أقلام حرة

قوانيننا وقوانينهم / امين يونس

حيث يُتيح القانون للسُلُطات، إقتطاع نسبة مُعينة من أموال المُخالف. ومن تداعيات هذا القانون الغريب، ان السيد (أنساي فانجوكي) مُدير شركة نوكيا الشهيرة، فوجئ في كانون الثاني سنة 2002 .. بِخطاب مُخالفة سُرعة يُطالبه بدفع (12.5) مليون دولار ! لقيادته دراجته النارية من طراز هارلي مُتجاوزاً السرعة القانونية المحددة . إستعان السيد فانجوكي، بِمُحامي، حيث نجح في تخفيض الغرامة الى 103 آلاف دولار ! .. وأعتقد انها الغرامة الأعلى في العالم، لِمُخالفة السُرعة ".

أرى ان هذا القانون الفنلندي، عادل ومنطقي .. إذ ليسَ من المعقول، أن يُغّرَم العامل المحدود الدخل، مِئتَي دولار مثلاً، والمليونير يُستوفى منه نفس المبلَغ، لمُخالفة مُشابهة . وهذا القانون يَحُد من " إستهتار " الأثرياء ويجعلهم حَذرين .. إذ ان مئة ألف دولار لِمخالفة تجاوز السرعة، تدفعهم للإلتزام وإحترام التعليمات أكثر !

وفي بعض الولايات الهندية، هنالك قانونٌ سارٍ منذ 1997، ينصُ على مُعاقبة الطالب الذي يغُشُ في الأمتحان، بالسجن لمدة تصل الى عشرة سنوات !! . والغاية من هذا القانون الهندي، هو " حماية التعليم والمؤسسات التعليمية، من الغشاشين الذين قد يتخرجوا وهُم غير مؤهلين، ويحرمون غيرهم من فُرص العمل " .

وهنالك قانون في سنغافورة منذ 1968، ينص على تغريم كُل مَنْ يرمي أية نفايات في الشارع او الأماكن العامة او السياحية، ألف دولار !! . ونتيجة هذا القانون القاسي، فأن سنغافورة ومنذ سنوات عديدة، من أنظف البُلدان في العالم .

....................................

ولأفسح المجال، أن يشطح بي الخيال .. وأحلم في عراقٍ، فيهِ قوانين مُشابهة .. وأن يُفّكر النواب بطريقة، تُنصِف الفقراء .. ويُشرِعوا قوانين لإقرار النزاهة والامانة، واُخرى تهتم بالبيئة والنظافة .

 والآن لايسعنا إلا الحلم والخيال والاُمنيات .. لأن الواقع بعيدٌ كُل البُعد عن طموحاتنا .. فالأثرياء والمسؤولون الكبار والقادة في العراق اليوم، ليسَ فقط مُتساوون مع البُسطاء والفقراء، مثلاً في غرامة تجاوز السُرعة (نظرياً) .. بل أنهم يسحقون القانون بأقدامهم، وهُم فوق القانون أساساً .. وحتى أبنائهم لايشملهم القانون أصلاً .. فتراهم يستهترون في الشوارع، بسياراتهم الفارهة، بدون أجازة سياقة وبسرعة جنونية، دون أن يحاسبهم أو يُغَرِمهم أحد .. والويل لسائقِ تكسي بسيط، لو وقف للحظات في مكانٍ ممنوع ! .

ومئات الموظفين الكبار، وحتى النواب وأعضاء مجالس المحافظات ورُبما بعض الوزراء .. عندنا،مُتهمون بالغش وتزوير الشهادات التي يَدّعون حيازتها، حسب هيئة النزاهة .. ومن المؤكَد ان آلافاً غيرهم غشاشون ولم يُعلَن عنهم بعد .. بينما الهند عالجتْ هذا الموضوع  مُسبقاً، بالقانون، وطبقته على الطلبة .. وأظهرتْ للمجتمع ان " الغّشاش " مكانه السجن، ولا يُسمَح له ان ينجح زوراً وان يتقدم لوظيفة لا يستحقها ! ..

"النظافة من الأيمان" .. هذه الجملة مُعَلَقة في آلاف الأماكن العامة والخاصة عندنا .. ولله الحمد، فان [الأيمان] مُنتشر بكثافة كبيرة "ومظاهر" الأيمان واضحة لكل ذي عينَين .. والى جانب، تقاعس وإهمال الحكومات عندنا، في تحقيق نظافة الشوارع والأماكن العامة .. فأننا نحن، أي المواطنين المؤمنين، نُوّسِخ كُل مكانٍ نحلُ بهِ !! .. وليسَ هنالك قانون مثل القانون السنغافوري، يردعنا ويوقفنا عند حَدِنا ! .

............................

عموماً ... حتى القوانين التي عندنا، على علاتها .. لايشمل تطبيقها: الزعماء والقواد والمسؤولين والأغنياء ... بل تُطبَق على الضعفاء والفقراء والمهمشين فقط .

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2103 الجمعة  27 / 04 / 2012)


في المثقف اليوم