أقلام حرة

المطالبة بحق تقرير المصير على ارضية الخلافات / عماد علي

هو اعتقادهم المطلق بصحة ما يعلنون ويطرحون من المواقف والاراء، مبنين ارائهم وكلامهم على توجهاتهم وثقافاتهم وافكارهم وان كانت بشكل سطحي دون التعمق والنظر الى راي الاخر وما يعتقده، مهما كان المقابل مؤمنا بما يعتقده فربما يضحي بكل ما يملك من الدم والمال من اجل اهدافه ومعتقداته بنسبة كبيرة. قال برتراند راسل في لحظة ما انه ليس على استعداد على ان يضحي من اجل فكر يحمله ويعتقده صحيحا في تلك اللحظات، لانه ربما يكون مخطئا فيما هو يؤمن ويعتقد دون ان يعلم بخطاه الا بعد فوات الاوان .

 لو القينا نظرة فيما نحن فيه من الفوضى العارمة بكل مافيها من معنى الكلمة، لم نجد على الاطلاق من يعتقد لربما يكون على خطا في توجهاته او ربما في كامل مسيرته، ويصر الجميع على ما يدعون وكانه امر منتهي منه من الصحة والكمال، وكأن الحياة لم تستمر بما سارت عليه من قبل،  ونعلم ايضا انه خلال فترات ومراحل مختلفة تبينت العديد من الاخطاء التي قتلت من اجلها الالاف، لا بل نرى من يصر على ما يدعيه في لحظته وكانه مقدس وهو معصوم ولا يمكن تغيره وان تبين الاصح منه فيما بعد، لانه اصلا لم يفرق بين الاصيل والزائف والمستقيم والمنحرف في افكاره وقراءاته، وهو ينظر في زاوية معينة خاصة به، تكونت لديه قناعات على ماهو عليه من الصفات دون ان يفكر بما يختلف عنه الاخر في الظاهر والباطن .

في عالمنا السياسي، نحن شعوب منطقة الشرق الاوسط، ان مشكلتنا الرئيسية في ذواتنا، اننا لم نفرق بين افعالنا بين المهم والاهم وبين الاستراتيجية والتكتيك ونخلط بين ما يهم العام والخاص، او نتعامل مع ما يفرضه الخاص ونعممه على العموم. اننا نعتقد باننا الحق عندما نطلق عنان الكلام والراي والموقف او عندما نناقض الاخر حول اي موضوع، مهما كنا ضعيفي الاطلاع عن ما نتدخل فيه ونناقشه بصدر ضيق في اكثر الاحيان، ولذلك اكثرنا يتسم بالتناقض في التعبير والافعال خلال مرحلة قصيرة من عمرنا، الا اننا نشغٌل القريب والبعيد مبنين كلامنا على الفراغ . هكذا الحال اننا نقيم الاوضاع وفق اللحظة، من كان الصديق الحميم الى الامس القريب اصبح عدوا اليوم، لمجرد نختلف معه في فعل او توجه او طرح او اعتقاد او فكرة او راي او هدف ما اظهره على العلن، دون ان نحتسب ونحلل لما هو وراء ما يذهب اليه وما وراء ما نسير عليه نحن ايضا، او على الاقل، دون ان نضع انفسنا في لحظة معينة مكان وموقع الاخر وما هو عليه وما يعتقده ويمثل لكي نفكر فيما يفكر فيه ونقارن ما بيننا، ولنبين الاصح . واكثر الخلافات تظهر نتيجة الاصرار على ما بعد ما نعتقده نحن والاخر ايضا .

