أقلام حرة

الحزب الشيوعي العراقي .. أي تحالفات؟ / وليد العبيدي

من لدن أولئك الذين تصدوا "للدفاع" عن الحزب تبين لي أن هناك  تناولا سطحيا للوضع العراقي يضع مستوى تفكير بعض "المثقفين" على مستوى متقارب من ثقافة  الشخص العادي من حيث افتقاده للمنظور و للأدوات التي تمكنه من تحليل الأحداث تحليلا منهجيا يساعده على الفهم الصحيح والخروج باستنتاجات جادة تخرج عن دائرة الإنشاء وترداد الكلام...و لا يغيب عني أن المهمة ليست بالسهلة وهي تفوق طاقة شخص منفرد بل تتطلب عقلا مؤسسيا أي حزبا أو مركز دراسات أو مجموعة دارسين تتناول المنعطفات الحادة التي مر بها بالعراق على الأقل منذ بداية حملة البعث على الأحزاب الوطنية ثم إقدام صدام على "انقلاب" داخل حزب البعث وإدخاله العراق في أتون الحرب مع إيران وما جرته تلك الحرب من ويلات ثم إقدامه على  احتلال الكويت وما ألحقته الحربان من دمار في البنية الاقتصادية والنسيج الاجتماعي العراقي والذي أنتج الحالة التي رأيناها بعد  2003 ومظاهرها المختلفة بما في ذلك تسيد التيار الديني الساحة السياسية....

لقد تشكلت العديد من الأحزاب الدينية بعد ذلك التاريخ وكذلك حركات سياسية علمانية عديدة وقد رأينا كيف أن الأحزاب الدينية الجديدة قد حققت نتائج لم تستطع الأحزاب العلمانية حديثها وقديمها أن تحققه عدا في منطقة كردستان وهذا مهم لأنه يساعد كثيرا على فهم السبب....

 

إن أهم سبب في نظري جعل الأحزاب العلمانية في كردستان تحقق نتائج في الانتخابات  تفوق ما حققته الأحزاب الدينية هناك هو بقائها في ساحة النضال السياسي وقيادتها لهذا النضال وهذا ما لم يتيسر للحركة العلمانية المعارضة للبعث في بقية مناطق العراق...بمعنى آخر، أن الحركة العلمانية المتمثلة بالدرجة الأولى بالحزب الشيوعي العراقي قد فشلت في إيصال صوتها ليس إلى الشعب العراقي وحسب بل وحتى إلى كادرها القديم....وخلال سنوات الغياب نشا جيل جديد لم يجد ما يمكن أن يسمعه أو يقرأه من الشيوعيين ليتأثر به وانقسم هذا الجيل بين من هو متماه مع حزب البعث ومن هو ينتظر لحظة سقوطه لا يدري كيف ومن طرف من...(بخصوص جهود الحزب من الخارج لإعادة صلته بالكادر القديم في الداخل حصلت فضائح- مآسي آمل أن يأتي يوم وتنكشف أسرارها إذ قام الحزب الشيوعي بإرسال عدد من كوادره إلى الداخل عبر كردستان فتبين أن أجهزة مخابرات البعث كانت تمتلك المعلومات الكافية عن خطة إدخالهم إلى العراق وأنها كانت تترصد هذا الكادر وتركته يستقر في المناطق المكلف بالاختباء بها  ثم رصدت اتصالاتهم ثم لتقوم بعدها باعتقالهم هم ومن اتصلوا بهم وأعدمتهم وليس فخري كريم  بعيدا عن الشبهة)

 

و لا شك أن "الحملة الإيمانية" التي أطلقها صدام والتي جاءت نتيحه لإفلاس البعث حزبا وسلطة في محاولة منه لتحويل اهتمام الناس عن التفكير بالمسؤولية الشخصية لصدام وحزب البعث عما ألم بالعراق قد وفرت الفرصة لأن يلجأ الكثير من العراقيين إلى الدين "كملاذ آمن" في ظل غياب قوة سياسية مؤثرة في الشارع تمثل تحديا للنظام وتقدم نفسها بديلا عنه وهو ما  وساهم في إنتاج "الحالة الدينية" التي رأيناها في 2003....

