أقلام حرة

أسرار الفساد في العاصمة بغداد / مهدي الصافي

بحثا عن الكنوز وعوائد الذهب الأسود، فقط الشعوب والأمم المغضوب عليها تقع فريسة الفساد السياسي والإداري المنظم،

وهي وحدها تغوص في دوامة المتاهات السياسية، وتصبح أرضهم محطة لحقول التجارب الدولية، تباع الضمائر وتشترى في سوق النخاسة والسكراب،

في هذه الفوضى نجد إن كارثة فساد العاصمة بغداد، تكاد تكون واحدة من أهم أسباب الأزمة السياسية المتكررة في بلادنا (بين تحالف دولة القانون مع بعض الكتل المنشقة عن العراقية والنواب المستقلين من جهة وكتلة المواطن والتحالف الكردستاني والعراقية من جهة أخرى)، مقاولات وعقارات وأراض مباعة في مزاد الوساطات البينية المشبوهة،

ترى هل شاهد احد من العراقيين إن دولة اغلب سياسييها وأعضاء برلمانها ومجالس محافظاتها لديهم شركات محلية تفوز دائما بالعقود الحكومية، على حد علمي لا وجود لأي دولة من هذه الدول (الموضوعة في مقدمة قائمة الدول الفاسدة) يطفح فيها كيل الفساد بهذه الطريقة الساذجة والمكشوفة للعامة قبل الدوائر القضائية أو الحكومية،

دون أن يكون هناك رادع لهذه الأفعال المحرمة دينيا وأخلاقيا واجتماعيا،

وذكرنا في أكثر من مجال ومقال أين القضاء العراقي من هذه الفضائح، أين المساءلة والعدالة لثروات السياسيين الفاحش أم فقط صارت تلك الهيئة شماعة لبقايا البعث المنحل (وهم اغلبهم يتمتعون بمنجزات ثورتهم الصدامية السابقة، وببركات التحول الديمقراطي الجديد، ونحن ننتظر مكرمة المسئولين ومنح وزارة الهجرة والمهجرين الشكلية).

في كل مرة يشتد الضغط على بعض الأحزاب والكتل السياسية والبرلمانية، تبدأ مرحلة تصفية الحسابات لقواعد المحسوبيات السياسية، فتطيح رؤوس ومناصب صغار الموظفين، وتبقى قمة هرم الفساد عائمة دون حل أو محاسبة (قمة الهرم قد تكون رئيس حزب أو وزير أو مدير عام أو حتى سفير أو عضو برلمان)، ولهذا نسمع بين الفينة والأخرى تسريبات عبر وسائل الإعلام من قبل أمين العاصمة بغداد

 (على سبيل المثال لا الحصر، على اعتبار إنها القضية الخلافية المطروحة حاليا على جدول أعمال مجلس النواب، حيث قيل إن النواب وبينهم شيروان الوائلي له غرض من عرض استجواب الأمين العيساوي، ثم تناقلت وسائل الإعلام قصص كثيرة عن علاقات مشبوهة بين بعض الكتل والشخصيات السياسية والأمانة، كما أثير مؤخرا إن الأمين ذكر النائب عزت الشابندر بأنه كان يبحث عن مقاولة معه، وغريب هذا الأمر، ويعد من أخر المستحيلات الغير متوقعة ان يكون للنائب الجريء شركات عاملة في العاصمة المنكوبة بغداد)

أو بعض المسئولين السياسيين (كالاتهامات الصريحة من قبل وزارة النفط ورئيس الوزراء ونائبه لشؤون الطاقة الموجهة لرئيس وحكومة إقليم كردستان بتهريب النفط، وهي قضية وطنية وسيادية خطيرة)،

حول ملفات وضغوط سياسية وشخصية تتعرض لها المؤسسات الحكومية (كأمانة العاصمة)للحصول على أراض أو البحث عن مقاولة هنا وهناك،

 (وهذه الهرولة خلف المقاولة ليس من اجل تنفيذ المشروع بأمانة وصدق، بل بغية استغلال الوظيفية والمنصب لتمشية المشاريع الفاشلة، والإكثار من الربح على حساب جودة ونوعية ومتانة التنفيذ)،

دون أن تتحرك السلطة القضائية المفترض، إنها مستقلة وتعمل بنفس قوة السلطات الباقية (السلطتين التنفيذية والتشريعية)،

المشكلة ان كثرة هذه الأحاديث المجتزئة المسربة عبر وسائل الإعلام، لا تخدم مسيرة الديمقراطية المتعثرة في بلادنا، ويبدو انها مجرد تصفية حسابات بين الكتل السياسية (فالكل لديه ملفات ساخنة يستخدمها وقت الحاجة كورقة ضغط ضد الخصوم الآخرين)،

وتعطي إشارة سيئة أمام دول الجوار المتورطة بالشأن العراقي الداخلي، وتعيد إحياء لغة الاتهامات المتبادلة، التي ستنعكس حتما على الأحداث في الشارع العراقي

 (تساعد هذه الانتكاسات على شيوع الظواهر الاجتماعية السيئة، كالفتن العشائرية والطائفية، وانتشار عصابات الجريمة النائمة سابقا، وزيادة في العمليات الإرهابية، وعودة الرشوة والفساد إلى الدوائر الحكومية بقوة، الخ.).

في الحقيقة يجب الالتزام بمواد ونصوص التشريعات القانونية والبرلمانية والدستورية، وعلينا ان نعترف بأن السلطة القضائية لم تستطع بعد أن تثبت بوضوح قدرتها وقوتها في مواجهة الملفات الحساسة، ومتابعة قضايا الفساد المالي والإداري، وحسم بقية الملفات المتعلقة بتهريب نفط الشمال، وأموال السمسرة للعقود الحكومية،

والعمل على تطبيق القوانين المتعقلة بقضايا الفساد الحكومي، والبحث أو الحث على إصدار تشريعات قضائية وبرلمانية تساعد في تنفيذ أو طرح قوانين تجرم المتورطين بهذه الأعمال مهما كانت مناصبهم ومواقعهم السياسية أو الحكومية،

كقانون من أين لك هذا، وقوانين تتعلق بقضايا الإثراء الفاحش على حساب الوظيفة والمنصب السياسي، تبدأ من مجالس المحافظات وصولا إلى مكاتب ومناصب ووظائف الرئاسات الثلاث والوزارات والمؤسسات التابعة لها،

كما قلنا سابقا إن السلطة القضائية هي سيد السلطات الثلاث، وعليه نحن ومن حولنا الفقراء والمحتاجين والأرامل والأيتام وجميع المعوزين، وكذلك تطرح الكوادر الثقافية الفكرية والأدبية والفنية، ماذا فعلت لاستعادة الأموال المسروقة والمهدورة،

نتساءل عن أموال الاعمار الفاشل، وعن حقوق الشعب من عائدات النفط العراقي المتزايدة،

نتساءل عن الخدمات عن الكهرباء، عن الصحة والتربية والتعليم، عن كل شيء يتعلق بأموال الشعب، حتى عن العواصف الترابية الذي بدا وكأنها رياح الانتقام الإلهي (اعتقد إن السماح لصعود القضاة الشباب سوف يحل مشكلتنا، بل سوف تحل مشكلة الدولة إذا بحثنا عن تجديد دماء الحكومة والوظائف والإدارة التابعة لها(

.إن لم يحاسبهم القضاء اليوم، سيحاسبهم الشعب غدا .

 

مهدي الصافي


 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2097 السبت  21 / 04 / 2012)


في المثقف اليوم