ووتر 17 عراقيا في شهر سبتمبر 2007 في ساحة النسور في بغداد  بدون ان تخضع الى اي مسائلة قانونية .

 

صمت برلماني وحكومي أمام جرائم ألقتل

الحاكم المدني الاميركي السابق في العراق  كان مقربا اداريا من  الشركات الامنية التي عملت في الولايات المتحدة واميركا الاتينية  لينقل نفس تجربة  المجموعات المرتزقة  الى العراق، ليصار ترشيحه من قبل ادارة بوش والصقور كرجل اداري غير سياسي  / اصحاب مشروع القرن الاميركي، ابرزهم  ديك تشيني ورامسفيلد وباول .

الحكومة العراقية غير قادرة قضائيا  مقاضاة شركة بلاكك ووتر طالما ان بريمر والادارة الاميركية وفر لها الحماية :  بعدم اخضاعها الى القانون العراقي، يمنع مقاضاة شركات الأمن الأجنبية في المحاكم العراقية .  وبذلك عرضت قضية ساحة النسور على محكمة  أميركية، لكن القاض ألاميركي رفض جميع الاتهامات الجنائية الموجهة إلى  الشركة  بارتكاب الجريمة . و رغم ان  العراق أمر بطرد جميع  المتعاقدين مع بلاك ووتر، لكنها غيرت اسمها  إلى (إكس سيرفيسز) لتدخل من جديد .

 

أن  حماية ومراجعة الدستور العراقي تكون ضمن مسؤولية البرلمان والسلطة التشريعية  اكثر من الحكومة التنفيذية، والاجدر بالبرلمان العراقي  اجراء مراجعة الى قرارات بريمير وقانون الشركات الامنية التي اصدرها وفقا للمصالح الاميركية، اكثر من مراجعته لقوانين وتشريعات هامشية اخرى .

ان ابقاء الشركات الامنية العاملة في العراق وخاصة ألاجنبية  بعيدا عن المسألة القانونية، يعتبر انتقاص للسيادة العراقية وفشل  البرلمان اكثر من الحكومة .  ففي الوقت الذي تعلن فيه الحكومة والبرلمان  كامل سيادتها بعد الانسحاب الاميركي و كتل تدفع مؤيديها في تظاهرات مليونية من اجل الغاء الاتفاقية الامنية  ومباركتها للحكومة وللبرلمان، عليها ان تعي  وجود الشركات الامنية في العراق قبل ذلك .

 

ان صمت البرلمان العراقي وبعض الكتل السياسية  بابقاء  تلك الشركات الامنية يجعلها في دائرة الاتهام، رغم ان بعض المراقبين اعتبروا وجود فيالق الشركات الامنية في العراق استمرار لمصالح البعض منهم

او تورط الاخرين بعمليات الفساد المالي والاداري .

 

الشركات الامنية تفرض سياستها

المشكلة انه غالبية الشارع العراقي لحد الان تنقصه الثقاقة الامنية و لايعرف حقيقة عمل الشركات الامنية  بل هنالك خلط بينها وبين القوات الاميركية والكومندوز وهي لاتقل بطشا عن بعضها  في قتل الشعب العراقي.

ان الشركات الامنية وجدت واستمرت  بضغوطات  اميركية على  العراق لتكون بديلا لقوات الاحتلال، هذه السياسة فرضت على العراق ليكون امن وحماية المنشأت الاحنبية  والمطارات تحت  ادارة شركات الحماية، وهي اشارة الى ضعف وعجز الحكومة العراقية والبرلمان معا، على عدم قدرتهما امنيا واستخباريا وعسكريا بتوفير الامن .

وقد يكون  صمت الحكومة والبرلمان امام جرائم  شركات الامن هو عدم قدرتها على حماية نفسها من تلك الشركات، واحتمال اصدار اي قرار ضدها  قد  يعرضها الى التصفية خاصة ان تلك الشركات هي من تمسك بامن المنطقة الخضراء والمناطق الحساسة .

 وهذا يثبت اشارة : ان الشركات الامنية بديلا  للقوات الاميركية  ضمن سياسة خصخصة الاحتلال  والامن في العراق .

 

تداعيات استمرار الشركات الامنية

ان وجود واستمرار تلك الشركات وفيالق المرتزقة في العراق ممكن ان يؤثر على القرار العراقي وعلى علاقات العراق الخارجية وفقا لما يخدم تلك المجموعات لتكون هنالك حكومة خفية وماكنة قتل تضرب من يعارضها . الشعب العراقي يشهد  حملة عسكرة مسيسة،  فما عاد امام للمواطن العراقي من خيار غير الالتحاق ببعض تلك الشركات او الجيش او الشرطة بعيد عن التعليم  مستغلة في ذلك اعداد البطالة من العراقيين اللذين اصبحوا يبحثون عن اي فرصة عمل .

ان استمرار الشركات الامنية يبعث الرعب في نفس المواطن العراقي و خيبة امل وفقدان الثقة ببرلمانه وبحكومته،التي  كلاهما اصبحا  تحت حماية  الشركات الامنية .

  

كاتب في قضايا الارهاب والاستخبار

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2077 الأحد 01 / 04 / 2012)


في المثقف اليوم