أقلام حرة

وطنٌ مِنْ زُجاج / امين يونس

اُنظُر ياعزيزي، ان الملابس التي نشرَتها جارتنا، مُتسِخة ... يبدو انها لاتعرف كيف تغسل، او انها تستخدم مُنظفاً رخيصاً ! . وتكررَ الأمر في اليومين التاليين أيضاً، وكانتْ الزوجة، تنتقد الجارة بنفس العبارات . وفي اليوم الرابع، ما ان جلَستْ في الصالة، حتى، لاحظَتْ ان الملابس المنشورة على حبل الجيران، في غاية النظافة .. فقالت : ياعزيزي، يبدو ان جارَتَنا تعلمتْ كيف تغسل ! . فأجابها الزوج بهدوء : عزيزتي، نهضتُ اليوم مُبكِراً، ونظفتُ زُجاج النافذة من الخارج، فلقد كانَ مُتسِخاً !! ".

في كثيرٍ من الاحيان، يعتقِدُ المرء ان الخطأ " هناك " ولا يتصَور انه يمكن ان يكون " هُنا " .. ويظنُ ان الخَللَ كامنٌ في الجانب الآخر، ولا يُريد ان يُصّدِق انه في جانبهِ هو بالذات ! . على كُل حال، بالنسبة الى الناس العاديين أمثالنا، فأن تأثير سوء التقدير هذا، يكون محدوداً، عادةً .. وتداعياته محصورة في نِطاقٍ ضّيِق .. وسلبياته رهينة مُحيطٍ صغير .. فمثلاً زوجة صاحبنا أعلاه .. التي يطيبُ لها، أن تُشّكِك في قُدرة جارتها على غَسل الملابس بصورةٍ جيدة .. وهي نفسها أهملَتْ القيام بتنظيف زُجاج نافذتها التي كانتْ مُترِبة ووسِخة، بحيث أنها كانتْ ترى الأشياء من خلالها .. مُشّوهة وعلى غير حقيقتها ! .

المُصيبة، في السياسيين الراكبين اليوم على ظَهر العملية السياسية في العراق، بِقّضهم وقضيضهم .. فأحدهم، كما يقول المثل " يرى ذرة التراب الصغيرة، في عَين الآخرين .. ولا يرى الطين المُتراكم في عَينيهِ هو ! " .. فيسهب في شَرح مساوئ الغَير، ويرى في نفسه مَلاكاً غير قابلٍ للخطأ ... يسمع جميع الأصواتِ نشازاً، ويترائى له انه وحده بلبلٌ مُغّرِد ! .. هو رمز الخير، بِعَكس الأشرار الآخرين .

أيها المُتحكمون في مصائرنا .. فَتِشوا الدارَ جيداً .. نّظفوا آذانكُم من الشمع، حتى تسمعوا آهات المواطنين، وقَرَفهم من الحالة المُزرِية والقَلق المُزمِن .. حتى تصلَكُم إحتجاجات الفُقراء والمظلومين والمُهّمَشين .. إمسحوا نظاراتكُم بين الحين والحين .. راقبوا زُجاج النوافذ جيداً .. ولا يكفي أن يكون نظيفاً من جهةٍ واحدة فقط .. لاتسمحوا للغُبارِ والاوساخ، ان تحجُب عنكُم الرؤية .. فعارٌ عليكُم أن تتعاموا عن الحقائق ..

 ولا تنسوا أمراً في غاية البداهة والمَنطِق .. أن تكسير الزُجاج سهلٌ ومُتاح ... إذا طالتْ الأزمات وتفاقمتْ الأوضاع ! .

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2099 الأثنين  23 / 04 / 2012)

 

 

في المثقف اليوم