أقلام حرة

طبيعة وتركيب الطبقة الكادحة في منطقتنا / عماد علي

وفق ابسط العوامل والمستندات والركائز التي انشات عليها،  ومن المتغيرات التي اثرت فيها والتحولات التي قلبتها احيانا راسا على العقب من حيث الظروف التي مرت بها، وجوهر حياة المنتمين لها عبر المراحل التاريخية المتعاقبة، وما واكبتها من التغييرات الاقتصادية والثقافية،  وما لحقتها من التخبطات وتوترات الاوضاع السياسية العامة منذ العقود وحتى الحقبات الغابرة . لا يمكن ان نتصور تشابه الظروف العامة والخاصة للطبقة الكادحة (بما فيها من اعناصر) بين جميع بقاع العالم بشكل مطلق، نظرا لاختلاف مسيرة حياة المجتمعات التي تنتمي اليها بشكل عام، وهذا الاختلاف او عدم التشابه والتطابق الذي يدعونا الى الابتعاد عن التفكير في دراسة هذه الطبقة بشكل عام بنظرة واحدة في العالم أجمع، والنقاط المشتركة الموجودة لا تفرض نفسها علينا كي نقيٌم ماهي عليه في العالم بتوجه وفكر ووسيلة واحدة . يمكن تعيين وبيان الحدود الطبقية بين الفئات والشرائح المنضوية تحت مظلة هذه الطبقة بشكل عام في موقع معين دون غيره او باختلاف جوانب معينة عن غيره، وعليه يمكن ان نتكلم عن الطبقة الكادحة من حيث الخطوط العامة دون الدخول في جميع مفاصلها وما تتركب منها، من اجل عدم تعميمها، او تحديد الطريق العام السليم ان اردنا تعميم الدراسة والتقيم والبحث كي يشمل هذه الطبقة في العالم اجمع . او ان كان الغرض من التقييم هو الكلام عن الطبقة الكادحة العالمية دون المس بالصفات والخصائص والمميزات المختلفة التي تتميز بها جانب معين او جزء او انتماء ما ضمن هذة الطبقة الشاملة التركيب . يمكن القول تاكيدا، ان اختلاف في مستوى التطور العام لحياة المنتمين بشكل منفصل في هذه الطبقة وفق النظم والقواعد التي تسير عليها البلدان، هوما فرض الاختلاف في ظروف المعيشة، وهذا يسمح لنا القول باننا يمكننا انطلاقا من هذه القاعدة ان نتعمق في وصفنا، ونعتقد بان من يُحسب على هذه الطبقة في منطقة ما لا يمكن ان يشابه او يوازي مثيله في مناطق اخرى في اية ناحية كانت . وعلى سبيل المثال لا الحصر، فان البطالة التي تعاني منها اغلب الدول، لا يمكن ان نقيٌمها ونشبٌهها ونحددها بنظرة واعتقاد والخصائص ذاتها، فمنها من يحصل على ما يمكنه من العيش بشكل ما وان كان يؤمٌن حياته بطريقة واخرى او بحالة ما، وفي اكثريتها مهلكة وغير مريحة ولا تتطابق مع متطلبات حياة الانسان، الا ان في مناطق اخرى لم تتمتع هذه الطبقة بذاتها باية وسيلة ضرورية كي تدبر بها على الاقل العيش البسيط فقط .

المتغيرات العالمية ذات تاثير واضح للعيان على هذه الطبقة، وان كانت بشكل غير مباشر، ويمكن ان تكون في بقعة ما دون غيرها، وعليه؛ يجب الولوج في بحث الاطر الضيقة للمساحة والطبيعة والشكل المعين لمن ينتمي حقا الى هذه الطبقة، والاجدر بنا ان يكون ميدان البحث والقراءة والاستدلال في منطقتنا، لاننا لا يمكن ان نخرج بشيء لو لم نتعايش الواقع المدروس، وبه يمكن ضمان النتيجة الصحيحة  المطلوبة .

