أقلام حرة

للمبدعة بشرى البستاني وسام الأستاذ الأول على وزارة التعليم العالي / فاتن غانم

على وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بجامعاتها العريقة لهذا العام 2012، انثالت أمامي منتصف الشهر الحالي في احتفالية عيد العلم كلمات أستاذة خالدة، تحفر اسمها وفعلها وحضورها في عقول وقلوب طلبتها ... " المعرفة هي الروح التي تحركنا وتبث فينا القدرة على الفعل الخلاق، فلتكن لنا أرواح، لا خير بكلمة لا تتحول الى فعل، انتبهوا .. فب (كن) كان فعل الخلق والكشف والديمومة، لا تستأجروا مواقفكم في الحياة بل اصنعوها، الحرية هي القدرة على الاختيار، فتعلموا أن تختاروا لتكونوا أحرارا لا تابعين، والابداع وليد الحرية وابنهما البار هو الحب فافتحوا قلوبكم للحب تتسع للجمال رؤاكم، بالقيم ونبلها يصير الانسان مكرما وبدون فعل القيمة ليس له إلا أن يأكل وينام .." تلك هي بعض ما لا ننساه من كلمات هذه المبدعة الكبيرة عبر حضورها المفعم بالحركية المعرفية وصدق مسيرتها الرسالية وهي تبث فينا من توهجها في البكالوريوس وفي مرحلة الماجستير وفي الدكتوراه، " أنتم المستقبل، أنتم الإشارات والرسالة والأمانة .." ندخل إلى محاضرتها خائفين هيّابين، ونخرج منها واثقين نابضين بالأمل ..." في دواخلكم طاقات خلاقة استنهضوها .." فنتسابق الى الكتب، وبالحب والايثار الذي تعلمناه منها نتبادل المصادر ونجهد انفسنا في كتابة البحوث، وهي تقرأ، وبالإخلاص الذي عرف عنها تسجل ملاحظاتها وتكثر من تدوين الاسئلة والتساؤلات واقتراح المصادر والمراجع التي من شانها إغناء البحوث حتى تستوي على سوقها تعجب القراء، لكننا نبقى أمام هيبتها واجفين ...

 تلك السيدة المهابة بهالات النور وجلال العلم وسلطان المعرفة، جادة ومنهمكة في مشروعها العلمي والإبداعي لا يدخل عليها الا طالب علم ولا يدور في حضرتها الا حديث علم، في بيتها يبدأ مجلس علمي جديد فأوقات الدوام لا تكفي طلبتها ولذلك تعطي مواعيد لحواراتهم في مكتبة البيت، فبيتها مكتبة كبيرة لا يستقر فيها كتاب على كتاب ولذلك تستعين بنا كلما بدأت دراسة جديدة لنوفر ما تحتاج من مصادر تراكمت في اركان البيت أوتفرقت عند الطلبة .

