أقلام حرة

التخوف من مصير ثورات العصر له مبرراته / عماد علي

ولم تختفي سعير نار بعض منها لحد الان، وكذلك لم تخمد منها بعد  بعدما استئصلت الدكتاتوريات ايضا، ولم تصل بعض منها الى ما كان منتظرا منها ايضا، على الرغم من وضوح وسطوع بريق اللمحات القُطرية الخاصة بثورة كل بلد والتي تستند على التاريخ والثقافة والوضع الاجتماعي الاقتصادي والوعي العام لشعب كل منهم . يمكن ان نسمي هذه الثورات بمسميات مختلفة، الا اننا لا يمكن  ان لا نصنفها ضمن لائحة الثورات الاصيلة النابعة من رحم الشعوب ، وان ازدادت التدخلات في ثناياها من قبل الايدي الخارجية المختلفة والطامعة السيطرة على شؤون هذه الشعوب بطرق واشكال متعددة  ولاغراض ومصالح مختلفة . الاطار العام لكل ثورة وابعادها وما انبثق منها او ما افرز لنا، يعكس لنا جوهر كل مجتمع وتوجهاته ومستواه وخصائصه العامة وطبيعة مجتمعه، ان ما نلمسه من الشكليات والمظهريات سواء في الفكر والعقيدة وما ارغم المجتمع على التوجه ليس من ولادة التركيبة العامة للمجتمع بذاته بقدر ما فرض عليه عبر التاريخ ودون وجه حق وانما بقوة السيف، او بالترغيب والخدع والحيل الكثيرة ، وهذه تظهر للمتابع بشكل جلي وواضح بانها مزايا سطحية ومن نتاج الاغبرة والمتراكمات الناتجة من جراء الغزوات والاحتلالات التي تعرضت لها هذه المناطق من الشرق والغرب، واثرت عليها كافة الفلسفات بلا استثناء . وان ما نحن متاكدون منه انه بمجر بمخاض بسيط لحركة التاريخ الساري بسرعة وما تفرضه الاصالة من الصفات والعقليات ستنفض ما تجمعت من ما لم يتوافق مع متطلبات المجتمع وعقلياتهم وما يعارضه ما حملته لهم حضاراتهم العريقة .

باعادة النظر في كل ما يجري وتداول القضية مع الذات وعلى عكس ما يفرضه الواقع، وباالتعمق في التمييز بين الاصيل والحقيقي مع المزيف، وبقراءة ما فرضت فوقيا بقوة كانت او بالحيل والخداع واشهار السيف، يمكننا ان نبحث واقع ما حلت بالمنطقة وما توجهت اليه هذه البلدان وما يمكن ان تصل اليه ايضا بعد تلك الثورات وما يمكن ان نستقراه ويمكن ان نتوقعه في نهاية المطاف بشكل حتمي،كي نكشف ما تحمله لنا المراحل المقبلة من حياة شعوب هذه المنطقة .

لو نستجمع النقاط المشتركة من كافة الجوانب بين البلدان الثائرة ، وان كانت باختلافات بسيطة هنا وهناك، اننا نتاكد من امتلاك بلدان المنطقة لحضارات يشهد لها التاريخ وهي تفرض نفسها بان يحسب لها الحسابات الدقيقة من كافة النواحي، وان كانت هناك محاولات شتى لطمسها نتيجة تعارضها مع الاحتلالات والغزوات الفكرية العقيدية المختلفة بشكل عام والدينية بشكل خاص، والتي تعرضت لها المنطقة في حقبات مختلفة من تاريخها، والتي كانت اتية اليها من خارج حدودها.  ان ما نحن متيقنون منه فان عراقة هذه البلدان لا يمكن ان تسمح الى النهاية بان تخطف منها منجزاتها ومنها الثورات من قبل من يحمل افكار غريبة عنها من الدخلاء ، ولو قورن بشكل واسع وبعمق تاريخ كل بلد قبل وبعد ما وصلت اليه الافكار والعقائد الغريبة عنه بالترهيب والترغيب والنابعة من عمق الفكر والعقلية البدوية الصحراوية ومن عقليات غير حاملة للافق الواسع للسمات الانسانية والثقافة والمعرفة التقدمية التي وصلت اليها البشرية في العديد من بقاع العالم، اننا يمكن ان نقول انهاكانت مرحلة مشؤومة بشكل كبير، فاننا يمكن ان ننتظر النتيجة الصحيحة والملائمة للعصر في نهاية الامر .

