أقلام حرة

قلم مكسـور / إيناس نجلاوي

دفع أحدهم كتابا إلى جحا ليقرأه، فعسرت عليه قراءته ولم يعرف ما فيه. فأراد جحا أن يتخلص من المأزق، فسأل الرجل: من أين جاءك هذا الكتاب؟ فقال الرجل: من مدينة حمص السورية. فرد جحا:  ومن قال لك أني اعرف القراءة بالحمصي؟ّ!!

لسان حال قادة العرب و نبيل العربي أمين عام الجامعة العربيةـ يردد: ومن قال أننا نعرف القراءة بالحمصي، ومن قال أننا نستطيع إدراك السبب الذي يدفع شبابا و شيوخا للمخاطرة بأرواحهم ومواجهة ترسانة عسكرية، عمياء لا تفرق بين رضيع وكهل، بصدور عارية؟ للخروج من المأزق، قرر أمين الجامعة إرسال بعثة مراقبين إلى سوريا بغية معاينة الأوضاع. وكان الأجدر به تقديم استقالته تعبيرا عن عجز جامعته المفرقة و اعتراضا على لا حراك العرب.

بعد أشهر من تبادل رسائل بين العرب وحكومة سوريا مختومة بدماء السوريين، وبعد جدال دام لأزيد من 7أسابيع بين الموافقة بامتعاض على المبادرة العربية ورفض التوقيع على البرتوكول، انتهى الأمر بإرسال حفنة أشخاص لمراقبة صناعة الموت بالة الحرب الصهيونية، عفوا السورية. وهكذا غسل العربان أيديهم من دم سوريا التي تنزف منذ 10أشهر في ظل صمت الخرفان وشلل إخوة الدم والدين.

لماذا يرسل الأمين العام بعثة استطلاع رغم أن بإمكانه تحري الحقيقة من مكتبه أو حتى غرفة نومه بمجرد الضغط على جهاز التلفاز لرؤية الأهوال والمجازر في قرى وبلدات سوريا صوتا وصورة؟ وأي دور سيؤديه المراقبون وهم محتجزون في فندقهم، يشرف على تنقلاتهم فريق الأسد ـالمتسبب في هذه الكارثةـ. ويصطحبهم بعد تنظيف مكان الجريمة ونقل الجثث المترامية والأشلاء المبعثرة، لتأدية صلاة الجنازة على توابيت قد تكون فارغة...

تم استقبال بعثة المراقبين بتفجيرين انتحاريين، صبيحة جمعة 23 ديسمبر، على شاكلة ما يحدث في العراق. قيل أن التفجير استهدف بنايتان للمخابرات السورية، ولم يسجل ضحايا سوى من المدنيين ممن يعتقد أنهم سكان الحي (لان الدفن تم بسرعة دون التأكد من هوياتهم و أغلق الملف بعد 50 دقيقة من التحقيق، رغم أن تحقيقا آخر مازال يجري منذ 9أشهر لكشف أبعاد المؤامرة الخارجية و "المندثين" و"العناثر" الإرهابية "المذعذة" لـ"اثتقرار" الوطن).

بالعودة إلى حادث الانفجار، فـ?ن فروع أمن الدولة سالمة كما يحدث دوما في كافة الأقطار العربية المخابراتية. ذكرني هذا الحادث الهزلي بتفجير مطعم الأكاديمية العسكرية في شرشال! وما تم تصويره على انه ضرب للمخابرات السورية من طرف "القاعدة" المتسللة من لبنان!، لم يقض فيه سوى العزل المدنيون وربما صغار المجندين الذين لا تساوي أرواحهم ثمنا في ميزان الطغاة.

وكالعادة "ابحث عن المخابرات" التي نجحت في شغل الإعلام وهيئة المراقبين بمسرحية تفجير فرعي امن، لتمكين الشبيحة من قمع مظاهرات الجمعة المستقبلة للبعثة، و التغطية على إبادة قوات الجيش الإرهابي لحي بابا عمرو. تماما كما حدث في مصر؛ الانشغال بسحل فتاة "منقبة" خرجت "تتظاهر" في شارع محمد محمود (الذي كان يشهد حرب كر وفر بين المعتصمين ورجال الجيش)، وهي لا ترتدي سوى حمالة صدر مثيرة. انقلبت الدنيا رأسا على عقب وتعالى صراخ منظمات "حقوق الإنسان" لأجل فتاة من 6 ابريل لاهثة وراء الشهرة، وخرجت حرائر مصر دفاعا عن شرف المرأة المصرية المسحول. وبفضل هذه الفرقعة الإعلامية تمت التغطية على مصيبة حرق المجمع المصري وإهدار كنز مصر وتراث الإنسانية جمعاء...

