أقلام حرة

الفقر في الوطن العربي / مهدي الصافي

واستعدلت قليلا في عهد الخليفة الامام علي ع، الا انها لم تكتمل لانها لم تجتث محور الشر والانحراف في بلاد الشام، حتى انهارت المنظومة القيمية للدين الاسلامي، في عهد الدولتين الاموية والعباسية، وبات السياف يقف عند بوابة الخليفة، يسمع بين الفينة والاخرى اقطع رأسه، او لسانه، او اسمل عينيه، او اصلبه على جذع نخلة(او دس له السم)،

هذا فضلا عن غياهب السجون، حتى استطاع السلاجة والمماليك ومرتزقة السلاطين، ان يسلموا وراثة هذه الدول العربية الى يد الوالي او السلطان العثماني(1299-1923)،

وهذا عبث بالاسلام والامة مالم يعبث به احد من قبل، ترك بلادنا بعد مرضه الخبيث، لقمة سائغة في فم الطوفان الاستعماري، وخلف لنا ثقافته البائسة التي ساهمت في ابقاء بعض ملامح الجاهلية الاولى بين القبائل العربية، تارة تتناحر فيما بينها وتارة اخرى تطرق ابواب الاستعمار،

طلبا لبعض الفتات من خراج بلادنا، وبعد ان اصبحنا قاب قوسين او ادنى من الاستقلال من براثن وشباك المستعمر، انعقدت احلاف المؤامرة، حددت الحدود وقطعت الطرق السالكة بين ابناء الدين والعرق الواحد، فصارت الجوازات الاجنبية هي صاحبة الامتياز في الدخول والخروج والعمل في بلاد البترودولار، وصار الانسان العربي منبوذا من هذه الدول، لايأخذ اذن الدخول الا بشق الانفس، وبعد وساطات وشروط واملاءات وكفالات قصتها طويلة وعريضة.

الفقر نوعين فقر الانسان (مايسمى في العرف العام رجل على قدر حالته)، اي فقر الشخصية والثقافة والطبيعة والبيئة القادم منها، وهذا الانسان لايستطيع ان يطالب بحقوقه العامة والخاصة، بل يصعب عليه حتى ان يكون له وجود في الحسابات العائلية، ويكون عرضة للغش والخداع ويسهل الاحتيال عليه، ويمكن ان تمارس عليه ثقافة غسيل الادمغة، فيكون اداة بيد الاخرين، قد لاتكون اداة تنفيذية لكنها تمتلك بعض عناصر القوة المضافة للجهة المستغلة(كما يحصل في الانتخابات الديمقراطية البرلمانية او مجالس البلديات او المحافظات او الاقاليم)، هذا النموذج لايمكن ان ترتفع سقوف مطاليبه لتصل اسماع المعنيين بالامر، وتجد ان بعض الحكام يفرحون بهذه النوعية من الشخصيات، وهي منتشرة في بلادنا، ولهذا اصبحت مثل هكذا شخصيات شبه معدومة في المجتمعات الغربية، بعد ان تربت اجيالها على ثقافة الحقوق والواجيات والحريات المصانة دستوريا(الدولة هناك تقف مع المواطن لا مع المسؤول عكس الثقافة الشرقية تماما)،

وهذه الثقافة تبدأ بمعالجتها الدول المتقدمة منذ نعومة اظفار اجيالها، في المدارس والشارع والمؤسسات الحكومية.

الشكل او النوع الاخر من الفقر هو العوز والفقر المادي، وهنا تكون ثقافة الحسد والحقد والكراهية وحب الانتقام، احدى الادوات السهلة التي يمكن ان تستغلها عناصر الفساد في تلك البيئات، بعض هذه الاسر تتعمد ان يكون ابنائها اكثر شراسه في التعامل مع ابناء الجيران، او حتى فيما بيهم داخل المنزل، يتعلمون ان القوي هو من يستطيع ان يحصل على مايريده،

ولذلك تكون الاحياء الفقيرة العشوائيات(او المسماة في العراق بالحواسم) اكثر الاحياء عنفا وقساوة، تكثر فيها المحرمات والسرقات والجرائم والعراك، هؤلاء او هذه البيئات الخطرة تكون بركان او قنبلة موقوته تزحف ببطئ على بقية الاحياء الراقية او المتوسطة المستوى، تخرج قوتها حسب ووفقا لقوة الدولة والاجهزة الامنية والقضائية، ولذلك تعتبر العشوائيات في الولايات المتحدة الامريكية واحدة من اعقد المشاكل الاجتماعية هناك، وتعد مصدرا من مصادر العنف والجريمة المنظمة والفردية في تلك الدولة العملاقة اقتصاديا(سابقا).