رغم ذلك كان هناك أحزاب دينية واصلت فعلها وحضورها على الساحة العراقية مع وجود زعامتها في المنفى، وفي الواقع لم تكن هذه الأحزاب تقود نضالا جماهيريا عريضا داخل العراق ولكنها كانت تجعل وجودها محسوسا من خلال الفعاليات التي تقوم بها ومنها العمل المسلح ضد النظام ورجاله...

 

ويمكن القول أنه حتى قيام الثورة الإسلامية في إيران لم تكن الأحزاب الدينية تشكل تحديا للأحزاب العلمانية ومنها الحزب الشيوعي العراقي الذي كان يمتلك جماهير عريضة ومن أسباب ذلك وربما أهمها أن الساحة الدولية كان يشغلها صراع بين معسكرين كبيرين رأسمالي واشتراكي لكل منهما نظريته ونموذجه الحي  للتطور و قد انعكس هذا الصراع على الساحة القطرية لكل بلد في العالم تقريبا  ومنها الساحة العربية وأدى إلى حصول اصطفاف في المنطقة  بين أنظمة "تقدمية" ناصبت العداء للولايات المتحدة، بسبب موقفها الاستعماري وخاصة في فلسطين ودعمها الأنظمة الرجعية العربية، وتقاربت مع المنظومة الاشتراكية كسند لها في موقفها، وبين أنظمة عربية تقليدية حالفت الغرب ووقفت معه في التصدي لما سمى آنذاك ب "المد الشيوعي" في المنطقة ....بمعنى آخر أن الصراع كان تحت عنوان "التقدمية" في مواجهة "الرجعية"، وفيما شمل التصنيف الأول مجموعة الأحزاب القومية، والتي تبنت بعمومها المنهج الاشتراكي في بناء الاقتصاد، وكذلك الشيوعيين، شمل التصنيف الثاني معظم الدول العربية الأخرى ومنها دول الخليج النفطية والنظام الملكي في الأردن والمغرب وحتى النظام الجمهوري في تونس الذي كان حليفا للغرب رغم اختلافه الكلي عن الأنظمة الخليجية والملكية...غير أن صراع الدول "التقدمية" ضد الولايات المتحدة وحلفائها لم يلغ أو يؤجل الصراع الداخلي بين الأحزاب القومية التي كانت في السلطة والأحزاب الشيوعية والذي دار حول نمط الاشتراكية حيث تبنى الشيوعيون  النمط السائد في المنظومة الاشتراكية في شرق أوربا بينما كانت الأحزاب القومية تنادي بنمطها الخاص من الاشتراكية المعتمد على الخصائص العربية تأخذ بنظر الاعتبار التقاليد الدينية للشعوب...ولم يكن ذلك يعني أن الأنظمة القومية كانت تتساهل مع الاتجاهات الدينية التي تشكل تحديا لها فقد رأينا كيف أن جمال عبد الناصر وجه ضربة قاصمة  للتيار الإسلامي المتمثل بالإخوان المسلمين في مصر كما حارب الشيوعيين ومنع الأزهر من القيام بدور سياسي وحصره بالإرشاد...وكذلك فعل حزب البعث في سوريا والعراق فقد شن النظام السوري حربا على التيار السلفي السني في وفي نفس الوقت على التيار الشيوعي الذي عارض النظام و لم ينضو تحت قيادة حزب البعث فيما سمي بالجبهة الوطنية التقدمية...وفي العراق حارب نظام البعث الشيوعيين وكذلك نشطاء الحركة الإسلامية خاصة ذات القاعدة الشيعية وهو لم يجد تحديا جديا من طرف حزب إسلامي سني وكان حربه ضد  الأحزاب ذات القاعدة الشيعية تسير تحت راية ارتباطها بإيران....

