أقلام حرة

مجانية الحرية / أحمد زكارنة

فالحرية وبخلاف ما يروج لمعناها باعتبارها فعلاً مطلقاً، هي بالأصل قيمة إنسانية من أهم مبرراتها فعل المسؤولية لا الفوضى، والفرق بين المسؤولية والفوضى هو ذاته الفرق بين الحلال البين والحرام البين ولا متشابهات بينهما إلا بفعل فاعل.

 

  مؤخرا شهدت الساحة الفلسطينية، حالة من الجدل الواسع حول الخط الرفيع الفاصل بين حرية الرأي ومجانية الأحكام المطلقة، مما يشير إلى أننا نعيش حالة من تفسخ المفاهيم كنتاج طبيعي للتطور التكنولوجي الذي اختلطت في سياقه المعالم الثقافية، لتفقد جميع الاشياء خصوصيتها وبالتالي تمييزها.

 

ما يحزن في هذا المشهد ان بعض أعضاء الجسم الصحفي انبرى يدافع دفاعا مستميتاً عن حرية  صحفية لم تتحق معالم مهنيتها الأساسية في سياق احكام مفترضة اطلقت بلا دلائل واضحة في ذات القضية التي اجتمعوا في وقفة احتجاجية عليها، فضلاً عن عدم اختصاص الصحفي في اطلاق الاحكام في قضايا تحمل ابعاد وطنية تمس الحقوق الخاصة والعامة في آن، وإنما الدور المنوط حسب القواعد المهنية يشير بوضوح إلى حق الصحفي المهني في الاشارة إلى قضايا الفساد استناداً على دلائل ومعطيات دون استعراض لاسماء شخوص لم تثبت ادانتهم بعد. 

 

 إن ممارسة العمل الصحفي المهني والحر في آن، هي محاولة لا شك واضحة ومباشرة  للوصول إلى الحقيقة، عبر تفكيك كل لبس قد يغطي على فساد هنا أو هناك، ولكنها في الوقت ذاته، ولكي تبقى ممارسة مميزة ومحافظة على هيبتها بحسب القواعد المهنية، لا يمكن أن تعطينا حق " شيطنة " الآخر أو أدانته دون دلائل مادية واضحة.

وأنا هنا اتحدث عن الصحافة الاستقصائية المرتبطة بالحدث ومشروطة بحجمه، ولا اتحدث عن مقال الرأي، كون مقالات الرأي مادة أخرى تبنى عادة على قواعد مختلفة، لسنا في مجال الحديث عنها في هذه المساحة.

 

ختاماً من الضروري القول: إنني هنا لست في معرض الدفاع عن شبهة فساد هنا أو هناك، وإنما في صلب الدفاع عن هيبة العمل الصحفي الحر والمهني بعيداً عن مجانية الحرية التي لا تغني ولا تسمن عن حق أو حقيقة.

 

* كاتب وإعلامي فلسطيني 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2081 الخميس 05 / 04 / 2012)

في المثقف اليوم