أقلام حرة

الزاهد العلماني هو المنقذ / عماد علي

وما يؤمن به، ومن اجل سعادته (و هي الاهم للجميع) لا يحتاج الى التردد في اتخاذ القرارات والمواقف، وانما المهم هي الخلفية السليمة والعقلية الموائمة للولوج في تطبيق وتحقيق خطط وعمل استنادا على التفكير العلمي الصحيح الذاتي المستمد من كل ماهو مثبت مختبريا بدلائل عينية ملموسة مبنية على صحة الجوهر والمظهر دون التاثر بخيال وفكر مثالي .

في هذه المرحلة التي نعيش، وليس من باب المقارنة مع ما كنا فيه من اية ناحية كانت فقط، وانما من اجل بيان الحقائق والاصح من النتائج علينا ان نحلل ما توصلنا اليه، اي اننا نحس بعصر مختلف كليا عما سارت عليه البشرية من كافة الزوايا، ونلمس التغيير الكثيير في كل ما يمس الانسان وما هو عليه (من كافة النواحي) وهذه نتيجة طبيعية للقفزة المدوية التي يشهدها التقدم غير المسبوق لما يخص الانسان بذاته والتطورات الحاصلة في المجالات المادية الصرفة التي تدخل في شؤون معيشة الحياة الخاصة للفرد والمجتمع ككل ايضا . مهما كانت نسبة معرفتهم بالامور الباطنية غير معلومة لدى الاغلبية الساحقة من الناس من جهة، وخصوصيات وسلوك وشكل مكونات وطبيعة ما يتعاملون بهو وفقه في الحياتهم اليومية . اي بمعنى اخر، عندما انتقلت وتغيرت طبيعة وشكل معيشة الانسان تدريجيا، فكان هناك من تكهن بما يمكن ان يصل اليه العلم والمعرفة في المستقبل، الى ان اليوم ربما الوسائل المتوفرة اوضحت بشكل جلي كل ما يمكن ان يتنبأ ويستقراه ويستبطنه المختصون وجزء كبير من الملمين بشؤون الحياة العامة من الناس ايضا. ومن هنا ياتي التفكير في كيفية التعامل والعمل والتحضير لما ياتي من الاختراعات الجديدة، استنادا على ما التمسه الفرد من التغييرات الكبيرة في وقت قياسي، ومن يكون في مقدمة هؤلاءالذين لهم صلة الوصل بين الواقع والفكر والفلسفة وما يستثمر منها، هم من النخبة، وقبل ان يتعمم ما ياتي على كافة مكونات الشعب، اي القدوة هم من تقع عليهم المسؤولية الكبيرة والواجب، للتعمق فيما هو خير للانسانية . بينما اليوم نحن متعلقين وسط ما تتسم به الحياة من الحداثة، فان الامور اختلطت على الخاص والعام بين المعني بالامور والمواطن البسيط منذ الوهلة الاولى لظهور ملامح التغيير دون ان تكون هناك اسبقيات من التلميح او ترسيخ للارضية الملائمة لتقبٌلها .

انه لأمر يستحق التوقف كثيرا من الجانب الفلسفي لما هو به المفكر والخائض في دقائق الامور (و منها غير المرئية) لمسيرة حياة الانسان بشكل عام . وهذا ما يمكن التوغل في اسباره عند خوض الطريق الى الاختبارات المطلوبة لبيان وتوضيح الدلائل المفروضة لصحة اي طرح جديد من المكتشفات الحديثة، وهو الطريق الوحيد الجيد والمثالي ربما لتحقيق اصحية وعلمية اية مسالة مطروحة للبحث او اية نتيجة جديدة لما بحثت من اجل اظهار الحقائق وصحة التوجه والتنقل والطرح لما هو الشاذ في النتيجة النهائية .

ان كان اليسار العلمي العلماني هو من يهتم بشكل اكبر وواضح بحياة الانسان وما يخصه في حياته الدنيوية دون الغور في وسط فكري خيالي فيما يمكن ان يبعده عن الحياة المعيشية الواقعية، اكثر من غيره،و هو ينشد الى المساواة والعدالة الاجتماعية ويعمل من اجل بيان صحة العقل والعقلانية والفكر السليم لدى الانسان دون التوغل عميقا في اسبار ما يمكن ان يفرض عليه الدخول في مطبات الخيال والسفسطة ومتاهات اللعب بالكلام من دون الاهتمام بالجوهر الملموس، فانه يؤمن بالولوج في حقيقة الامور مبينا صحة ما كنا نسير عليه من قبل، او خطأه، رغم اعلان المسبق من قبل المثاليين لشرور البشر الفطري، وهو ما يلبي دعوة العلماء للعمل فيما يخص الحياة البشرية استنادا على المباديء العلمية المادية الديالكتيكية المقنعة للعقلية الانسانية بعيدا عن الخيال والطوباوية، فلنا ان نستمد العون والدعم منه كفكر ومنهج، وبه يمكن ان يوضح لدينا لب القضايا والمسائل الفلسفية المعقدة التي خاض العلماء والفلاسفة في ثناياها التجارب العديدة في اكثر الاحيان، سواء كان عن طريق الاهتمام بكيفية عمل المدارس الفكرية المختلفة التي شهدها التاريخ او التمازج بين التطور والمكشوف جديدا اعتمادا على الطريقة الصحيحة المثبتة علميا للبحث فيما يهم الفلسفة من كافة زواياها، ام الاكتفاء بما هو الحديث وما يبرز منه والتطور الذي اوضح ماهو الملموس من جوهر الحقائق امام المتامل والباحث لاسترشاد من تهمه الحقيقة ومستقبل البشرية .