بهدوء بدأت، وبتأن واصلت وبانهماك ظلت تصل الليل بالنهار وهي في كل ذلك غير حريصة على الشهرة واضوائها، تعتذر عن اللقاءات في الاذاعات والقنوات، منكبة على ما تعتقد أنه الأجدى . في اعوام الحصار تناثر اساتذة الجامعات في ارض الله لكنها ظلت مع طلبتها تقرا على الشموع أطاريحهم ورسائلهم وتبث بهم الامل وحين يلومها اللائمون على بقائها في العراق تقول بثقة، لا أستطيع ترك الحبيب المفدى محاصرا ومجروحا، أريد ان أواصل معه حتى الخلاص . وعبر كل ما كتبت من شعر ونقد ونثر كانت تعبر بصدق عن علاقتها الوثقى بواقع شعبها وامتها وبواقع الانسان المعاصر الذي تشرح لنا في محاضرات المناهج كيف دمرته حضارة الطغاة المادية، في نصوصها يتداخل الحزن بالفرح باللوعة بالالم منطلقة من تشبثها بالحلم طريقا لغذ افضل، وهي عبر تألقاتها الجمة وكل النجاحات التي احرزتها شديدة التواضع، بالغة الكرم والإيثار والحنان، راقية الخلق، سامية الروح مترفعة عن الذرائع والمكاسب بأنواعها عالمة باختصاصها، مفكرة ومهمومة بالانسان، شمولية الثقافة، بالغة الشفافية، محبة للفنون كافة، شديدة الحب لطلبتها وزملائها، لقد عرفتها مرات عن قرب مرة وهي تدرسني عبر المراحل الثلاث، ومرة وهي تشرف على رسالتي في الماجستير إذ عملت معي بمتابعة وحرص وعلمية، ومرة خامسة أثناء دراستي لشعرها في أطروحة دكتوراه وكنت أدهش دوما بطباعها الانسانية المتفردة، ولذلك كان فوزها بالوسام الاول على وزارة التعليم العالي بجامعاتها العريقة والاصيلة تجليا فذا لموضوعية وإنصاف لجان التحكيم في أسمى صورهما، بشرى البستاني الشاعرة والناقدة العراقية والدكتورة الاستاذة حائزة على ثمانية عشر شارةً ودرعا إبداعيا ووساما في التميز الابداعي وعلى أكثر من ستين شهادة تقديرية عراقية وعربية وعالمية لأعمالها وأنشطتها في ميادين مختلفة، ولها أكثر من خمس عشرة مجموعة شعرية في التفعيلة وقصيدة النثر والنص الطويل ومجموعة قصص قصيرة بعنوان هواتف الليل صادرة عن دار دجلة، عمان، وعشرة كتب نقدية وعشرة كتب اكاديمية مشتركة وأكثر من خمسين بحثا منشورا داخل العراق وخارجه، شاركت بعشرات المؤتمرات العراقية والعربية والعالمية وقد مثلت العراق في مؤتمرات عربية ودولية، وخرّجت – مشرفةً - خمسة وثلاثين من الطلبة في الدكتوراه والماجستير، وخرّجت أجيالا من الطلبة العراقيين والعرب وناقشت أكثر من مئة وخمسين رسالة وأطروحة داخل العراق وخارجه، وأسهمت في تحرير مجلات وصحف عدة، وما تزال عضوة استشارية في أكثر من مجلة محكمة، أشرفت على أعمال الشباب الإبداعية مدة عشرين عاما داخل الجامعة وطيلة مسيرتها خارجها، وهي رئيسة تحرير سلسلة (لأن) دراسات في اللغة والآدب والنقد التي تصدر عن مؤسسة السياب للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة في لندن، كما ترأس تحريرمجلة حروف الالكترونية، وقد صدر عن شعرها كتاب بالانكليزية عام 2009 عن دار ميلن برس الأمريكية بعنوان (شعر معاصر من العراق، لبشرى البستاني)، ترجمة الأكاديميتين د وفاء عبد اللطيف ود. سناء ظاهر، كما صدر عن شعرها كتب منها : سلطة الابداع الانثوي في الخطاب النسوي، شعربشرى البستاني نموذجا، للدكتور محمود خليف عن دار غيداء، عمان، وكتاب الحضور والغياب في شعر بشرى البستاني للد اخلاص محمود عبد الله، عن دار فضاءات بعمان، وينابيع النص وجماليات التشكيل، دراسات في شعر بشرى البستاني، مجموعة بحوث إعداد وتقديم د. خليل شكري، دار دجلة، عمان، وعن شعرها كتبت أطاريح دكتوراه ورسائل ماجستير في جامعات البصرة والموصل وديالى وتكريت وفي الجامعات الايرانية، ترجم شعرها للانكليزية والفرنسية والاسبانية، وسيبقى بصدقه ولغته المتوهجة ومضامينه الانسانية وحداثته المتفردة قبلة الدارسين وموئلا للحوار، لانه السفر الذي عبر عن حقبة مهمة من عذاب الانسان العراقي والعربي وعن معاناة الانسان المعاصر عموما بموهبة وصدق وثقافة أصيلة واقتدار . تحية للمبدعات العربيات بمبدعة اختصرت المثابرة منهجا والاخلاص طريقا والحب رؤية، والفن خلاصا، وهنيئا لنا طلبة وجيلا ومجتمعا بقدوة جليلة تعطي وتهب بلا حدود .

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2102 الخميس  26 / 04 / 2012)

في المثقف اليوم