تنتشر هذه الاشكال الغير محبذة اجتماعيا في معظم البلدان العربية، واسبابها عديدة منها الاستأثار بالثروة الذي حصل بتزاوج المصالح بين اسر بعض بلدان البترودولار وبين الاستعمار الاجنبي والامبريالية العالمية(اسرة ال سعود منذ 1750-اسرة ال ثاني في قطر 1850-واسرة ال نهيان ابو ظبي 1781-وال مكتوم في دبي-وال القاسمي 1803 في الشارقة ورأس الخيمة-واسرة ال خليفة في البحرين 1786-واسرة ال الصباح في الكويت 1786-كما انتهت اسر حاكمة في العراق الاسرة الهاشمية -1958-1921، وبقيت الاردن، وانتهت اسرة حميد الدين في اليمن 1962-وانتهت فترة حكم اسرة محم علي باشا في مصر1804-1952)

المهم في كل هذا هو الشعار الذي رفع ابان ثورات الاستقلال العربي في منتصف القرن الماضي (نفط العرب للعرب)، بالفعل تقع على عاتق الدول العربية الغنية مسؤولية اخلاقية ودينية وتاريخية لدعم البلدان العربية الفقيرة(فلسطين-مصر-اليمن-سوريا- لبنان-، الصومال-مورتانيا الخ)،

اليس غريبا ان الدولتين الاموية والعباسية كانت تشرف على خراج هذه الدول جميعا، ثم يخرج الينا مذهب منحرف عن الخط الاسلامي الاصيل (المذهب الوهابي الخوارج الجدد)يتحالف مع بعض الاسر الخليجية لتجويع بقية البلدان العربية، فقد سكت وعاظ السلاطين عن المليارات المهدورة في صالات اللهو واللعب والدعارة والقمار،

بينما يعاني ابناء الامة الاسلامية والعربية العوز والحاجة، تمتلأ شوارع مدنهم بالفقراء والشحاذين والمعاقين،

كيف وقد حوت كتبهم قصص عن حملات الخليفة الاول ابو بكر رض في حروب الردة كما يطلقون عليها، وكيف كانت ثورته وغضبه على هؤلاء القوم(لمجرد امتناع القوم عن دفع الزكاة لهم وقد اشتبه الامر على الاثنين)، كيف يسكت وعاظ السلاطين عن هذه الاموال المهدورة(حتى ان احد فراعنتهم الملعون يقول واذا اخذت رشوة من ميزانية دولتي في احدى صفقات السلاح، من يحق له ان يحسابني، بالطبع لا احد، ولكن الله يمهل ولايهمل السلاطين الجبابرة)،

كانوا يزعمون انهم يقدمون الدعم للمجاهدين الافغان واتضح انهم يخدمون المشروع الامريكي في المنطقة، قالو انهم يريدون تحرير الكويت من الاحتلال العراقي 1991 لكنهم اشتركوا مع الامم المتحدة في فرض الحصار الاقتصادي على الشعب العراقي،

اليوم قلبوا صورة الامس عندما وقفوا مع الطواغيت في تونس ومصر والبحرين واليمن، فصار حراكهم الحثيث على بلدان الثورات الربيعية، فتحت خزائنهم للحركات السلفية (الوريث الشرعي للقاعدة) لتدمير مستقبل هذه الدول، واعادتها الى عهود الجهل والظلام، تتصاعد حميتهم وتفور بالغيرة عند الحدود السورية (لانها تمثل محور التحدي بوجه الاستعمار والاحتلال الاسرائيلي الامريكي)، ولا يستيقض الضمير في بلدانهم او في البحرين الجريح.

ان فقراء الوطن العربي كلهم مدعون لشن حملة عربية شاملة لانقاذ انفسهم وابناءهم ومجتمعهم ودولهم من حدود ماتحت خط الفقر، وعليهم ايضا مواجهة وعاظ السلاطين المقيمين في هذه الدول،

 المرفهين بعطايا الامراء وبركات هداياهم، وان يستخدموا الحج الشرعية لمواجهة التيارات السلفية المدعومة خليجيا لابطال حججهم الضالة،

فمن حق المواطن العربي ان يتسائل عن ثروة اجداده وتراثهم الكبير، لماذا مصر التاريخ والحضارة، شعبها يعاني الفقر والحرمان، وامراء البترول اسخياء مع الاجانب، ومع انحرافاتهم!

علينا ان نبتعد جميعا عن الفتنة الطائفية المستعرة في المنطقة، والتي استخدمت كوسيلة مؤثرة، لابعاد شبح الثورة عن بعض البلدان المتهرئة الشائخة والمنتهية صلاحيتها، فقد اصبحت الانظمة الشمولية والوراثية خارج الزمن والعصر والحياة.

