أقلام حرة

الجهاد ضد كوفي عنان / جمال الهنداوي

اشارات اكثر من كافية لتبيان الكمية المؤلمة من الوقت الذي تتقطر ثوانيه بدماء الشعب السوري الجريح والذي سفح في محراب التعندات الخليجية تجاه الحل السياسي,ومدى الانخراط  الرسمي العربي مع النظام في دفع العشرات من الضحايا  كقرابين في طقوس باذخة الضجيج من الشعارات الطائفية الاقصائية الرامية لتأمين حكم السلالات المتهالكة على حساب آمال وتطلعات الشعوب الحرة في الحرية والعدالة والمساواة..

فكل المآلات السياسية والامنية التي تتشكل في افق الازمة السورية تشير الى مدى الضرر الذي سببته محاولات خلجنة –او أخونة-مسارات حركة الاتجاهات الشعبية ونتائجها المكلفة والباهظة بحسابات بيدر الشعب السوري النبيل التي تكبدها دما وامنا ومقدرات زاد من فداحتها الفقاعية اللجوج التي ابدتها بعض الاطراف الداعية لأسلمة المشهد السياسي العربي ورغبتها في التموضع تحت اضواء الاعلام النافخ في قربة القيادة المفترضة لمنظومة العمل العربي وتشبثها في التمسك بخياراتها المؤلمة في حصر النزاع ضمن الآليات الطائفية والفئوية الاقرب الى قلب وذهنية الحكم العائلي المتطير من التوجهات الشعبية والنضال من اجل تحقيق حلم الدولة المدنية الديمقراطية التعددية..

كما ان الاستثمار الاعلامي المتعجل اللاهث لهذه القيادة الافتراضية وتقديمها كأنها تسليم لكامل

مفاتيح الازمة بيد المنظومة الخليجية واعتراف دولي باحزاب الاسلام السياسي كممثل شرعي وحيد للربيع العربي قد يكون السبب في ذلك الاسراف في تقديم النتائج على المعطيات حد توزيع المهام –والاتهامات-على جميع الاطراف حسب تطابق او اختلاف المنظور الخليجي لحلحلة -او قد يكون تأزيم-الموقف الامني والسياسي على الارض..

ان التبشير الاعلامي المكثف تجاه فشل مهمة عنان وعدها مجرد وسيلة سياسية لحمل روسيا والصين للتخلي عن الفيتو والقبول بقرار اممي يتيح استخدام القوة لتغيير النظام يدل على ان الطريق ما زال طويلا امام السوريين للتخلص من تبعات العرقلة الخليجية لاي جهد قد يؤدي الى ازاحة النظام لصالح القوى الشعبية الحرة المناهضة للديكتاتورية والاستبداد واستمرار المسلسل الطويل من اللقطات التي تظهر الجثث المقطعة الاوصال على الارصفة المهجورة مع اجترار الاناشيد الجهادية والعبارات المستلة من ادبيات الجدب المقفر..

ان تجاهل القبول الواسع للمبادرة من قبل المجتمع الدولي وتأييدها من قبل القمة العربية واستنادها على البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الامن يشير الى ان انخراط بعض الاطراف في جهود حل الازمة لم يكن الا لاستخدام يوميات المدن الاليمة والجراح النازفة لشوارع وازقة الشام المستباح كخزين هائل من الصور والمواد الاعلامية التي تخدم توجهات دفع المنطقة تجاه المزيد من الاستقطاب الطائفي والفئوي..

كما ان النظر بكل هذه الخفة لجهود السيد كوفي عنان في حمل جميع الاطراف على القبول بالمبادرة واستمرار التغريد بتسليح اطراف –معينة- من المعارضة والدعوة لارسال قوات لا نعلم من اين سيأتي بها الشيخ حمد قد يثير تساؤلات حقيقية عن مدى ارتباط هذه الدعوات بجهود مناهضة حرية الشعوب العربية وحقها الطبيعي في العدالة والكرامة والمساواة والتي كانت دول المنظومة الخليجية-وبالاخص الدول الداعية لاستمرار القتال في سوريا-رأس النفيضة والقوى المتصدية لطليعة الثورات المضادة لربيع الشباب العربي المغدور..

ان التلقف الاحتفالي لعبارة "حق الرد المناسب "التي وردت في ثنايا موافقة دمشق على المبادرة والبدء بالترويج لعدم سيطرة المعارضة على مقاتليها قد يشي برغبة بعض الاطراف في تقويض جهود السيد كوفي عنان عن طريق افتعال حوادث امنية متفرقة تدفع الى خلط اوراق المهمة والتدخل في اولوياتها وتقدم المزيد من الغطاء والشرعية الاخلاقية لتغول الحكم على ارواح وكرامة السوريين وحقهم في الحياة الحرة الكريمة,ان لم نسمع قريبا بنداءات الجهاد ضد"الكافر"كوفي عنان وفريقه من المراقبين..

ان مبادرة عنان هي الخطة الوحيدة المطروحة حاليا التي من الممكن ان تشكل وسيلة ضغط رئيسية لدفع نظام الرئيس بشار الأسد لوقف سفك الدماء وتوفر لقوى الشعب الحية فرصة التعبير عن الاحتجاجات الشعبية في ظل رقابة المجتمع الدولي مما سيدفع الى اطلاق عملية سياسية ستؤدي حتما الى ازاحة النظام الديكتاتوري المستبد واحلال نظام حكم اكثر عدلا وتمثيلا وتحصلا على الشرعية التي تتيح له السير في البلاد في طريق التنمية والازدهار..واكثر ما يمكن ان تقدمه الجامعة العربية لها هو في دعم الجهود الدولية والاصطفاف مع حق الشعب السوري في الامن والاستقرار وحريته في تحديد خياراته السياسية المنبثقة عن قيمه ومشتركاته ومتبنياته الوطنية..

ان اول الصواب هو في كف بعض الاطراف عن التكلم باسم الاسلام والمجموعة العربية والملايين المكدسة ما بين خليج ومحيط, والاقرار بان تفويضها العربي قد انتهى بانعقاد القمة العربية الاخيرة وان سعيها مشكور ولكنها يجب ان تعود الان الى "حجمها"والى شريطها الساحلي الضيق وان تعي ان حدودها لا علاقة لها بمناطق تغطية الاقمار الصناعية ولا بالمساحات التي بدأت تشغلها قوى الاسلام السياسي المرتبطة بها,وان عدة مؤتمرات صحفية غير كافية لكي تطلق المنظومة الدولية لحاها وتنادي بالجهاد وتتحول الى ترس في عجلة المشروع القطري في ايصال الاخوان المسلمين لحكم الشام..وهؤلاء الاخوان بالذات–رغم تخمتهم بالكرم الخليجي- لن يمر عليهم الكثير من الوقت قبل ان يبدأوا بممارسة هوايتهم المفضلة في الانقلاب على الحلفاء استجابة للذة السلطة تحت اضراسها وكمقارنة منطقية بين حجمهم الوطني وارتباطهم بانظمة من رمل غاز وشاشات عملاقة..

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2091 الأحد  15 / 04 / 2012)


في المثقف اليوم