الى ماذا تؤول الاوضاع الراهنة، من يمتلك الحق في قيادة وادارة الثورات، تحدث ثورات مضادة او مضللة، تخطف الثورات او تسرق في لحظة ما، تكون النتيجة النهائية للثورات عكس ما اندلعت من اجله، تكتمل الثورات بمراحل متعاقبة متعددة ومتتالية او بفترات متقاطقة حسب ظروف كل بلد من حيث المراحل الزمنية اتسمت بمزايا معينة، من يقطف الثمرة في النهاية، كل هذه التساؤلات تجول وتصول في خلد كل متابع جدي لمصير هذه الشعوب والمتابع لمجريات الثورات وما وصلت اليه . وانه لامر طبيعي ان تاتي بعض تلك الثورات في مراحل معينة منها بنتاج ووقائع مرحلية سيئة او عكس ما كان المنتظر منها، الا ان حركة التاريخ الاصيل التي تتصف به المنطقة والاندفاع الكبير للشعوب وتصميمهم على عدم الاستسلام لكل طاريء غير مرحب به في اية لحظة ، يجعل منا ان نتفائل في الوصول الى النهاية العملية بسلام وصحة ، وما يمكن ان تستقر عليه هذه الثورات في هذه البلدان الاصيلة وهم اصحاب الحضارات العريقة التي يشهد لها الجميع، في النهاية، على العكس من الاخريات التي لم تتحرك ساكنات نتيجة مستواهم ووعيهم العام المعلوم وثقافاتهم التي لم تخولهم لحد الان التحرك من اجل مواكبة التاريخ والتقدم وما تتطلبه العقلية الانسانية المتحضرة والحداثة والتطور الاجتماعي الفكري الثقافي  المصاحب لمختلف التطورات التي يشهده العالم، وهذا لا يعني انهم يبقون مطموسين في الوحل الى الابد بل ستنضج المرحلة التي تدفع بهم وستصل ظروفهم الموضوعية والذاتية لحال تجبرهم على التحرك ولا يمكن لهم ان يبقوا على ماهم عليه الى الابد، ولن تتمكن اية قوة امامهم لتصدهم ، على الرغم من استغلال قادتهم التخلف والجهل المتفشي في بلدانهم من اجل مصالحهم في كل الاوقات والازمنة كما نعلمه لحد اليوم .

لذا، ان كان التخوف من ما تقع فيه هذه الثورات محقة وله مببراته العديدة، فان وقوع ثورة بلد ما في مطبة في مرحلة ما لامر طبيعي، الا ان سعة التحرك المدفوع جراء الوعي العام والمعادلات العامة للعلاقات المختلفة في العصر الحديث كفيل لايصال القافلة عبر المراحل المتتالية نحو المحطة النهائية التي تكون لصالح الانسانية والتطور البشري بشكل عام . فازالة وخلع الدكتاتوريات وتوفير الحريات وسلاسة التحركات وعزم الشعوب لم ينتج الا الصحيح ، وسياتي الدور المقبل على الشيوخ والملوك التي نفذت مدة صلاحياتهم الزمنية والفكرية والعقيدية، غير ان من الظروف المعينة الموجودة والدوافع الضيقة المتاحة من القوانين الحياتية والاعتقادات الانسانية التي مرت عليها الزمن ايضا، والتي تفرضها نفس البشرية الامرة بالنرجسية والانانية هي التي تفرض لحد الساعة بقاء هؤلاء، الا انه ستسيطر العقلية الملائمة في لحظة ما لتنقلب الوضع على من يتمسك به بالقوة وما لديه من الاسباب ، من المال والجهل والتخلف وتقبل العبودية التي هي السلاح بيد المتسلطين دائما وتحميهم وابقتهم لحد الان كسد منيع امام التغييرات المنتظرة. والعبودية هي التي دائما تحمي الجلاد وتسد الطريق امام التحرر الذي يُبنى دائما مستندا على اعمدة ثابتة من العلم والمعرفة وحماية المظلومين وتوفير فرص المساواة والعدالة الاجتماعية .

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2109 الخميس  03 / 05 / 2012)


في المثقف اليوم