الوعي والمستوى الثقافي العام مع المباديء الاساسية المعتمدة ومنها السائدة بشكل عفوي نتيجة تاثيرات حركة التاريخ وتراكماته، وهذا ما لا يدعنا ان نضع تعريفا شاملا واحدا ومعينا بشكل علمي مستندين على القواعد المنصوص عليها في التوجهات والنظريات اليسارية بشكل عام، وما يطبق من القوانين وان كانت منبثقة من الدساتير او كنتيجة طبيعية للعلاقات العامة وما تفرضه علاقات الانتاج ومستوى تطورها ودرجة تقدمها، وما يمكن ان يُرى معقدا في مضمونه، هو ما نتلسمه من التمازج والخلط الكبير بين الشرائح المتنوعة وما يمكن ان تسمى بالطبقة الكادحة هنا، ولا يمكن ان ننبس ببنت شفة بهذا الشان في مناطق اخرى في العالم. وعليه، لا يمكن التطرق لدور الطبقة العاملة التقليدية دون البحث في من يكون ضمن هذه الطبقة هنا، ولا يُعقل وفق القوانين وحتى المعتقدات والخصائص والمحددات اليسارية ان يُعتبر الفقراء المدقعين مشابهة او ضمن عناصر ومحتوى الطبقة الكادحة في العالم اجمع، هذا ان بحثنا هذه المسالة بشكل تجريدي مستندين على النصوص النظرية القحة فقط. وابسط الاسباب لما ذكرناه سابقا لو اتخذناه حجة لما نعتقده هو؛ معيار الدخل الخاص للفرد في شريحة معينة الذب لا يمكن تعميمه ولا يمكن ضمه اصلا في بعض المناطق الى الطبقة الكادحة ابدا،  لانه اي دخل الفرد اكثر، او في بقعة اخرى اقل بكثير، بحيث لا يمكن ان يُدخل ضمن سلسلة مكونات هذه الطبقة، وخاصة من هم تحت مستوى الفقر المدقع، وهي من الشرائح التي تُحتسب ايضا خارج الطبقة التي تعيش ضمن الطبقة العاملة او الكادحة . لو قورنت جميع العناصر باقرانها في البقاع المختلفة في العالم لا يمكن ان نجد تعريفا ووصفا وتسمية دقيقة لبعض العناصر، والتي لا يمكن ضمها لاية شريحة او طبقة لحد الان .

العامل الهام في تحديد الانتماء للطبقة الكادحة هو الانتماء العقلي والفكري والاعتقادي لما تحدده متطلبات ومصالح الطبقة، اوعلى الاقل يجب التفكير والعمل  لمصالح الطبقة على الرغم من الاعتقادات الاخرى التي يحملها العنصر ومنها مناقضة بشكل صريح لما تتسم به الطبقة، او عدم الانتماء لفكر وعقيدة وتوجه وعقلية مناقضة تماما ومخالفة للسمات العامة وما تتميز بها الطبقة الكادحة، وعدم تفضيل ما يمنع الاحساس بالانتماء والتعايش ضمن تلك الاطر الطبيعية للطبقة الكادحة . على العكس من ذلك تمام، في هذه المنطقة التي نحن بصددها، اننا نجد اكبر نسبة من هذه العناصر التي يُفترض ان تكون ضمن هذه الطبقة يؤمنون بما لا يتناسب مع بدائيات الانتماء العفوي لهذه الطبقة، لا بل يحسون وينتمون بالعمق لافكار مناقضة وعكس ما تفرضه مقتضيات هذه الطبقة بشكل واضح، وهم متعلقين بالاضداد ايضا وبما تفرضه الماوراء الطبيعة وفي اكثر الاحيان مضحين من اجلها بكل ما لديهم. فهل من احد منا يمكنه ان ينكر الانتماء القومي او الوطني او الديني او القبلي او العائلي او العشائري المسيطر على الطبقة الكادحة عندنا والمعروفة بالطبقة العاملة بشكل خاص في العالم، من حيث ظروف العمل والعقلية والفكر والانتماء طبعا، دون معرفة الحقيقة لحد اليوم .

اما ما نلمسه على ارض الواقع، وما وصلتنا اليه التطورات الملحوظة في الاتصالات والتقدم التقني الذي غيرفعلا  معنى ومضمون واهداف وطبيعة هذه الطبقة في العالم بشكل عام، وتاثرت بها منطقتنا بشكل خاص وبطفرة ملحوظة ( مظهريا فقط) لاسباب قد فرضت الحال على هذه المنطقة دون غيرها في العالم المتقدم اصلا، ولربما لاسباب سياسية قحة، على الرغم من عدم نضوج واكتمال مرحلة الانتماء والوصول الى حال التي يمكن وصفها بحالات شاذة فقط،بينما تظهربسمات الطبقة الكادحة الحقيقية من حيث الفكر والعمل على ارض الواقع. اي هذا التطور التكنولوجي فرض على الجميع ومن ضمنهم الطبقة العاملة او الكادحة تجاوز المرحلة بشكل سريع وبنسب كبيرة جدا، وهذا ما غيٌر مجريات وتسلسل المراحل التاريخية، وهذا ما يتطلب البحث والتدقيق لبيان ما يمكن ان توصف به الطبقة الكادحة في الشرق الاوسط بشكل خاص، لتوضيح الامر وتسليط الضوء على السمات التي تتميز بها هذه الطبقة هنا دون غيرها، وهنا بالذات، لم تؤثر هذه التطورات على الطبقة الكادحة بشكل جذري وعميق، كماهو غيرها كمٌا، بل احدثت تغييرات معينة في النوعية والطبيعة ومضمون ومحتوى الطبقة من بعض الجوانب . فلم يبق لهذه الطبقة معيارا عموميا خاصا لقياس عملية الانتاج بعد تنامي وتفوق دور الشرائح الاجتماعية وحتى الثقافية والمعرفية الاخرى، من حيث جوهر العملية والمعادلات التي استندت عليها اليسارية في تاريخها . عدا ما تفرضه البطالة والبطالة المقنعة من الامور التي تفرض قياسات جديدة عند البحث في مسيرة الطبقة الكادحة في هذا العصر وفي هذه المنطقة بالذات، ان لم نخض في كيفية ايجاد المنافذ المناسبة للخروج من الازمات ولازاحة العوائق امام عمل قافلة هذه الطبقة والتي تختلف شكلا وتركيبا عن المناطق الاخرى في العالم .

