أقلام حرة

أسباب الأزمة السياسية في العراق / مهدي الصافي

لمجمل العملية السياسية الفوضوية في بلادنا، ولكنه قطعا يعرف ان طٌعم بريمر والإدارة الأمريكية قد جر لشباك الفتنة جميع المكونات السياسية دون استثناء،

ويعلم انه هو (المواطن العراقي) احد أركان الأزمة التي رسخها بأصبعه البنفسجي، وبقبوله أن يكون إنسانيا آليا مبرمجا وفقا للطائفة أو القومية أو الاثنية، لأنه وريث تاريخ طويل من الكوارث والحروب والانتكاسات والانهيارات والانكسارات السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، ولم يستطع احد أن يعزز في نفوس أبناء المجتمع المعنى الحقيقي لدولة المواطنة،

وكيف لنا أن نكون أحرارا في بناء دولنا، إذا كان التاريخ الاستعماري والامبريالي بهذه الشراسة والعنجهية والإجرام المفرط، وكانت دولا مجاورة ولازالت أخبث من الرجس، تتربص بنا وبمستقبل امتنا العربية المضطهدة.

هناك ثلاث أو أربع أو يمكن أكثر من دولة عربية يصعب عليها النهوض من الكبوات والأزمات والنكبات السياسية، والديمقراطية جسد غريب يحتاج إلى سنين طوال حتى تفاصيله وتقاسيمه ومبادئ تكوينه (أكثرها تعقيدا العراق-ليبيا-اليمن، ومن ثم تأتي البقية، السودان-لبنان-سوريا وحتى الأردن)، فالدول الأكثر تعقيدا هي الدول القبلية العشائرية (والاثنية أو المتعددة القوميات) التي تتنافس بقوة وفقا للظروف مع سلطة الدولة وقوانينها الرسمية، ومن هنا يصعب على المعنيين بالشأن السياسي، أن يتلاعبوا بتلك الأوراق الجاهزة للاحتراق (دول فتيل البارود الاجتماعي والسياسي والطائفي)،

 (لكنها لن تحترق دون أن تترك أثرا مدمرا على الجميع)، مع الاعتبار بأن بعض الدول المتأزمة اجتماعيا ووطنيا لديها بعض الامتيازات الثقافية المختلفة عن دول التعقيد الاجتماعي، ولنا في التجارب السياسية منذ تأسيس الدولة العربية الحديثة مثالان حول طبيعة المواجهة السياسية بين الحركات والتيارات والأحزاب المختلفة المتنافسة على كعكة السلطة،

 (سوريا والعراق-يذكر إن خالد بكداش الحزب الشيوعي فرع سوريا، قد استغرب بحضرة بعض قيادات الحزب الشيوعي العراقي من أسلوب التصفية الجسدية والدموية للكوادر الحزب المتناحرة في بغداد)،

كيف كان التغيير الوزاري في العهد الملكي، وطريقة الانقلابات العسكرية الرعناء، وصولا إلى النظام الجمهوري والشخصيات البسيطة التي استلمت دفة الحكم، وبين رزانة وعقلانية التصحيح السياسي في سوريا.

لقد اخطأ السياسيون العراقيون عندما ارتبكت واختلت موازينهم وحسابات السياسية عند بوابة مجلس الحكم الطائفي الذي شكلته الإدارة الأمريكية، والذي أريد منه أن يبقى نظاما سياسيا مشلولا، لن يكتب له الاستقرار أبدا (استنساخا للتجربة اللبنانية)،

بينما استطاعت بعض دول الربيع العربي (التي تعتبر أكثر تطورا وثقافة ومدنية من بقية الدول) إن تتجاوز أسلوب صناعة الأزمات (انتخبت رئاسة الجمهورية وتغلبت على فكرة النظام السياسي الفاشل المتبع في العراق والذي لايصلح إلا في الأنظمة الملكية)،

ومناقشة بسيطة لبعض الأمور المختلف عليها في العراق، نجد إن الدستور كتب تحت رغبة إرضاء الأطراف الكردية فقط، بحيث إن بعض تلك المواد ومنها المتوقفة على موافقة ثلاث محافظات (وفقا لعدد المحافظات الكردية)، وكذلك ترسيخ النظام الفيدرالي العشوائي، الذي لم تحدد معالمه الشرقية (لأنه حتما سيختلف عن النظام الفيدرالي المتبع في العالم)، ومن هنا وضعت بعض الكتل السياسية بما فيها الأغلبية العربية (والشيعية تحديدا)

أمام مأزق التقسيم الثلاثي للدولة (توافقية الرئاسات الثلاث)، في حين كان يمكن أن تكون التوافقات السياسية، توافقات ثنائية (بين عرب الشيعة والسنة)،

ليس إجحافا بحق المكون الكردي، ولكنه بالفعل يتمتع بمناطق الإقليم المزدهرة، ويتحرك بحرية مطلقة في استخدام موارده المحلية، أو القادمة من الميزانية المركزية، وقد نجح بالفعل في تنمية مناطقه رغم الاعتراضات والاحتجاجات الرسمية الداخلية (في مناطق الإقليم)،

أو المركزية حول طبيعة النظام الديمقراطي في إقليم كردستان، ولكن نقول كلمة للتاريخ إذا بقي الوضع على ماهو عليه

 (بما فيه تعطيل قانون النفط والغاز) من جر وعر في العلاقة بين المركز والإقليم، فأن العراق لن ينعم بالاستقرار والأمان والازدهار السياسي والاجتماعي والاقتصادي (وستبقى مشكلة السيد مسعود البرزاني مع الحكومة المركزية قائمة حتى تأتي فرصة الانفصال الكردي عن العراق) .