استنادا على ما طرح سابقا، يجب ان نعلن ان الاراء السياسية المطروحة اليوم من قبل الجهات والقادة لم تكن الا من افرازات تقاطع المصالح فقط، واستناداعلى ما اشرت اليه من قبل من ما نحمله من العقليات . ولم يدخل في المعادلة اية مباديء انسانية ضرورية واية افكار او عقائد التي كان من الواجب ان ياخذ بنظر الاعتبار عمق المشاكل وحلولها فقط وليس السطحية في التفكير والقرار، وهذا صلب المشكلة . ان لم ينعتني البعض بالمثالية في القراءة والطرح والتفسير، اقول؛ هل تستحق كل اموال ومصالح الدنيا قطرة دم ذرفت في الحروب العالمية والصراعات العديدة على وجه المعمورة، التي لم تقع بقيد انملة لمصلحة البشرية، انها كانت اعتقادات وافكار، هي التي دفعت وتدفع الى التخبط والتمسك بنفي وفناء الاخر، وفي اكثر الاحيان السير في الوحل المتلاطم من امواج الفوضى العارمة التي تخلقه المجتمعات المتخلفة والتي  تصيب المناطق ذات المشاكل العويصة ايضا، والتي تريد الخروج من ورطاتها، والا ليس من المعقول ان تصل الاطراف المختلفة مع بعضها الى نقطة الالتقاء لايجاد الحل المناسب لكل مسالة وفقا لاحترام حق الاخر، الا ان كنا مستندين على الاسس العلمية الاخلاقية الانسانية في فلسفاتنا، وكما يفرضه العصر الجديد بشكل خاص، بعد ان تعتبٍر الجهات  المتناطحة من متغيرات العصر وما ورثها لنا التاريخ الغني بالدروس  .

لو تكلمنا بشكل اكثر تفصيلا وواسعا حول ما نسمعه ونراه هذه الايام من الخلافات الظاهرة بين الحكومة الاتحادية العراقية المتمثلة برئيس الوزراء وكتلة دولة القانون واقليم كوردستان برئاسة مسعود البرزاني والحزب الديموقراطي الكوردستاني، ومن لف لفهم،  انهما طرفان مستاثران بالسلطة وملذاتها اكثر من غيرهما واكثر مما يستحقون، ويحملان من الصفات المتشابهة والظروف المتماثلة من حيث التفكير والعمل السياسي مع الفارق في نوعية العقيدة او الفكر او المنهج. هما الطرفان اللذان   استقويا نفسهما بوسائل السلطة ومكتسباتها، وكسبا جماهيريتهما بناءا على ما يملكون من الامجاد وليس على ما وصلوا اليه من النكسات والكبوات بعد تاريخ طويل من النضال الذي مروا به، اي ما وصل اليه الحزب الديموقراطي الكوردستاني بعد انتفاضة اذار وحزب الدعوة بعد سقوط الدكتاتورية ووصول المالكي لسدة الحكم. وهذا يعني انهما يمتلكان ما يفتخران به والفجوات والثغرات ذاتها في مسيرتهما النضالية، وهذا ما خلق لهما الحالة النفسية طويلة الامد المشابهة ذاتها، لانهما لم يكونا بالحجم والثقل والقوة والامكانية التي هما عليه اليوم لفترة طويلة،و لم يكونا بمستوى الاخرين حتى، لا بل لم يكونا يحلما او يعتقدا في لحظة ما ان يصلا الى هذا الموقع والشان في غضون مرحلة قصيرة كما هما عليه الان، بينما تهمشت الاطراف الاخرى التي كانت هي في المقدمة لعقود وخلال فترة قصيرة جدا من بعد تحرير العراق، وهذا ما دفع بهما الى حال يمكن ان نسميه فترة الغرور السياسي منقطع النظير، لذا لا يمكن الاعتقاد بان يصلا لحلول مقنعة ومعقولة بسهولة للمشاكل العالقة من دون ضغوط خارجية، وهذا غير متوقع لان الاطراف الخارجية لا ترى مصلحتها من الامن والاستقرار العراقي، او لا يمكن ان يخرجا بنتيجة على طاولة الحوار وهما في النعشة السياسية التي اغرٌتهم من دون رجفة او شوك، تلقائيا او بشكل مفاجيء . ان كان هذا التحليل والتفسير للطرفين الرئيسين من الناحية الذاتية، اما الظروف الموضوعية ليست باقل صعوبة،لا بل يمكن ان تكون هي ما تصعب الامر اكثر وتزيد الطين بلة، نتيجة الاستقطابات الحاصلة التي تفرض نفسها على جميع الاطراف، بل تمنع التقارب المرجو امنتظر من خلال تدخل الوسطاء الواقعيين والتي يلحون عليهم .