هذا هو التخبط الواضح في توصيف الانتماء الى الطبقة الكادحة، الذي يفرض نفسه على المنتمين وحياتهم وانتماءاتهم السياسية، لذا ليس بعجيب ان نجد اكبر كمية او نسبة ممن يحتسبون على هذه الطبقة ظاهرا وهم منتمون اصلا وحقيقة لقوى وتيارات تخالف اصلا اعتقاداتهم مصالحهم، لو استندنا عند تقييمنا لهذه الطبقة على ماهية الطبقة الكادحة الحقيقية وبشكل علمي صريح، وعلى غير ما يمكن ان يكونوا عليه كما هو الحال، فهم مرتاحوا البال والضمير والعقلية ولم يشكٌوا ولو بلحظة بانهم سائرون على التوجه والانتماء الخاطيء.

 اذا استثنينا تاثيرات الثقافة العامة، فهل من المعقول ان ينتمي الكادح او العامل لفكر وعقيدة  جل عمله وتوجهاته يقف ضد اهداف ومصالح المنتمي اليه بذاته، سواء علم او لم يعلم ما هو فيه، هذا ما يحدث هنا، وهذا ما يفرض علينا ان نعتقد، بانه ليس هناك تعريف مناسب لمثل هذا النوع من ما يمكن ان نسميه الكادح وفق النظم والقوانين المعتمدة في النظام اليساري الحقيقي .

استنادا على ما سبق، ايمانا منا باحقية الطبقة الكادحة في نيل مبتغاه بشكل يليق به مهما كان سائرا في التوجه الخاطيء، فاننا متشائمون في هذا الامر، لما نراه على ارض الواقع من الطبيعة والعقلية والثقافة والعمل والانتماء والتضحيات في الجانب الخاطيء، وهذا ما يتطلب تصحيح المسار العام  بطريقة ما، انا لا اعرف الطريقة والكيفية للحل في ظل ما اقراه من الوضع العام وحال هذه الطبقة . وربما نعتقد بحصول القفزات عندما يطغي التطور التكنولوجي على تفاصيل وثنايا ومميزات حياة هذه الطبقة بشكل كامل ولم تبق من الصفات التي نراها اليوم . حينئذ، يمكن ان نقترب من مقارنتها باقرانها وسماتهم في كافة مناطق العالم، والا لم نلمس ما يمكن تحديد اطاره وشكله بما يناسب هذه الطبقة ومصالحهم، والدليل القاطع في هذا العصر هو الثورات العربية التي لم تحقق الاهداف التي تقع لصالح هذه الطبقة وان كانت هي الوقود الخاص والشرارة والقوة الرئيسية التي تقدم واستهل وضحى من اجل نجاح الثورات .

ان اعتمدنا على التاريخ وفرضنا قليلا من التفاؤل على الذات، وان تعمقنا فيما اقدمت الطبقة الكادحة عليه عبر الحقبات والعصور المنصرمة، نكشف ولو بنسبة ضئيلة بان الطبقة الكادحة في منطقتنا تحمل من القوة وتتسم من الصفات يمكنها الخروج من الاوحال كثيرا، وهي القادرة على تجسيد الارضية للوصول الى الواقع الطبيعي لها، انها تمتلك من الارادة لتمكنها من اخراج وخلق النور من عتمة الظلمة وتسوتلد الامل من رحم المآسي  والويلات والظروف غير المهيئة لتحقيق الاهداف، وانها الطبقة التي تخطف الحياة من وحل الموت . 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2103 الجمعة  27 / 04 / 2012)


في المثقف اليوم