أقلام حرة

بعد عام من الخراب .. الفوضى ليست خلاقة .. ولعن الله من أيقظها / إيناس نجلاوي

و كبيرهم سنا ليقص عليهم حلما قض مضجعه بأن الإنسان هو سبب شقاء وعبودية الحيوانات ا??ين يجب أن يتولوا زمام مصيرهم عن طريق الإطاحة بالإنسان في تمرد كبير. ثم مات الحكيم لكن حلمه لم يواري التراب، تماما كما كان موت الشاب المعدم محمد بوعزيزي سبب انفجار ثورة تونس.

وبالمثل بلغ الجوع بالحيوانات حد أنها تجرأت على اقتحام مخازن ا???اء والتصدي لسياط أعوان الإنسان و انتهت الانتفاضة إلى طرد الإنسان وتقلد الحيوانات زمام أمورها. وتم وضع وصايا لتكون أساس حكم "الحيوانية" وتتلخص في أن كل الحيوانات سواسية وانه يحرم على الحيوانات التشبه بالإنسان أو تقليده.

ولان العدالة الاجتماعية ضرب من الخيال و التاريخ لا ينفك يكرر نفسه، فقد تم الانقلاب على مبادئ الثورة واستأثرت الخنازير بالحكم على اعتبار أنها أذكى مخلوقات المزرعة و الأقدر على قيادة القطيع. فتقلد الخنزير نابليون زمام السلطة و استهل عهدته بالانقلاب على رفاق الكفاح (تماما كما فعل صدام) ثم ا?? سرا يتحالف مع الجنس البشري و يبيعه محصول المزرعة في حين أن الحيوانات عادت لتتضور جوعا- بل اشد مما كانت عليه قبل الثورة.

وبمرور الوقت أصيب نابليون بجنون السلطة كأي حاكم وشرع في سلسلة حملات تطهيرية ??بح عشرات الحيوانات الأليفة لإرساء سياسة الرعب. بعد ?لك لم يعد يجد حرجا في مصادقة الإنس علانية وتضوير الحيوانات جوعا و إنهاكهم في أعمال المزرعة ليضمن عدم تكرار انتفاضة كالتي أتت به لسدة الحكم. و يتغير شعار المزرعة إلى أن كل الحيوانات سواسية "لكن بعض الحيوانات أشد أهمية من سائر الحيوانات". وتنتهي القصة بانتهاك كلي لمبادئ الحيوانية فيرتدي نابليون و أعوانه ثياب البشر و يتعلمون المشي على قدمين حتى أصبحت بقية الحيوانات عاجزة عن التمييز بين الخنازير الحاكمة وبين البشر!

هل حصلت تونس على ديمقراطيتها برحيل بن علي أم تحولت إلى عراق/خراب جديد؟ لقد ضربت السياحة، شلت الحياة العامة، انتشر ا??عر في الأحياء ولم تعد البيوت آمنة وسقط مئات البوعزيزيين ولم ولن تتشكل حكومة ترضي كل التونسيين وسيزداد فقرهم و بؤسهم.

ما حدث في تونس ويحدث في مصر و الأردن وسيصل الجزائر ليس انتفاضة شعبية كما تروج له الجزيرة و صحفنا الموقرة. ??ه الفوضى ا?تي ضربت الوطن العربي دون سابق إنذار ما هي إلا تطبيق لما أعلنته كونداليزا رايس سنة2005  و سمي ?الفوضى الخلاقة وهي تهدف إلى خلق فوضى و انتفاضة تبدو "شعبية" بغية الإصلاح. لكن هدفها الخفي -وفق الاجندا الأمريكية- هو خلق شرق أوسط وشمال إفريقيا جديدين. و ها قد دخلت الخطة حيز ا?????? قبيل انتهاء عهدة أوباما وتمهيدا لعودة المحافظين الجدد الصهاينة إلى المكتب البيضاوي في واشنطن.

حكامنا يكتمون على أنفاسنا ??? عشرات السنين، فلما?ا "استيقظت" الشعوب من سباتها في ??ه الفترة با??ات؟ الم يدركوا قبل الآن بأنهم خاضعون للقهر و الاستبداد؟ وهل أصبحت ??ه الثورة المسماة شعبية عدوى -اخطر من أنفلونزا الطيور- تنتقل في لمح البصر من شوارع تونس إلى القاهرة و غيرها من عواصم العرب؟

أكاد اجزم أني أول المؤمنين بنظرية المؤامرة وبان كل كارثة عربية هي من تدبير صهيوني. ولو أن ??ا التغيير الراديكالي لا يصب في مصلحة بني صهيون، لقامت أمريكا بتحريك مجلس اللأمن و قوات الناتو لحماية الشرعية في تونس! أما و أن تبارك أمريكا إرادة الشعوب العربية، ???ا يدعو للريبة ويثير الشك... هناك نظرية-ابتدعتها- تقضي بأنك إذا أردت الوصول إلى بواطن الأمور فعليك إسقاط ما يجري على القدس. لأول مرة تعترف "سلطة الآثار!! الصهيونية" –في2011جانفي25 - ?????? 23 حفرية تحت المسجد الأقصى ?اته وليس حوله.

