أقلام حرة

الوضع العراقي بحاجة الى الحلول الجذرية / عماد علي

ولم تكن هذه العملية القيصرية التي اجبرت الدول المستعمِرة اللجوء اليها باسترضاء ابناء الشعب الذي يهمهم الامر، ولم يؤخذ برايهم بشكل صريح ومباشر باي شكل  لكي يقرروا ما يؤمنون به بقناعة تامة، وعلاوة على ذلك نُصب من ليس من رحم اي مكون منهم ملِكا عليهم، والهدف هو ضمان بقاءه خادما مطيعا منفذا لمصالح المستعمِر بعد جلائه كما حدث فعلا لمدة طويلة . والمشاكل والتعقيدات والاحتكاكات والحروب المتكررة التي واجهت هذا الشعب وحاله المعروفة هي من نتاج ابعاد وتداعيات ومقتضيات تركيبته الموزائيكية وتنوعه القومي والديني والمذهبي غير المنسجم اصلا، وليس كما يقال في المزايدات السياسية من عكس ذلك تماما، ولغرض ذاتي وكما هو مبيت في نفس يعقوب وليس خدمة الشعب ومستقبله . وحتى اعترف بهذه المواصفات ملكه المنصٌب واعتبر ماموجود في العراق ليس شعبا وانما مجموعات ومكونات وقبائل وتجمعات كما هو المعلوم لدى الجميع، نتيجة ظروفه الاجتماعية والعلاقات التي تربط مكوناته، اي انه اعلن بصراحة بان المجتمع لم يصل الى تكوين بمميزات يمكن اعتباره شعبا متكامل الجوانب من حيث الشكل والمضمون، وهذا صريح وصحيح، وكان محقاو معبٌرا بصدق عما كان يراه ويقيٌمه بوضوح، ولم يتغير الواقع الموجود لحد اليوم بطبيعة الحال، وانما تقدم خطوات في مراحل معينة وتخلٌف خطوات اكثر في مراحل كثيرة من تاريخه، وقلَ من تكلم وتجرا ويتجرا من القادة بهذا النوع الحقيقي الواقعي من الكلام، وخاصة من هم على سدة الحكم، وليس لخطء في هذا الوصف وانما لاسباب سياسية مصلحية بحتة يتمسك بها قادة اليوم .  لذا، ان كنا واقعيين ونقيٌم حال العراق الان مستندين على افرازات وتراكمات التاريخ وتاثيراته، ومن اجل بيان الحقيقة باخلاص لجميع مكونات شعبه، وان كنا لا يهمنا غير الاستقرار والتقدم ومصالح مكوناته، وهدفنا الاسمى هو خدمة اجياله القادمة لمنع مروره بتلك الظروف القاسية المريرة، ولضمان نسبة مقنعة من حياتهم ومستقبلهم، فكل ما ننويه هو طرح الحل الجذري لبناء السدود المطلوبة امام تكرار المآسي ومشاكل شعوب العراق نهائيا وقاطعا، دون ترقيع هنا وهناك . فلابد من طرح وتوضيح ماهي الطريق والاسس اللازمة للحلول الجذرية البعيدة عن المصالح المختلفة والمزايدات السياسية وسبل منع التدخلات الاقليمية والعالمية التي لا خير فيها بتاتا . كما نعلم اننا لم نصل لمرحلة ان نعتقد باننا قادرون على ارساء ارضية رصينة لبناء صفة المواطنة وابعادها المعتمدة على المساواة والعدالة الاجتماعية البعيدة عن جزء سيد واخر مسيود، فلابد من عمليات قيصرية متعددة مضادة لما اجريت منذ عقود، وتكون معتمدة على العقليات المتنورة وبشجاعة فائقة  من قبل اطباء سياسيين لا يهمهم سوى مستقبل هذا البلد وراحة شعوبه وضمان معيشة ابناءه ومستقبلهم، من دون مسكٌنات مؤقتة متتالية كما سرنا عليه دائما خلال العقود الماضية،و هذا اجبرنا الى ما وصلنا اليه اليوم ايضا. تكررت الاخطاء واعاد التاريخ نفسه لمرات وذاق الشعب مرارة ما حل به باستمرارنفرض عليه نفسة وثقافة جعله في حال دون ان يؤمن بمستقبل مريح وضمان له، وليست الخطابات والوعاظ الصادرة من العديد من اصحاب القرار والمصالح الا انها تنبعث من زوايا ضيقة ومن اجل اهداف ومصالح ومواضيع معينة ليس الا . هذا الكلام لا ينطبق على العراق لوحده فقط وانما يشمل اغلب دون المنطقة .