لذا يتوجه كل طرف الى الوسيلة التي يمكن ان ينطح بها غريمه في اقل فترة ممكنة، وهذا ما يجعلنا ان نعتقد بان المصادمات متوقعة في اية لحظة، وستكون خطيرة ولن تكون لصالح اي طرف، وما يزكي نار تلك الصراعات التي من المحتمل ادخالها في العراق هو الوضع غير الطبيعي الذي يعيشه الجوار، ومن اجل التفريغ وتصدير تلك المشاكل من بلدانهم، يمكن ان يستغلوا اقل فرصة متاحة لديهم لتورط العراق بها. وهذا ما عانى منه الشعب العراقي لعقود عديدة وارغمت قادته على خوض حروب متلاحقة منهكة ومهلكة لها وللمنطقة جميعا،عدا صفاتهم الذاتية المتشبعة بالدكتاتورية، واعتقد بان اي خلل سيكون داخليا محضا في هذه المرحلة وسيكتوي الشعب العراقي اكثر من غيره ايضا . لو ازحنا الظروف الاجتماعية الثقافية العامة ومؤثراتها على الاحزاب المتناطحة والقادة الفتية التي لم يتذوقوا طعم السلطة من قبل بل اعتلوها في لحظة تاريخية حرجة بعد سقوط اعتى دكتاتورية وما مارسته من الكبت المميت على هذا الشعب، وتوفرت ارضية ملائمة من فعل النظام العالمي الجديد وما هي عليه المنطقة اليوم من كافة الجوانب .

لو بحثنا هذا الموضوع المعقد باعصاب راخية وبخلفية محايدة غير متاثرة باي فكر او فلسفة، متكئين على ما تتطلبه الانسانية والاخلاق، والسعادة والرفاه المطلوب للشعب، بعيدا عن السياسة وتداعياتها ومتطلباتها، وكمحللين للواقع الموجود كما هو. او لو على الاقل فكرنا مع انفسنا وتحاورنا مع ذاتنا حول ما نحن فيه وشغلنا عقولنا بصورة جيدة واستجوبنا انفسنا واجبنا بانفسنا عن ما نطرح من الاسئلة الواجبة طرحها للخروج من الازمة، لخرجنا بنتيجة مرضية نسبيا ولحدما، ويجب ان يحصل هذا قبل النقاش والتفاوض حول الامور المصيرية التي انبثقت منها المشاكل العويصة التي تفرض نفسها وتتطلب الحل الجذري .

التعقيد الحاصل اليوم في القضايا التي اخذت تفرض الوقوف كثيرا عنها حتى لا يمكن لاي سابح في الماء العكر ان يشوه الصورة مهما بلغت حيله من الدقة، وهذه القضية الرئيسية التي ليست وليدة اللحظات الراهنة ابدا، ولم تكن نتيجة اسباب طارئة بقدر ما كانت نتيجة طبيعية للتراكمات التاريخية وما فرضته المعادلات التي برزت منها . واليوم، الغريب في الامر ان الاوضاع الداخلية ومايؤثر عليها الطرفان الرئيسان، هي ما فسحت المجال امام كل من هب ودب سواء من كان من الحثالى او ارباب التملق والمعتشاين على الفتاة، والمستلقين دائما على ابواب القادة ولم يروا غير المصالح الشخصية ان يصبوا النار على الزيت، وهم من يدلو بدلوهم ويحاولوا ان يوجهوا الحال الى التعقيد والعصيان الاكثر، وما زاد الامر خطورة هو تدخل الاعلام المغرض غير المهني ومن يقف ورائه في الخارج والداخل . اضافة الى تدخل الجهات الاقليمية بشكل مباشر لاغراض واسباب عقيدية ومصلحية ضيقة، وهذا ما وصد الابواب التي كانت مشرعة حتى الامس امام الاطراف، وصعٌب الوصول الى الحلول المقنعة للجميع، هذا ان لم تتنازل الاطراف ولم تضع الاعين على المصالح العليا، ومن المستبعد ان يحصل هذا لاسباب سياسة وحزبية من جهة، ونرجسية القادة البحتة المعروفة لدة الجميع من جهة اخرى،فان الامر سيكون اكثر تعقيدا وعصيا على الحل .

