أقلام حرة

شارع المتنبي منهل الثقافة العراقية / صادق غانم الاسدي

ونبذ الكراهية وأعمال العنف بين أفراد المجتمع، وهي لغة التفاهم والحوار الصريح والأسلوب المتحضر، وقد شهد المجتمع العراقي تغيرات جذرية على جميع الأصعدة ولمختلف الجوانب وانعكس ذلك ايجابيا على تطلعات الفرد العراقي وما يحمله من أفكار في ذهنه بسبب اتساع مساحة الثقافة وتنوع مصادرها بحيث لم يمر موقف سياسي أو اقتصادي ألا وان يخضع للتحليل والاستنتاج ويشترك فيه عامة الناس وبكل فئاتهم العمرية وهذه الحالة غريبة وتزامنت بعد التطورات التي دخلت في مسرح العراق السياسي، كما تشكل الثقافة اليوم ثمرة الإبداع ومجموعة من القيم التي يتحلى بها الشعب ويمارسها في سلوكه اليومي، وان الكم الهائل من الصحف والفضائيات ومنظمات المجتمع المدني شكلت حالة من التحفيز وقفزة نوعية يشهدها المجتمع وجمعيا تعمل على صقل شخصية الفرد والارتقاء بمستوى عقول الناس من خلال مايبث من حورات وثقافات عامة نتيجة الانفتاح ومواكبة الانجازات العلمية والثقافية المتحققة في دول العام، وقد شاهدنا شارع المتنبي كيف يزدحم بالناس أيام الجمع والعطل الرسمية وتزداد الإعداد أسبوعيا مما يشكل حالة صحية وحضارية بعد أن خرج العراق من الفترة المظلمة والتي كان فيها الشارع عبارة عن مكتبه خاصة لاتتوفر فيها مصادر الثقافة والمعلومات الحديثة، شارع المتنبي يقع في وسط العاصمة بغداد وتحيط به مناطق تجارية مهمة وبارزة ولها بصماتها التجارية على كافة محافظات ومناطق العراق، لايتجاوز طول هذا الشارع 300متر ولكن يحمل في طياته ما لم تحمله جميع شوارع وأزقة بغداد من أشعاع فكري ومنهل يرتوي منه جميع المثقفين والباحثين ويطلق عليه المثقفين هو رئة العراق الثقافية يعود تأسيس شارع المتنبي إلى عام 1932 حين ما ارتأت أمانة بغداد تبديل الأسماء القديمة والأحياء في العاصمة بغداد إلى أسماء حضارية وتراثية تتناسب مع حجم التطورات والتغيرات في تلك الفترة وأطلق عليه المتنبي تيمنناً بأسم شاعر العرب أبو الطيب المتنبي، وتعتبر مقهى الشاهبندر من المقاهي القديمة والتي عاصرت أحداث كثيرة والتجأ إليها المبدعون والمثقفون واعتبرت في وقتها محطة التقاء، إلى جانب السوق أو شارع المتنبي توجد ( دكاكين) وكان أقدمها دكان الملا خضر الذي أسس مكتبة في عام 1869 لبيع الكتب والصحف في السوق وكان الجديد فيها هو أنها تبيع جريدة الزوراء أول جريدة رسمية صدرت في بغداد، وقد تطور هذا الشارع عمرانيا بعد التفجيرات التي حدثت فيه من استهداف الكلمة الصادقة والثقافة الحرة وازداد تنوع المعرفة فيه، واليوم يشهد الشارع تواجداً كثيفاً ولقاءات ثقافية وتجمعات أدبية وفي بعض الأحيان يعتبر ساحة للتعبير عن الرفض والاحتجاجات السلمية وبطرق حضارية، ومن خلال زياراتي المتكررة لشارع المتنبي أرى مشاهد حية وهي إقبال الناس على شراء الكتب وبكميات كبيرة وخصوصا يوم الجمعة التي يتواجد بها الباعة المتجولون وهم يفرشون الكتب بمختلف عناوينها وإحجامها ويزداد إقبال الناس بين جمعة وأخرى وتطلب ذلك اتساع رقعة العرض لتشمل مناطق من شارع الرشيد خارج شارع المتنبي، وكل ذلك يعود لارتفاع القدرة الشرائية للفرد العراقي بعد أن كانت ضعيفة ولا يستطيع أن يوفر ثمن كتاب، يرافقه أيضا هو الانخفاض الهائل لسعر الكتاب والمجلدات المعروضة بعد أن وصل مثلا سعر موسوعة بحار الأنوار للعلامة ألمجلسي مليون وربع دينار واليوم لاتتجاوز المئتين وخمسين إلف دينار ناهيك عن انخفاض كبير في أسعار الكثير من الكتب التي طبعت بأحدث وتصميم الطبعات ويعود ذلك إلى التنافس التي تبديه المكتبة الالكترونية وسهولة الاطلاع على الكتب وسحبها بطرق لأتكلف مبالغ باهضة، ويمكن أن نقول إن سبب أخر ساعد في انخفاض أسعار الكتب وتقليل أثمانها هو كثرة المؤسسات ودور النشر والطبع وإقامة المعارض والتخفيض الذي يعلن عنه أثناء افتتاح تلك المعارض ولا يختلف الأمر أن شراء الكتب واقتنائها هو وجود الأرضية والعمق التاريخية للثقافة العراقية والتي لم تتأثر بالهجمات التترية وبقى العقل العراقي يتطلع بشوق للثقافة وحبه للمعرفة بطرق عديدة والمعروف عن الشعب العراقي هو أكثر الشعوب تطلعا وقراءة وبغداد كانت مدينة التأليف والترجمة ونقل عنها الكثير وتأثر العديد من المستشرقين بمكاتبها ومشاهدها التاريخية، ولم تفقد مكانتها العلمية والثقافية يوماً .

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2095 الخميس  19 / 04 / 2012)

 

في المثقف اليوم