في رد لوليد المعلم عن احتمال تعرض البعثة لهجوم مسلح، قال "إن هذا لا يسبب حرجا، هذا يعطي مصداقية للسلطات السورية بوجود عناصر إرهابية، وان اضطررنا لمحاربتهم سوف نحاربهم"!! وكأن أعضاء البعثة تحولوا إلى رهائن عند نظام الأسد، فلا يفهم من هذا التصريح لوزير الخارجية سوى تهديد مبطن لفريق الجامعة بأن عليهم التزام الفندق وانتظار تصريح السلطات لإجراء جولات استطلاعية في المناطق التي تحددها مخابرات الأسد المستأسد على قومه العزل. فالبعثة تقضي في مكاتب المحافظين وقتا أطول من ذلك التي تقضيه في الشوارع للتفرج على الأموات، كما أنها تصطحب عناصر الأمن حين الاستماع لشهادات الناجين من الموت وأسر الضحايا، وبالتالي يمتنعون عن الشهادة خوفا من بطش وانتقام المخابرات الجوية.

وصول البعثة العربية لم يكن سوى نكبة على السوريين، فمنذ دخولهم اشتدت همجية فرق الموت وأصبح القتل بالمئات يوميا، هذا فضلا عن قذائف الهاون التي تدك أحياء كاملة وتسويها بالأرض. فعوض إشاعة الطمأنينة، تسارعت وتيرة القتل في سوريا. وكل ما تم لحد الآن تمثل في نفي مسؤول في غرفة عمليات بعثة المراقبين انتماء (مستشار محجوب) للبعثة وصلته بالجامعة، وذلك عقب تصريحه لوسائل الإعلام بأن ما يحدث في حمص إبادة جماعية وانتقام نظام من شعبه.

وقد تم إمهال المراقبين مدة أسبوع -يجوز تمديدها- للتجول على جثث الشهداء قبل رفع أولى تقاريرهم إلى أمين عام جامعة الدول "العربية". في تلك الأثناء، يجلس نبيل العربي على كرسيه الأثير في مكتب الجامعة بانتظار أن ينقل له مبعوثوه إن تم بالفعل إخلاء سوريا شبرا شبرا و زنقة زنقة من مظاهر التسلح الحربي. أليس بإمكان العربي أن يشاهد عبر أجهزة الإعلام القذائف المدفعية والدبابات تهدم مئاذن الجوامع وتسقط العمارات؟ ألا يرى كتائب الأسد والشبيحة يجوبون شوارع خلت من سكانها؟ ألم يتابع العربي مجزرة بابا عمرو المستمرة منذ أربعة أيام؟

ليس نبيل العربي وحده من يعيش على سطح المريخ، بل أيضا برهان غليون ومجلسه الانتقالي الذي يبدو أنه لا تصله صيحات الموت وآهات العذاب المنطلقة من سوريا. يجلس هانئا في فرنسا، يرقب عن بعد أن يحسم الثوار الأمر أو ينجح الأسد في تصفيتهم. ويلتقي بين الفينة والأخرى الصهيوني برنارد ليفي –المشرف على مخطط التقسيم الثاني للعالم العربي.

الكل يتماطل ويماطل، فـدم السّنة حلال سفكه والكل يتاجر به. وإلا فلماذا كل هذا الانتظار وإمهال الأسد كل هذه الأشهر في انتظار دحر حمص وحماة وكل المناطق الثائرة؟ كان جليا قبل بدأ تحرك الشارع السوري أن بشار لن يُسّلِّم، و ماض حتى النهاية. كان كل شيء واضحا منذ أن انصرف العالم إلى تنحي مبارك وسقوط الأمن المركزي المصري؛ الأمر الذي سهّل على سفينة حربية إيرانية اختراق قناة السويس و الوصول إلى سوريا لإمداد جيش الإرهاب السوري بترسانة أسلحة تحسبا لانتقال عدوى المظاهرات إلى سوريا وبالتالي شن حرب إبادة ضد المحتجين.

