أقلام حرة

الدوائر الأمنية في العراق / امين يونس

.. وبعد القدح الأول، بدأ الامريكي بالتفاخُر، فخاطبَ جليسه : نحنُ الأمريكان اُمةٌ ديمقراطية، الى درجة .. أنني أستطيع ان أبصق على سيارة الرئيس عندنا !.. فأجابهُ العراقي : ونحن أيضاً دولة ديمقراطية، بحيث أنني أبولُ على باب مُديرية الامن أو المُخابرات عندنا ! .. فتعجبَ الأمريكي من ذلك .. وإستمرا يشربان، الى وقتٍ مُتأخِر .. وقُبيل المُغادرة .. قال الأمريكي : يا صديقي، اُريد أن أعترفَ لكَ .. بأنني بالغتُ قليلاً في أمر سيارة الرئيس .. صحيحٌ أنني أبصقُ على سيارته .. ولكن بعدَ أن تَمُر السيارة بعشرة دقائق ! . فَرَدَ العراقي : .. في الواقع، انا أيضاً لم أخبرك بالحقيقة كُلها .. فنحنُ في بلدنا، نبولُ .. على باب الامن والمُخابرات ... لكننا نبولُ على أنفُسنا من شِدة الخوف ! " .

ان الإنطباع السئ الذي تَرَسَخَ في ذهن المواطن العراقي، عن الاجهزة الامنية بأنواعها .. طيلة عقود .. لهُ مُبرراته وأسبابه الواقعية .. بسبب تمادي هذه الأجهزة، في مُختَلَف أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، ولجوءها الى أحَط الأساليب وأكثرها بُعداً عن القانون والأخلاق .. من اجل إذلال المُستَجْوَب .. سواء أكانتْ التُهَم المُوَجَهة اليهِ، مُستَنِدة الى أدِلة وبراهين أم لا !... حيث يَصدَق الى حَدٍ ما .. القول في دوائر الأمن والإستخبارات : " .. الداخِلُ إليها مفقود .. والخارج منها مولود ! " .

إذا كانتْ جذور هذه المُمارسات المُستهجنة .. تمتدُ الى أزمان قديمة وعصور بعيدة .. فأن تقنينها وتبويبها وإضفاء نوعٍ من الشرعية عليها، بِحجة التحقيق أو فرض القانون أو تنفيذ العدالة .. بدأ مع تشكيل الدولة العراقية الحديثة .. ومَرّ بمراحل مُختلِفة، الى أن وصلَ .. الى ذروتهِ في ما سَمّاهُ الفاشيون " عروس الثورات " في 1963 . وتَكّرِسَ خلالَ العقود التالية ... حتى إكتسبتْ دوائر الأمن وأماكن التحقيق والإستجواب، العلنية منها والسرية، وحتى أحياناً مراكز الشرطة والمقرات الحزبية .. سُمعةً بالغة السوء وصيتاً مُرعِباً !... " وحتى في أقليم كردستان الذي تَخّلَصَ من سيطرة صدام مُبَكراً وحصل على إدارة ذاتية واسعة منذ 1991، فأن الدوائر الأمنية مابرحتْ تستخدم في كثيرٍ من الأحيان، وسائل مُستقاة من النظام الفاشي المقبور، في سبيل الحفاظ على السُلطة والحَد من أي مُعارَضة جدية "، رُبما تكون درجة العنجهية والتَجّبُر في الدوائر الأمنية في الأقليم، أقل من مثيلاتها في بقية العراق، لكنها على أية حال، غير مُلتزمة بالمهنية والحيادية في تطبيق القانون بِشكلٍ كافٍ .

وبعد التغيير في 2003 .. إنهارتْ هذهِ الأجهزة الأمنية عن بكرة أبيها .. وجرى تشكيل مؤسسات أمنية جديدة، من المفروض ان تُواكب العهد الجديد، وتُقام على اُسُسٍ مُختلفة، وضوابط تُراعي الإلتزام بحقوق الانسان والقوانين الدولية وشرائع الأمم المتحدة .. وحصلَ ذلك فعلاً [من الناحية الشكلية] .. لكن سُرعانَ ما عادتْ مظاهر القمع والإستبداد والتعذيب بأنواعه، والضغط على الأقارب والترويع والتهديد .. لتتصدر المشهد الامني .. وتصاعدتْ وتيرة الإنتهاكات المُرتَكَبة مِنْ قِبَل الاجهزة الأمنية .. وجرى تسييسها وجعلها تدريجياً، مُدافعة ليسَ عن أمن الوطن والشعب، إنما عن أحزاب متنفذة في السلطة، وعن مصالح هذه الاحزاب . ان [ثقافة] القمع والتَسّلُط والإستبداد .. مازالتْ هي الرائجة فعلاً، في اوساط الأجهزة الامنية العراقية للأسف .

.......................................

وما زالَ الكثير من العراقيين، يبولونَ على أبواب دوائر الأمن والمُخابرات .. ولكن !

   

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2079 الثلاثاء 03 / 04 / 2012)


في المثقف اليوم