هذا ما يفرض علي ان اقول بما اعتقد لاراحة الضميرليس الا، لانني على علم بانه ليس هناكمن اصحاب القرار من يقرا او يسمع، وبعد ما نقرا ونتمعن فيما سار عليه العراق وما وصل اليه، وبعد القاء الضوء على الجوانب المختلفة من تاريخه، لا يمكن لهذا البلد ان يستقر او يهدا، وان ما نطمح اليه من تجسيد للمفاهيم العصرية ليس بقريب، غير ان هذا لا يمكن الا في السلم والامان ورضا الجميع . وكما اعتقد الشعب الكوردي في مقدمة من يجب ان يكون راضيا مرضيا لانه لم ينتش مذاق ما يطمح اليه منذ تاسيس الدولة العراقية، وهو يحس بالغبن، ولم يهدا له البال الا بعد ان يعتقد بانه حقق اهدافه وقرر مصيره بنفسه بعيدا عما يُفرض عليه من الحلول الناقصة طوال حياته . على الجميع ان ينطلق من زاوية التوجه للعمل من اجل اقتناع جميع المكونات، وليس الاصرار على العمل المعتمد على خلفية السائد والمسيود . الشعب الكوردي هو من يكون صمام الامان للجميع دائما، سواء قرر الخوض في تقرير مصيره مهما طال مخاضه، او بقي كما هوعليه الان، طالما كان على الحال الموجود فيها الان تفرض عليه التفكيرفي ان يحس بانه يستحق اكثر مما حققه غيره وهو لم يصل اليه لحد الان. لا يمكن ان تحل قضيته بالتهديد والوعيد والاعتماد على الحلول الناقصة والتعليق لما هو المهم لديه. انها قضية شائكة وعميقة وخطيرة، لا يمكن ان تبقى عالقة، لان ما يمت بصلة بها سيتغير بتغيير مجريات الامور وكل ما يمت بصلة بها وفق متغيرات المراحل المتتالية. لم يشهد العراق وكل المنطقة قاطبة الهدوء والامان والاستقرار طالما بقت شرارة القضية الكوردية مشتعلة وان اخفيت لفترات جذوتها تحت تراب الضغوطات والقتل والتشريد والانفال وضرب هذا الشعب بافتك الاسلحة . على قادة العراق اصحاب السلطة ان ينظروا الى الوضع من هذه الزاوية الواقعية فقط، وليس استنادا على تصريح قائد كوردي او عربي اومن خارج الحدود او من مسؤل مراهق هنا وهناك، او قراءة سلوك او توجه اعتمدته شخصية ما لدوافع وخلفيات سياسية حزبية مصلحية فكرية مختلفة .

ان اردنا ان يرحمنا التاريخ والجيل الجديد واردنا ان نضمن مستقبلهم جميعا، يجب النظر الى ما نحن فيه برؤى وعقلية كبيرة متفهمة ومتعمقة في ثنايا وتفاصيل الامور وما حلت بالمنطقة من الويلات والمآسي، بعيدا عن المصالح الشخصية الحزبية الضيقة، مهملين الدعوات الخارجية التي لا تعرف غير مصلحتها فقط، وهي التي تحاول دائما فرض نفسها عل المعادلة الحاضرة، وهذا هدف سامي، وعند ايجاد الحل المقنع المرضي تطمئن القلوب وتقر العيون نهائيا، والتاريخ يسجل لمن يعمل ويتعمق ويناضل في هذا الاتجاه .

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2097 السبت  21 / 04 / 2012)


في المثقف اليوم