أقلام حرة

قبلة رئيس الوزراء المغربي تثير جدلا / حميد طولست

وهو يقبل زوجة السفير الأمريكي بالمغرب، عند افتتاحه معرض الطيران بمراكش، أنظر الفيديو عبر الرابط:

 http://www.youtube.com/watch?v=YUu39ThNiUk&;feature=player_embedded#!

هذه اللقطات العادية جدا، وهذا التصرف الحضاري جدا، أثار جدلا حادا وردود افعال متباينة بين عشرات الآلاف من الذين شاهدوه عبر الأنترنيت ، والتي تفاوتت ما بين انتقاد السيد رئيس الحكومة بسبب عدم اعتراضه على قبلة امرأة أجنبية، وهو الذي كان أيام الدعوة يحث الإخوان والأخوات، ويوصيهم بتقوى الله وعدم المصافحة بالأيدي، وها اليوم يقبّل وأمام العرب والعجم،.. وما بين الدعابة والتفكه، حيث تساءل أحد الظرفاء متسائلين كيف كان يمكن أن يتصرف أي مسؤول رفيع في مثل تلك الحالة وذلك الظرف؟ ووهل كان سيجاري السيدة حرم السفير، أم كان سيصدها، وإذا قرر مجاراتها، فما نوعية القبلة التي سيستعمل؟؟ لأن القُبل كثير الأنواع ولكل واحدة معنى معين وأثر مختلف عن غيرها من القبلة الأخرى، ولكل امرئ ما ينوي منها لأنه متنوعة جدا، لكنها تنتمي كلها- لغويا -إلى دائرة مفردات: بَوْس، لَثْم، مثاغمة، مكامعة، مفاغمة، رشْف، مص، وظَلْم إلخ... وفي شروحها الكثيرة ما يفيد اختلافها باختلاف مناسباتها وكيفياتها: فهي لذة تتسم غالبا بالارتياح والأنس، والإحساس بالرقة والنعومة، الذي قد تمتزج بالشوق المتأجج، بلذة المداعبة، والمغازلة، والعنف المقبول بما فيه من عض ومص؛ وما أظن أن قبلة رئيس حكومتنا المحترم لزوجة السفير الأمريكي المحترمة، واحدة من هذه الأنواع، لأنه لم يصاحبها عناق للقد وعصْر للنهد، ولمْس للجيد وعض للخد، ولم يكن القصد منها غير المجاملة الديبلوماسية التي لا تخرج عن حدود اللباقة المتعارف عليها دوليا، ولأن نية المقبل لم تكن إلا سليمة مسالمة، كقبلته المنزهة عن العواطف الجياشة، وتبادل الإعجاب والحنان والرقة وتطيل الحميمية، كما قال عمر بن أبي ربيعة:

>لو سُقِيَ الأمواتُ ريقَتَها بعد كأس الموت لانتشروا<

أو كما قال يزيد بن معاوية:

>وجرَّعتْنـي بِريـقٍ مـن مَراشِفِـها فعادتِ الروحُ بَعد الموتِ في جسدي<

 بل كانت قبلة ديبلوماسية ، بعيدة كل البعد عن اللذات النسبية و التهويمات الخيالية، التي تمنحها القبل، من قبيل التودد والتذلل والرضا والخضوع وباقي الأحاسيس الرومانسية التي يسعى للظفر بها المتيمون ممن يعشقون في غياب الرقباء، كما في قول الشاعر العربي:

>ظفرتُ بقبلةٍ منه اختلاساً وكنت من الرقيب على حذار<

>ألذ من الصبوح على غمامٍ ومن برد النسيم على خُمار<

أو قول أبو الحسن العلوي الهمداني حين أنشد قائلا:

>أقبله على جزع كشرب الطائر الفزع<

>رأى ماء فأطمعه وخاف عواقب الطمع<

>وصادف فرصة فدنا ولم يلتذ بالجرع<

 وذلك لأنه لا الظرف ولا الزمان ولا المكان ولا حتى مكان طبع القبلة، لم تكن تسمح بذلك النوع من القبل التي قال فيها ابن هانيء الأندلسي:

>والله لولا أن يعنِّفني الهوى ويقولَ بعضُ العاذلين:تصابى<

>لكسرتُ دملجَها بضيق عناقها ورشفت مِن فيها البَرود رُضابا<

وغير ذلك من الشواهد على أنواع القبل التي يحفل بها التراث العربي والتي من خلالها نكتشف جوانب من العلاقات المجتمعية الحميمية  في فترة من الفترات، كقول الشاعر:

>قبلت فاهاً على خوف مخالسةً كقابس النار لم يشعر من العجل<

>ماذا على رصَد في الدار لو غفلوا عني فقبلتها عشراً علىمهل<

>غضّي جفونك عني وانظري أمماً فإنما افتضح العشاق بالمقل<.

وقد علق بعض أصحاب الأدمِغة البَليدة والحَميّة الغَبيّة الفارِغةِ عن جهل أو عن قصد، بأن رئيس حكومتنا قد أذنب بقبلته تلك في مكان وزمان يُفترض فيهما الحرمة، وذلك لأن القبلة عندهم، تنقض الوضوء وتجرح الصوم...

 

 

حميد طولست

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2088 الخميس 12 / 04 / 2012)


في المثقف اليوم