هنا يبرز دور العالِم قبل العارف والزاهد، فيما تتصف به العالَم، وهو المستند على الدلائل الدامغة لكل موضوع او قضية لبيان النتيجة المطلوبة دون ترك الثغرات المحتملة، وعلى غير عادة العارف الذي يهتم بموضوع فكره وبحثه مستندا على المعرفة والخبرة المعيشية السطحية والخبرة العملية البسيطة، مهما تيقن من وجود الثغرات المحتملة والسلبيات البائنة في جوهر العملية التي يهتم بها، مهما كان الاختصاص العلمي هو المطلوب للخوض في مثل تلك المهمات . اما الزاهد الدنيوي الذي يضحي بطموحاته الشخصية وحياته من اجل ما يهم العالم والناس بشكل عام، وعلى غرار الزاهد الروحي مع الفرق في التفكير والعقلية، بينما يختلى هذا بنفسه دون ان يضع في باله ما يمس مصلحته الشخصية بشيء، فانه يعمل على اساس العلم والمعرفة والثقافة والخبرة والدلائل، بما يهم الحياة دون الاستناد على الاخرة وما التصقت بها من قبل الديانات والمذاهب وما تمارس من الطقوس الدينية في تلك المجالات، وما جريت عليها الهالات من اجل تاجيل معرفة الحقائق لمابعد الزمن وما وراء الطبيعة . فان الزاهد الدنيوي اي العالم العلمي الفلسفي الحقيقي، يعمل من اجل التقدم وتحقيق الاهداف الدنيوية البحتة، ومن اجل تحقيق وبناء الركائز الاساسية لرفاهية الانسان وسعادته الحياتية ومستقبله . فبهؤلاء الزهداء يمكن ان تشهد العالم التقدم وبخطوات رصينة قوية مزيحين امامهم من الخياليين غير العالمين بجوهر الحقائق، وهم غير معترفين بما يصرون عليه في افكارهم وتوجهاتهم واتباعهم للمناهج،من انهم ما يقدمون عليه هو تغطية جهلهم بامور خيالية بحتة مضادة للعلم والعلمانية مجارين الحقيقة العلمية للمفاهيم والمواضيع والامور، فالطريق امامهم موحشة،ويريدون استضاءتها بالتخيل والتشويه تعريف السراب على انه الحقيقة. بهؤلاء المعيقين للتطورتتم الدوران وتعيد نفسها في الحلقة المفرغة دون لمس ولو خطوة بسيطة من التقدم المنشود لحياة الانسان او تغييرا لعقليته نحو الاحسن من اية ناحية كانت، ويمتلك من العقلية فارضة عليه وعلى من على شاكلته البقاء في مساحة محدودة من التفكير والعيش ويتخيل بانه على اليقين ويخدع به نفسه ومن يؤمن به، مستندا على العرض الذي ليس له قيمة فعليه ومجانبا الجوهر . ولم يحظ المهتمون والملمون بما يتطرق اليه، وكما يعرفه هؤلاء بانه ويعلنونه على انه مجال والطريق الى السعادة الحقيقية، او بالاحرى مؤجلين السعادة ذاتها وما تتميز بها حياة الانسان السعيد ومن اياه الى الاخرة، ومحيرين الناس باشكال شتى .

لذا، لابدان نعلن ونحن متيقنين باننا نحتاج الى مرشد عقلاني مليء الجوهر واللب وهو رصين هاضم للدنيا وما فيها، ولم نجد تلك المثالية الا في عقولنا وتفكيرنا الحقيقي الصحيح المجرد من تراكمات التاريخ من المثالية، وخاصة في الشرق. وبجمع ما نكتشف ونعلم ونلمس وما يكتنزه الاخر المجاور المسالم المؤمن بالمباديء الاساسية لرفاه الانسان وبتفاعلنا، يمكن ان يتمخض عنه ما يؤدي الى نضوج الثمرة الجديدة الوليدة، والتي يمكنها ان تغير العالم خلال مرحلة أو فترة قصيرة،و هذا ما يعتمده العلماء الزهداء للتنقل والقفزة بالبشرية نحو مرحلة اخرى مخلفين ورائهم الجهل ومتمشين معهم المجتمعات البشرية الصالحة متجاوزين من يعرقلهم وكل ما من شانه ان يطمسهم في وحل المثالية الخيالية التي تعيق المسيرة منذ بزوغ فجر الفلسفة ولحد الان .

عندئذ، لم تبق هناك الثغرات الحياتية المتوقعة الا عوائق بسيطة امام تفاعل العلماء والافكار المطروحة، ويمكن ردمها ودفع البشرية نحو الطريق السهل للتقدم، وكل ذلك من اجل الرفاه والسعادة والخير للبشرية نفسها والتي خلق الانسان من اجلها ومن اجل ان يحظى بها، ويعيش بعيدا عن الخداع والتوهين والتنويم، وبعيدا عن الخيال والافعال والاقوال والتراكمات الزمنية التي ربما تتحول الى سدود، وهي ما يمكن ان تمنعه من معرفة الحقيقة الحياتية ولما يجب ان يكون فيه الانسان والكون والاحياء جميعا لفترة بسيطة الى ان تبدد كل المعرقلات بفعل الجهود والزمن والتطور الحياتي الحاصل في النهاية.

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد 2084 : الاحد 8 / 04 / 2012 )

 

في المثقف اليوم