و مع ضعف الدولة القومية العلمانية وأحزابها بسبب فشلها في تحديات البناء الاقتصادي والاجتماعي وكذلك تحديات حل الصراع العربي الإسرائيلي أخذت الأحزاب الدينية تنتعش وزاد من انتعاشها فشل القوى اليسارية ومنهم الشيوعيين في أن تقدم نفسها كبديل ذي مصداقية إلى الجماهير خاصة وان هذه الأحزاب سبق وأن تحالفت مع الأحزاب القومية الحاكمة وتحولت إلى أداة طيعة بيدها قبل أن تنتقل إلى المعارضة مرة أخرى كما حصل مع الحزب الشيوعي في العراق...أي أن الأحزاب الشيوعية كانت عشية تدهور وضعية الأنظمة القومية تعيش هي الأخرى أسوأ حالاتها...وبهذا الصدد قال السكرتير العام للحزب الشيوعي العراقي حميد مجيد موسى في مقابلة أجرته معه صحيفة الحياة في  نهاية التسعينات أن نظام البعث هو في أضعف حالاته ولكنه رغم ذلك لا يزال أقوى من أحزاب المعارضة العراقية (مجتمعة)....

 

و لا يمكن إنكار الدفع الذي حصل عليه التيار الديني السياسي  بفعل الثورة الإيرانية إذ  عشية انتصارها لم يكن أحد ينظر إليها على أنها ثورة شيعية و اعتبر التيار الإسلامي (حتى السني منه في بادئ الأمر) أن انتصار الثورة الإيرانية يوفر الدليل على قدرة الأحزاب الدينية على الانتصار وبناء دولة بمعايير إسلامية...ولا شك أن كل ثورة تكون في بدايتها ذات طابع ديمقراطي عام بفضل مشاركة جميع القوى الحية فيها قبل أن تبدأ الأمور تستتب لصالح الأقوى منها على حساب القوى الأضعف لذلك وجدت الثورة الإيرانية تأييدا لها من قبل الكثير من الشيوعيين العراقيين والعرب (لا أتذكر الموقف الرسمي للحزب الشيوعي من الثورة الإيرانية) وجاء انتصار الثورة في وقت كان فيه الشيوعيون العراقيون يتعرضون لحملة قوية من البعث فأملوا أن تشكل الثورة الإيرانية عامل تخيف عن الضغط المسلط عليهم خاصة وأن حزب تودة الشيوعي الإيراني ظهر إلى العلن وأطلق سراح جميع قيادته وكادره المعتقل في سجون الشاه...

ويبدو أن الشيوعيين أثناء وجودهم في المنفى لم يحسنوا قراءه التغيرات التي كانت تحصل على الساحة العراقية وما تركته الثورة الإيرانية من أثر ثم تأثير حرب العراق على إيران من حيث بداية انتعاش الحركة الدينية وظلوا يعتقدون أنهم حتى ببقائهم خارج العراق سوف يواصلون ممارسة تأثيرهم على وعي العراقيين ويظلون القوة الأكبر المناهضة لحكم البعث وهذا الوهم حملوه معهم عند عودة قيادتهم من المنفى بعد 2003 لذلك دفعوا ثمن هذا الوهم  غاليا...

 

وأعتقد أن الشيوعيين كان بإمكانهم أن يعيدوا جزءا من نفوذهم المفقود على الساحة العراقية جراء سنوات الغياب الطويلة لو أحسنوا قراءة الواقع كما هو (بإتباع المنهج الوضعي وليس المعياري في دراسة الظواهر) عشية سقوط النظام البعثي على يد القوات الأمريكية....وقد راهنوا على أن تاريخهم لوحده كفيل بأن يضعهم في الصف الأول من الأحزاب السياسية ذات التأثير...لم يحدث ذلك...

والسبب في رأيي هو أنهم أخطئوا في فهم  أو تحديد طبيعة الصراع وطبيعة التناقضات عندما اعتبروا أن الصراع أنما يجري أساسا بين التيار العلماني والتيار الديني (قد يكون ذلك صحيح جزئيا ) وهذا ما أدى بهم إلى ارتكاب واحدة من أكبر أخطائهم عندما تحالفوا مع مجموعة علاوي...