منذ ذلك الوقت وبشار يستعد ويمني نفسه بالنجاح في قمع الاحتجاجات –المحتملة الوقوع- المناوئة لحكمه كما نجح أبوه خلال الثمانينات. فلماذا التريث إذا ومنح المهلة تلو الأخرى؟

بإمكان الأزمة –بالأحرى المأساة- أن تنتهي في عقر بيت العرب دون الحاجة للتلويح بورقة التدويل والحماية الدولية لأن دول الناتو أساسا لن تتدخل في ارض غير بترولية، ومجلس الأمن لن يفوض تدخل قوات على حدود متاخمة لفلسطين دون موافقة الكيان الصهيوني الغاصب.

ألا يعتبر حماية الأمن القومي العربي وخير البلاد العربية قاطبة أهم الدوافع التي قامت لأجلها الجامعة العربية؟ أليست معاهدة الدفاع العربي المشترك (1950) هي الوثيقة المكملة لميثاق الجامعة؟ فبأي منطق لا يتم تفعيلها؟

جاء في معاهدة الدفاع المشترك ما يلي: "تعد المادة الثالثة من المعاهدة أهم موادها العسكرية وتنص على أن الدول المتعاقدة تتشاور فيما بينها، بناء على طلب إحداها كلما هددت سلامة أراضي أية واحدة منها أو استقلالها أو أمنها. وفي حالة خطر حرب داهم أو قيام حالة دولية مفاجئة يخشى خطرها، تبادر الدول المتعاقدة على الفور إلى توحيد خططها ومساعيها في اتخاذ التدابير الوقائية والدفاعية التي يقتضيها الموقف."

والأجهزة الرئيسية التي أنشئت بموجب معاهدة الدفاع المشترك هي: مجلس الدفاع المشترك المؤلف من وزراء الخارجية و وزراء دفاع الدول أو من ينوب عنهم، والهيئة الاستشارية العسكرية التي تتكون من رؤساء أركان الجيوش العربية واللجنة العسكرية الدائمة التي تختص بتنظيم خطط الدفاع المشترك بين دول الجامعة.

وبالحديث عن "الربيع العربي"، لماذا لا تقترح الدول "المحررة" التي قامت بها "الثورات" العمل بالمعاهدة إن كانت ثوراتها وتغييراتها جدية، ولماذا لا تدعو لتفعيل قيادة عربية مشتركة وإنشاء مؤسسة عسكرية للدفاع العربي المشترك، كتلك التي أعقبت النكسة وتم إجهاضها بحلول عام1970؟ وهذا عوضا عن حصر مسؤولية قوات كل دولة عربية في حدودها السياسية الضيقة. لولا هذه المركزية الرعناء والقطرية الأنانية، لما كانت الشعوب العربية بحاجة إلى مجلس الأمن وقوات حماية خارجية. لو تم تفعيل الميثاق لتدخلت القوات العربية لاقتلاع الأسد من عرينه وتقديمه أمام محكمة عدل عربية –مع كافة الطغاة من العسكر و الساسة- خصوصا و أن قانون الجامعة يجيز- بموافقة ثلثي الدول الأعضاء- إنشاء محكمة عدل عربية تغنينا عن محكمة العدل الدولية في لاهاي. ولكن لمن تقرأ زابورك يا داوود؟!

تبا لصمت الخرفان و اللعنة على شعوب عربية لا تتحرك إلا لتنفيذ أجندات الغرب وتدمير أوطانها. سحقا لحكام لا يمتون للعروبة بصلة ولا يفهمون لا بالإشارة ولا بالمظاهرات. اللعنة على الأمين العام الأعمى البصيرة وغير الأمين على مصير العرب. و الويل لبشار الذي طغى و تجبر، ولا رادع لجبروته سوى الله.

لك الله يا سوريا...

 

بقلم: إيناس نجلاوي – خنشلة

أستاذة جامعية بجامعة تبسة- الجزائر

 

.....................

(ملاحظة: كتب هذا المقال قبيل وصول البعثة العربية الأولى إلى دمشق)

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2088 الخميس 12 / 04 / 2012)

في المثقف اليوم