الأزمة الثانية هي أزمة المكون السني الذي ربط مصيره بقيادته المبعثرة والمشتتة والمتناقضة، وبتورط بعض أعضائه وقياداته في العديد من الجرائم الإرهابية المدعومة خارجيا، مع إن الشارع السني استطاع في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، أن يقصي الكثير من هؤلاء المشككين بالعراق الجديد، المطلوب بعضهم قضائيا، إلا إن وقت إعادة التحالفات والحسابات والتكتلات صار بعيدا جدا، وخصوصا إننا نقترب من الانتخابات المحلية القادمة لمجالس المحافظات، وعلى الجميع أن يفهم إن فكرة النظام الديمقراطي (العلماني)

الوجود لسلطة الفرد أو الحزب، بل هناك سلطة المشاركة الجماهيرية في صنع القرار عبر الانتخابات التشريعية (ومبدأ الفصل بين السلطات الثلاث القضائية والتشريعية والتنفيذية)، لا يمكن لاي مكون أن يجعل في حسابه (الشيعي أو السني أو الكردي) أن الاصطفاف خلف كيانا معينا، يساهم بشكل أو بأخر في صناعة دولة الرمز أو الفرد الدكتاتوري، سوف تخدم مصالحه أو وطنه أو مستقبله، وان كان محسوبا على طائفته أو قوميته أو محسوبيته الخاصة، لان تجارب العالم والحقائق التاريخية تشرح لنا كيف تسيل الدماء ويتصارع الأخوة حول كرسي السلطان،

لنا الناقة والجمل الذي سيحمل لنا دولة مستقرة مزدهرة لاتشغل بالنا أزماتها السياسية، ولاتعكر صفو حياتنا عراك السياسيين.

يبقى السؤال المطروح أمام الجميع (الذين يرددون إن الأزمة تكمن في إن يجلس السياسيين حول طاولة مستديرة لحل الأزمة، كعادته الشعب العراقي والعربي عموما، يرمى تبعات أثقاله على غيره هربا من المسؤولية)، إن المسؤولية ليست مسؤولية السياسيين،

بل هي مسؤولية المجتمع الشعب العراقي برمته، هو صاحب القرار النهائي في شكل وطريقة وتركيبة النظام السياسي الذي يريد، وان كان عاجزا عن فهم دوره، عليه أن يتجه إلى نخبه المثقفة وكوادره الواعية (لا أن يذهب إلى شيخ العشيرة يسأله عن اسم من يريد إن ينتخبه) ليفهم اللعبة السياسية وأسرارها الخفية.

الحلول لمثل هكذا وضع سياسي هش، ولشعب نائم على تل من التناقضات، يكمن في عدة خطوات جريئة يجب إن تتخذها الحكومة العراقية

أولا:اتخاذ قرار جماهيري سياسي برلماني لتعديل مواد الدستور العراقي، وجعلها مواد تتلاءم مع اللحمة الوطنية، بعيدا عن بعض العراقيل والقيود الموضوعة فيه أصلا (تحت أية اعتبارات قانونية –أشبه بحالة طوارئ سياسية، اقرب لسلطة المجلس العسكري المصري الذي يمارس سطوته بقوة لبناء دولة مصرية متوازنة بين المكونات والاتجاهات الاجتماعية رغم خلافنا مع نهجهم، إلا انه مع الاسف الحل الوحيد الملائم لمجتمعاتنا العربية)

ثانيا:إقرار النظام السياسي الرئاسي، الشعب ينتخب رئيس الجمهورية مباشرة عبر صناديق الاقتراع، مع تشريع قانون برلماني لتأسيس مجلس السيادة الوطنية (مجلس السياسات) وإعطائه دورا تشريعيا خاصا (على سبيل المثال له الحق بنقض الموازنة الاتحادية-ونقض قرار الحرب-والقوانين الوطنية السيادية الأخرى، مع إبقاء بقية الصلاحيات لمجلس النواب)

ثالثا:تعزيز القوانين الفيدرالية الاتحادية بحيث تحل جميع أو اغلب المشاكل العالقة مع إقليم كردستان، بشرط تخلي الأخير عن طلبه في الحصول على مناصب سيادية في الحكومة المركزية، والابتعاد عن التصريحات المهددة للسلم والأمن الوطني والقومي والإقليمي (كتصريح حق تقرير المصير)

رابعا:الاتفاق وفقا لميثاق شرف وطني وأخلاقي وديني بين الكتل الرئيسية المشاركة في الحكومة بملاحقة المفسدين كافة (سواء كانوا وزراء أو نواب أو مدراء عامين أو موظفين عاديين)، والامتناع عن التصريحات المشككة بالأجهزة القضائية والحكومية.

من الطبيعي إن هناك العديد من الأفكار التي تدور بخواطر العديد من الكوادر الثقافية والسياسية المستقلة، التي إن أثيرت ستساهم بالفعل بتحريك الواقع السياسي الراكد نحو خطوات وانجازات أفضل.

لكن سأبقى مقتنعا إن الأمر لايكاد يكون أزمة سياسية بقدر إنها أزمة شخصية مادية ومعنوية بحتة، والسبب إننا امة لازالت خارج التاريخ العالمي، ونقف عند أطراف القرية الكونية.

 

مهدي الصافي

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2093 الثلاثاء  17 / 04 / 2012)


في المثقف اليوم