أرى أنه كان لزاما على الشيوعيين، ومن منطلق براغماتي عملي، أن يبحثوا في التيار الإسلامي عما هو تقدمي والاصطفاف معه في مواجهة الجزء الرجعي والمتخلف من التيار نفسه وضد المجاميع البعثية التي أعادت تنظيم صفوفها وأقحمت نفسها مرة أخرى في العملية السياسية بدعم مادي وسياسي واضح من الدول الرجعية العربية.  ولم يكن الكثير من البعثيين يخفون عشية أول انتخابات وقوفهم مع علاوي...وهنا أود أن أروي قصة حدثت معي: قبل بضعة شهور من الانتخابات البرلمانية الأولى في 2005 ركبت تكسيا في بغداد فدار حديث بيني وبين السائق تبين لي فيما بعد أنه من ضباط الجيش العراقي المنحل...لم يكن يعرف ميولي السياسة فراح يسألني عن عشيرتي ومنطقة سكني ولما "اطمأن"  قال لي بحماسة ملحوظة "أؤكد لك أننا سنعود، سنصوت جميعنا لعلاوي"...وقبل ذلك بأيام  قال صديق لي أن علاوي عائد إلى السلطة وأن الاتجاه يسير نحو تجنيد أصوات البعثيين لصالحه. وقد كان ردي على الصديق أنه حتى لو حصل ذلك فإن اصطفافا في الطرف الآخر سوف يحصل يمنع علاوي من كسب الأكثرية وقصدت بذلك أن الاصطفاف البعثي سيكون بمثابة إنذار للشيعة بالتصويت لأحزابهم الدينية إذا ما أرادوا تجنب عودة البعث تحت غطاء جديد...وهذا ما حصل... و لا أنكر أني  أفضل اصطفافا شيعيا كالذي حصل على أن يعود حزب البعث بثوب آخر ولو كنت قائدا شيوعيا لدفعت الحزب للوقوف مع هذا الاصطفاف  في مواجهة الاصطفاف البعثي لأن هناك أحزابا دينية شيعية وبفضل تاريخها وطبيعة قيادتها المثقفة تمثل حالة متقدمة وضمانا لعدم عودة البعث وبذلك اقصد حزب الدعوة  والذي وسع من دائرة تحالفاته ليشكل ائتلاف دولة القانون...

وكما أوضحت في العديد من المقالات التي كتبتها فإن الصراع في العراق يجري بين تيار ديني ولكنه  ديمقراطي حقيقي من جهة  وتيار نشأ في حضن الأجهزة الغربية برنامجه أن يجعل العراق جزءا من المنظومة الرجعية العربية من جهة  أخرى، وقد اختار الحزب الشيوعي أن يقف مع التيار الأخير بسبب "علمانيته"....

وقد يسألني أحد: على أي أساس وصفت التيار الإسلامي الذي تحدثت (أتحدث) عنه بأنه "ديمقراطي"؟

في نظري أن الكثير يتعلق بالإجابة الصحيحة على هذا السؤال وهو يرتبط بقضية أخرى لا تقل أهمية اسمها "موضوع الصراع"...هنا لا بد من التمييز بين "هدف" الصراع و "موضوعه" ويمكننا الاتفاق على أن هدف الصراع هو السلطة بما تمثله من امتيازات. وفي عراق لا يلعب الصراع الطبقي فيه دورا متقدما (لأنه لا يمكن الحديث عن وجود طبقة رأسمالية وأخرى  عمالية لكل منهما مصالحه  الطبقية المحددة والواضحة)  فإن الصراع  عل السلطة (هدف) هو بين تيار يؤمن ويعمل على أن يكون النظام في العراق قائم على التعددية السياسية و مبدأ الأغلبية والأقلية والفصل بين السلطات وتعزيز حكم القانون والالتزام بالدستور وهو ما تريده الجماهير لأنه في مصلحتها وبالتالي فهو تيار ديمقراطي من حيث أن ما يطرحه يتفق ومصلحة الجماهير العريضة، وتيار آخر يعمل على تحويل هذه المبادئ إلى ديكورات لنظام يقوم على  صيغة الاقتسام (المحاصصة) على أساس قومي ومذهبي يكون الحكم فيه ليس لما تفرزه صناديق الاقتراع بل لزعماء الطوائف والقوميات وتكون هذه قسمة دائمة يرثها ابن عن أب. وما رأيناه من وراثة العائلة للمناصب في المجلس الأعلى كمثال على احتكار (أو العمل على احتكار) تمثيل الطائفة وما رأيناه من سيطرة عائلة البارزاني (وبالطبع زائدا خدم العائلتين) للمناصب المهمة في كردستان  كمثال على احتكار تمثيل القومية الكردية (لا يهم أن يكون بالتقاسم مع عائلات أخرى كعائلة الطالباني) وهذا ما يراد أن يكون عليه النظام السياسي في العراق...