ان تعمقنا فيما نريد طرحه هنا وبعد التوغل في ثنايا التاريخ لبيان مسيرة الدولة العراقية والمحطات التي مرت بهاو المشاكل العويصة والقضايا المعقدة التي يعاني منها هذا البلد، تواجَهنا  مع مجموعة من الحلول الناقصة التي طرحت لكل مرحلة، وجميعها منسقة ومبنية على الظروف والاوضاع المرحلية التي مرَ بها العراق فيه، ولم نجد الحلول الاستراتيجية وفق خطط وبرامج مستندة على العوامل المؤدية الى التغيير الجذري في المسار وقطع الطريق  امام تكرار الحالات والحوادث وبروز المشاكل من جديد، خطة متناهية الدقة لقطع دابر المشاكل نهائيا. اي اننا واجهنا حلولا قصيرة المدى وجميعها كانت حلول ترقيعية مرحلية اجبرتها المضايقات والظروف السياسية او العسكرية او فرضتها الظروف الموضوعية احيانا والذاتية في اكثر الاحيان .

لو كنا مصرين على الكلام والطرح بصراحة ومن غير مجاملات التي لا تحمل اي حل ولو مؤقت، وبعيدا عن اية خلفية، داعين للخير الكامل وهدفنا الاسمى هو ما يهم الانسان والانسانية  للشعب العراقي بكافة مشاربهم، بعيدا عن التوجهات والنظرات والافكار والاعتقادات المتنوعة الضيقة، والتي ازدادت نسبها بعد تحرير العراق، وواستوردت الينا من كل حدب وصوب، ان كنا معتمدين فقط على العقلانية والواقعية والانسانية في فكرنا وتعاملنا، هادفين الى تقدم هذا البلد كما تهمنا مصلحته ومن اجل ضمان العدالة الاجتماعية والامان والسلام والاستقرار وتحقيق اهدافه، وان نتنعم بالحرية غير نافين للاخر، بعيدا عن الحزبية والعقيدية والايديولوجية المقيتة التي تدفعنا في اكثرالاحيان الى عكس الما يضمن مصالح العامة، لابد ان نعلن الخطوات العملية الواقعية الممكنة التطبيق والتي تعتبر الحل الجذري النهائي وليس المرحلي، ويجب ان نكون متاكدين من عدم بروز الاشكاليات المانعة لسير الخطوات او اي احتمال يغيٌر او يعكس سير مجرى الحلول عند المرور باية محطة .

بعيدا عن العاطفة والمصالح والمثالية في الكلام التي لا يفيدنا ابدا، وخاصة في هذه المرحلة المفصلية الحساسة الخطرة، والتي تعتبر مفترق طرق لاختيار المسار السليم الصحيح المناسب لحل ما نحن عالقين فيه منذ عقود. بعد القراءة المتعددة والمتانية والمتعمقة لتاريخ العراق وظروفه الاجتماعية الثقافية وانتماءاته المختلفة والافكار  والعقائد المسيطرة على شعبه ووعيهم، وبعد هذا التاريخ المضطرب من التعايش، مرات ضامن بسلام احيانا، وان تخللته الحروب والمآسي احيانا اخرى، نحصل على نتيجة صريحة بانه كان تعايشا مفروضا فوقيا سواء نتيجة خوف او ظروف متعددة فرضت السلام الهش على هذا الشعب حقا، دون انسجام او تجانس ذاتي، ودون تقدم ولو لخطوة واحدة نحو ترسيخ ارضية المواطنة الحقيقية لجميع المكونات التي تشكل الشعوب العراقية، وكانت هذه التوجهات والاعمال نتيجة دوافع وظروف واسباب قاهرة  فرضتها تراكمات التاريخ ومسيرة حياة المجتمع والكلتور الذي فرض نفسه، وهذا لا ينطبق على العراق لوحده وانما على غالبية الدول المشابهة للعراق والتي تعاني من ما يمكن ان نسميه بالامراض بشكل نسبي تقريبا.