وانا اطالع وثيقة الامان التي اعطاها وكتبها نبي الرحمة محمد ص للسامريون، اجد فرقا شاسعا بين فقه التكفير وواستباحة الدم والعرض وبين تلك الاخلاق السماوية السمحاء،

ولنا ولكم عبرة في خطبة ابي حمزة الشاري في خطبته حين دخل المدينة(وهو محسوب على الفرقة الاباظية ولكن يستشهد بحديثه في وصف بني امية)، اخترنا مقاطع منها، يقال لما دخل أبو حمزة المدينة سنة 130 رقي المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال يأهل المدينة سألناكم عن ولاتكم هؤلاء فأسأتم لعمر الله فيهم القول قلتم والله ما فيهم الذي يعلم، أخذوا المال من غير حله، فوضعوه في غير حقه، وجاروا في الحكم فحكموا بغير ما أنزل الله، واستأثروا بفيئنا فجعلوه دولة بين الأغنياء منهم وجعلوا مقاسمنا وحقوقنا في مهور النساء وفروج الإماء، فقلنا لكم تعالوا نحن وأنتم إلى هؤلاء الذين ظلمونا وظلموكم وجاروا في الحكم، فحكموا بغير ما أنزل الله نناشدهم الله أن يتنحوا عنا وعنكم ليختار المسلمون لأنفسهم فقلتم لا يفعلون، فقلنا لكم تعالوا نحن وأنتم نقاتلهم فإن نظهر نحن وأنتم نأت بمن يقيم فينا وفيكم كتاب الله وسنة نبيه محمد، فقلتم لا نقوى على ذلك فقلنا لكم فخلوا بيننا وبينهم فإن نظفر نعدل في أحكامكم، ونحملكم على سنة نبيكم، ونقسم فيئكم بينكم، فأبيتم وقاتلتمونا دونهم فقاتلناكم وقتلناهم فأبعدكم الله وأسحقكم

يأهل المدينة مررت بكم في زمن الأحول هشام بن عبد الملك، وقد أصابتكم عاهة بثماركم، وكتبتم إليه تسألونه أن يضع خراجكم عنكم، فكتب إليكم بوضعه عن قوم من ذوي اليسار منكم، فزاد الغني غنى، وزاد الفقير فقرا، فقلتم جزاك الله خيرا فلا جزاكم الله خيرا ولا جزاه خيرا

ثم ولي من بعده(يقصد من بعد الخليفة عمر رض) الخليفة عثمان بن عفان، فسار ست سنين بسيرة صاحبيه، وكان دونهما، ثم سار في الست الأواخر بما أحبط به الأوائل، واضطرب حبل الدين بعدها، فطلبها كل امرئ

ثم ولي معاوية بن أبي سفيان لعين رسول الله وابن لعينه وجلف من الأعراب، وبقية من الأحزاب، مؤلف طليق، فسفك الدم الحرام واتخذ عباد الله خولا، ومال الله دولا، وبغى دينه عوجا ودغلا، وأحل الفرج الحرام وعمل بما يشتهيه حتى مضى لسبيله فالعنوه لعنه الله

 ثم ولي بعده ابنه يزيد يزيد الخمور ويزيد الصقور ويزيد الفهود ويزيد الصيود ويزيد القرودالفاسق في بطنه المأبون في فرجه

 فخالف القرآن واتبع الكهان ونادم القرد، وعمل بما يشتهيه حتى مضى على ذلك لعنه الله، وفعل به وفعل، ثم ولي مروان بن الحكم، طريد لعين رسول الله وآله وابن لعينه، فاسق في بطنه وفرجه فالعنوه والعنوا أباءه.

ثم تداولها بنو مروان بعده أهل بيت اللعنة طرداء رسول الله وآله وقوم من الطلقاء ليسوا من المهاجرين والأنصار ولا التابعين بإحسان، فأكلوا مال الله أكلا ولعبوا بدين الله لعبا، واتخذوا عباد الله عبيدا، يورث ذلك الأكبر منهم الأصغر فيا لها،

 أمة ما أضيعها وأضعفها والحمد لله رب العالمين، ثم مضوا على ذلك من سيئ أعمالهم واستخفافهم بكتاب الله تعالى، قد نبذوه وراء ظهورهم لعنهم الله فالعنوهم كما يستحقون(الاصفهاني كتاب الاغاني).

 

مهدي الصافي 


 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2085 الأثنين 09 / 04 / 2012)

في المثقف اليوم