والآن أين نضع كتلة علاوي من ذلك؟ إذا وضعناها في صف التيار الديمقراطي يفترض أن تتحالف مع ائتلاف دولة القانون وإذا وضعناها ضمن تيار الاقتسام فإن ذلك يجردها من سلاحها الأساسي المتمثل ب"العلمانية" في مواجهة "الدينية"...إن معضلة الإجابة على هذا السؤال هي جزء من معضلة فهم طبيعة ائتلاف علاوي ...

 

أين تكمن؟

تكمن في أن فشل مجموعة علاوي الأصلية ونواتها حركة الوفاق التي يتزعمها (والتي تحالف معه الشيوعيون) في الحصول على نسبة تؤهلها لحكم العراق قد دفع بها لتوسيع دائرة تحالفاتها لتضم قوى وعناصر غير منسجمة ذات خلفية متباينة فمنها ما هو ديني ومنها ما هو قومي وآخر بعثي وهكذا، وبذلك خسرت طابعها الذي يميزها بما في ذلك طابعها العلماني او الليبرالي الذي كانت تدعيه. فلا طارق الهاشمي بعلماني و لا المطلك ليبرالي فيما بدا النجيفي قوميا في مواجهة الأكراد لينتهي  دون لون محدد و لا أحد يعلم كيف سيكون غدا. من هنا نرى أن تحالفاتها ليست ثابتة إذ تدعو اليوم ائتلاف دولة القانون إلى تشكيل حكومة وحدة وغدا تذهب إلى السيد مسعود طالبة منه فك تحالفه من التحالف الوطني فتعود تارة أخرى لتغازل التيار الصدري ثم يذهب علاوي لمقابلة السيد عمار ويخرج معه بلغة مشتركة وهكذا...زد على ذلك أن أبرز سمة ميزت خطاب تحالف علاوي الأول والثاني هي غياب المنهجية والاتساق في الطرح ولم يجد موضوعا يتحدث فيه سوى الوضع الأمني والخدمات وهو ما أصبح سلاحا يشهره بوجه الحكومة كل من يفتقد إلى برنامج واضح للبناء وكأنهم لو كانوا في السلطة لحلوا مشاكل العراق الناتجة عن إرث عقود من الخراب بين ليلة وضحاها قافزين على حقيقة أن العراق يمر في مرحلة تأسيس جديدة ( من نقطة الصفر) على كل المستويات تحتاج إلى عقود من الزمن.

 لقد انهارت منظومة الدول الاشتراكية في عام 1991 و لا تزال ليومنا هذا بعد مرور 21 سنة تعاني من مشاكل التأسيس الجديد وحتى روسيا المتقدمة نسبيا على بقية الدول الاشتراكية السابقة لا يزال النظام السياسي والاقتصادي فيها يعاني من المشاكل ولا يزال محاربة الفساد من أكبر المشاكل التي تواجه النظام. وإذا كانت روسيا قد عانت من النظام الشمولي كما عانى العراق فإنها لا تشبهه العراق لا بدرجة التطور ولا بمستوى الخراب الذي شهده العراق خلال عقدين من الزمن...

ويغض الشيوعيون، المفترض أن يكونوا موضوعيين بحكم النظرية التي يتسلحون بها، نظرهم عن هذه الحقيقة الساطعة ويفضلون أن يلوكوا علكة الخدمات....أما الوضع الأمني فكلهم يعرفون من يقف وراء الإرهاب وبدلا من أن يعملوا على فضح الأطراف التي تقف وراءه ويساندوا الجهد الأمني يفضلون استخدامه كسلاح ضد الحكومة....ولم نر أحدا من هذه الأطراف التي تتحدث ليل نهار عن "الفشل الأمني" والخدمات يقدم مشروعا أو مقترحا جديا تتعلق بمحاربة الفساد والإرهاب نابع من دراسة معمقة أو مستندا إلى تجربة، للبرلمان أو للحكومة لذلك أصبح هذين الموضوعين هو خبزهم وماءهم الذين "يعتاشون" عليه....