السؤال المهم  اليوم،و نحن في مرحلة لا تشبه لحد هذه اللحظة ما مرينا بها من قبل في كثير من الحالات والجوانب، وعندما بادر هذا الشعب من الخلاص من الدكتاتورية بتدخل خارجي كما بنيت الدولة بتدخل خارجي ايضا، وبعد ان بادر هذا الشعب في بناء خطوة ما نحو الاستماع الى الراي الاخر دون قبوله لحد اليوم، وبعد ان اعيد الحق الى المكون المغبون منذ مدة وهو الاكثرية التي يستحق السلطة الان،  ووصل اليها في العراق اليوم بعد ماساة طويلة، فهل يمكن ان نتظر ان يعيد هذا المعتلي على السلطة خطا الاخر المسيطر الذي كان منذ عقود يسحقه ويمارس الاعتداء والظلم بحق من ظلمه من المكون من قبل، او ضد من كان شريكا له في التظلم، ام يستهل مهامه الرئيسي في اعادة الحقوق كاملة لاصحابها وليس لوحده فقط، هل يتوجه نحو الطريق المسالم ويبدا بمبادرة جريئة عاقلة في الاشراف وتفعيل وتحقيق عملية جراحية سياسية اجتماعية جذرية، وهي خطوة ابداعية في ايجاد الحل النهائي للقضايا التاريخية الشائكة المعقدة، التي لا تُحل الا باستئصالها قطعيا، وكما يعاني منه الشعب الكوردي منذ عقود . وبه يكون نموذجا حيا وعصريا يُحتذى به من الاخرين ويكون في طليعة من يُقدِم على الافعال الخيرة ويقدٌم درسا للمنطقة جميعا، ام يخيب ظن من يؤمن به وليس بمقدوره الابداع من اجل الخدمة الانسانية قبل اي شيء اخر، وكل ما يقدر عليه هو الاقتداء بالاخرين  ومن كان قبله مهما كانت افعالهم وتوجهاتهم وحلولهم الناقصة وافكارهم واعتقاداتهم وسايسياتهم الخاطئة ولا يمكنه الخروج من دائرة الحلول الترقيعية الناقصة المعيدة للماسي والدافعة لبروز المشاكل مرات ومرات،، ولم يبق للشعب  الا دفع ضرائب اخطاء الاخرين وهم يكررونها دوما، من دون الاهتمام بالامور الخاصة وفق العقول والابداعات التي هي من منبع العراق وبلاد ما بين النهرين، والتي يشهد لها الجميع . ان المتغيرات العصرية التي فرضت نفسها  ليس لها مثيل في التاريخ ولم نجد سابقا ما يؤثر فينا بشكل مباشر كما هو اليوم، وفي المقابل تفرض الخصوصية نفسها بشكل واخر، نتيجة الاحتكاكات من جانب، والتواصل والتماس من جانب اخر . خير قائد هو من ابدع وغير مجرى التاريخ نحو الاحسن، والفرصة اتية ان تقدم مَن كان له الامكانية والجراة والشخصية العالمية .

من المؤسف ان اقول انني متشائم، لانني كلما اتفائل بحلول ومبادرات تعلن هنا وهناك اتاكد بعد أوان  بان ما تسمى بالمشاريع والحلول على الورق ليس الا لاهداف ومصالح انية نابعة من مقتضيات المصالح الحزبية العقيدية الضيقة، وكما يمر علينا في هذه الايام ما نتلمسه في كل من يتبارى الى اعلان ما لديه من الخطوات والبنود للخروج من النفق، وبعد ذلك وبعدما نتطلع على التفاصيل اننا نكتشف بانها نظرات مصابة بقصر النظر لم تحتو  الا على تلميع وترصيف الكلمات لتلك الاهداف التي تعبر عن مساحة حزبية شخصية منطقية عقيدية ضيقة فقط، والتي يُراد بها انتهاز الفرصة المتاحة بعد تضخم المشاكل وبروز الخلافات المتكررة من اجل الحصول على نتيجة من تلك المعادلة لكي تقع لصالح تلك الاهداف الضيقة فقط .

و لهذا، لا يؤمن الشعب العراقي بجيمع مكوناته بمن فيهم المنفتحين على الاخر والمتفائلين دائما بامكانية ايجاد نهاية متنورة للنفق المظلم من المبادرات المختلفة والتحليلات واللقاءات المتعددة للقادة، ناهيك عن الكم الهائل من التصريحات الاعلامية والبالونات السياسية والتحليلات المظهرية السطحية الخفيفة الشان، وبعض من الكلام النابع من العبثية التي يعيشها بعض ممن يقتاتون على الفتات من على ابواب اصحاب الاموال والقرار، ولا يهمهم الا بطونهم ويومهم فقط، وهو ما يؤثر بشكل او اخر على التوجهات والقرارات الحاسمة الخطرة للقادة، لانهم ايضا بشر وتؤثر فيهم العواطف والكلام وانهم من رحم هذه الثقافة والمعرفة والحياة الاجتماعية والظروف العامة والمستوى الثقافي والوعي العام والكلتور الخاص بهذا الشعب  .

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2104 السبت  28 / 04 / 2012)


في المثقف اليوم