ليعلم العرب "الثائرون" ??ه الأيام بأن سقوط أقدس أقداسنا الأقصى المبارك وشيك وأن اختفاءه عن سطح ارض فلسطين الطاهرة مسألة أشهر معدودات، و??لك يقوم الكيان الصهيوني بتصدير الأزمة عن طريق خلق بؤر توتر على امتداد العالم العربي و تسريب وثائق-لا أعتبرها سرية- لقناة الجزيرة عن عمالة السلطة الفلسطينية –وهو أمر لا نشكك في صدقه- وتآمرها على حماس المجاهدة. و???ا ينشغل الرأي العام العالمي و تبتعد الأنظار عن جريمة الصهاينة الموشكة الوقوع إلى أن يستيقظ العرب المغيبون يوما على حطام الحرم الإبراهيمي و تهويد القدس إلى الأبد. ساعتها على علماء الإسلام تشريع الانتحار الجماعي و تحليل حرق الأنفس فجعا على قدس الأقداس ا??ي ضيعناه و طمسنا آثره بجهلنا و غفلتنا.

أنا على قناعة مطلقة بشلل العرب الكلي و عجزهم عن التغيير، أما ما يجري على الساحة ??ه الأيام فهو حق أريد به باطل و شر يبدو أن لا راد له. فكل ما يحدث هو تدبير صهيوني ????ه خونة مأجورون يندسون بين الشعب المغلوب على أمره لتضليله لأنه لا يمكن لأي مصري حر أن ينهب المتحف الوطني و يدمر آثارا تحدت الزمن و أبهرت البشرية جمعاء.

على شعوبنا العربية التوقف عن فتح أفواهها مندهشة في كل مرة تسمع فيها عن "انتفاضة شارع عربي"، فما ???ا يكون الاحتجاج على الفقر و الفساد الإداري. إن إسقاط البلاد في هوة فراغ سياسي سحيق لن يؤدي إلا إلى استفحال الفقر و إرهاب المواطن، ??ا على الصحف ممارسة رقابة أخلاقية على ما تنشره حتى لا تساعد في نشر الفوضى وعلى مثقفي الوطن التجند لتوعية شباب الجزائر كي لا ينساق وراء "التنسيقية الوطنية! للديمقراطية والتغيير" التي أعلنت عن تحديد12 فيفري 2011 موعدا لمسيرة زعزعة و إسقاط الجزائر، فالمجرمون و عملاء صهيون المنثورون في كل بلاد العرب كالغبار سوف يندسون ليحولوا المسيرات السلمية إلى انقلابات على امن و سلامة الشعب كما حصل في تونس و مصر.

لا يمكن للفوضى أن تكون خلاقة بل هي فتنة لعن الله من أيقظها، أما المصطلح الميثولوجي "ديمقراطية" فهو ليس إلا بدعة أمريكية كبدعة ويكيليكس بغية إرباك العالم و تمرير المشروع الصهيوأمريكي القاضي بجعل كل بلد عربي مجسما لعراق ما بعد "التحرير"؛ عراق اللاستقرار و الحدود المفتوحة و فيضانات الدم.

عجبا لك يا زمن! فرغم كل فروض الولاء و قرابين التضحيات العربية التي قدمها حكامنا الميامين للبيت الأبيض، ها هي الحكومة الماسونية الخفية تستغني عن خدماتهم و تجيز طردهم من ديارهم استعدادا لطرح بيادق شطرنج جديدة على الساحة العربية و تشكيل حكومات أكثر عمالة و ميكيافلية –كحكومة جنوب السودان- التي جعلت أهم بنود مشروعها الحكومي الاعتراف بيهودية فلسطين وفتح سفارة للصهاينة. ??ه المرحلة الجديدة تستدعي خريطة عربية سياسية جديدة و ووجوها جديدة لا تطبع تحت الطاولة –كأسلافها- بل تجاهر بالخيانة و ?بح فلسطين و تمهد لإسرائيل الموعودة من الماء إلى الماء.

أيها العرب، ??وا  العبرة مما جرى لحديقة الحيوان و كيف تحول ثوارها إلى مستبدين اشد فتكا من الإنسان. و يا أيها الجزائريون، اعلموا أن تلك الفوضى الخلاقة هي في واقع الأمر مدروسة وقد جربناها من قبل و ما زلنا نكتوي بنارها. فقد طبقها خالد نزار في السابق من خلال تمرير السلطة لجبهة الإنقاذ ومن ثم ضربها و فرض الكل الأمني و الانقلاب على الشعب. دعونا لا نكرر الماضي و نتجنب عشرية دم ثانية، فحكوماتنا استوعبت الدرس و لا سبيل أمامها إلا الإصلاح. دعونا لا نحول شوارعنا إلى ساحات قتال بين المواطنين و الشرطة ولا نجعل الوطن مرتعا للمجرمين و أصحاب الأجندات الخاصة. و لنلتفت إلى القدس؛ قبلتنا الأولى و قضيتنا الأم. دعونا لا نطلق العنان لحيوانيتنا و نحفظ أوطاننا.

يا معشر العرب، إن أساسات الحرم الإبراهيمي الشريف على مشارف الانهيار ونحن منشغلون بالتلاعب بأوطاننا و إسقاط حكوماتنا... و آخر القول: اللهم نجي القدس من كيد اليهود و أحفظ أوطاننا من شر نفوسنا.

 

بقلم: إيناس نجلاوي - خنشلة

 أستاذة بجامعة تبسة- الجزائر


....................

(ملاحظة: هذا المقال كتب في جانفي 2011 فيما عرف وقتها بثورة البوعزيزي وقبل أن يمتد الخراب إلى مصر وبقية الأقطار العربية الأخرى)

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2089 الجمعة 13 / 04 / 2012)


في المثقف اليوم