 

وليس هناك أي عجب في أن نرى أحد ممثلي التيار الديني وهو السيد عمار الحكيم و في مناسبات عديدة يتودد إلى السيد علاوي وإلى السيد مسعود ويجد باللقاء بهم فرصة للانتقاص من حكومة المالكي وقد بينت في مقالات سابقة سبب ذلك وأعيد التذكير به باختصار وهو أن السيد عمار يجد في ائتلاف دولة القانون تهديدا لهيمنته بل لمكانته في الساحة السياسية الشيعية بينما يعرف هو أن علاوي وبالاتفاق مع  القادة الكرد ومن يدعون تمثيل السنة،  سوف يضمنون له مكانا بارزا وثابتا في المعادلة السياسية الشيعية عندما يتفقوا على تقسيم الحصص بينهم بعيدا عن أي شئ اسمه دستور ونتائج انتخابات وتعددية وتداول للسلطة وغيرها من "الخزعبلات"الدستورية التي يرتضون بها عندما تكون لصالحهم ويتحايلون عليها عندما لا تخدمهم....أما القادة الكرد الحاكمين حاليا فإن همهم أو إستراتيجيتهم المرسومة بعناية تكمن في أنهم لن يسمحوا بأن يأتي يوم ويحكم فيه العراق كتلة قوية متراصة متجانسة تضعهم في مكانهم الطبيعي الذي يستحقونه ونظام ديمقراطي حقيقي يهدد هيمنتهم على شعب كردستان وثروته كما يهدد هيمنة السيد عمار على الشيعة وهيمنة الحزب الإسلامي أو غيره على السنة....وإلا ما الذي يجعل السيد عمار والسيد علاوي والسيد مسعود ضيوفا مبجلين لدى آل سعود  بينما يرفض آل سعود مقابلة السيد المالكي الممثل الرسمي  للحكومة العراقية؟ وما الذي يجعل رئيس وزراء تركيا الذي وضع نفسه مدافعا عن السنة (ربما بعد أن حصل من الولايات المتحدة الأمريكية على ضمانات أنها لن تؤيد الزعامة الكردية العراقية في سعيها للانفصال) يستقبل بوجه بشوش ما يفترض أن يكونا طرفين متناقضين هما طارق الهاشمي والسيد عمار في وقت يوجه للمالكي وهو رئيس وزراء مثله  كلاما لم تعرفه الدبلوماسية الدولية من قبل؟إنه رفض المالكي وائتلافه  لصيغة الاقتسام لأنه لا يريد أن يكون زعيما لطائفة بل زعيما عراقيا ولو اختار ما اختاره الآخرون لوجد نفسه في أحضانهم لأن عراقا مقسما طائفيا وقوميا لا يخيف آل سعود....

ومن خلال ما تنقله أدبيات الحزب الشيوعي وما نسمعه من أعضاءه والذي يعكس إصراره على مواصلة نفس النهج يبدو أن الحزب يفضل أن لا يعيد النظر في حساباته الخاسرة على المستوى الجماهيري والرابحة على مستوى المنافع الشخصية لبعض قادة الحزب الأمر الذي سوف يضعه (وقد وضعه) في مصاف القوى الهامشية الملحقة بهذا أو ذاك خطابا ونهجا...

وكنت أتطلع لأن يتمكن شيوعيو الداخل ممن لم يعش المنفى من أن يجدوا لهم مكانا بارزا في الحزب وفي رسم توجهاته غير أن ما يروع أنهم لا زالوا يعيشون الماضي ويتشبثون بالحزب كعادة درجوا عليها واستبدلوا الواقع بالوهم.

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2080 الاربعاء 04 / 04 / 2012)


في المثقف اليوم