أقلام حرة

مفهوم الدولة في الفكر الكوردستاني / سامان سوراني

والعلاقة بين السلطة والمجتمع يجب أن تكون قائمة عل? القناعة والثقة والتفاعل الإيجابي الحر من أجل توفير الشفافية والمؤسسية والقانون. فالعمل من أجل إبعاد حال اللامبالاة والتهميش من نفوس الناس وزرع الأمل في بصائرهم ينّمي الإدراك بأن التحول والرُقي ممكن وواقعي.

الدولة المدنية القائمة عل? مبادئ القانون وخاصة في مجال السياسة والاجتماع والاقتصاد تنجح من الناحية الإدارية. فالتشريعات العصرية تستطيع حماية وتنظيم وتطوير حياة أفراد المجتمع، ففي ظلها يشعر الفرد بالأمان في تعاملاته اليومية داخل إطار المجتمع. أما ضمان سيادة القانون فهي الأداة الحتمية لحرية الفرد والقاعدة الشرعية لممارسة السلطة وفلسفة المداولة في حياة الدول أمر ضروري فبدونها يغيب معن? الدولة. إذن (المداولة) هي روح الدولة وعمودها الفقري.

في إقليم كوردستان العراق هناك سعي متواصل من أجل الاستفادة من تجارب الأمم لوضع لبنات جديدة لعقد اجتماعي جديد يفسح المجال أمام شعوب كوردستان في بناء دولة المواطنة الحقّة.

فإذا أمعنا النظر في مسودة دستور كوردستان العراق، التي هي حسب رأي الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس عند طرحه فكرة "المواطنة الدستورية" أساس الدولة المدنية وأول مقومة من مقوماتها، نر? بأن مضامينها تؤكد عل? عصمة الانتخابات في العملية السياسية وتحدد مهام ومسؤوليات الرئاسات الثلاثة. وهناك عمل دؤوب في سبيل تدرج القواعد القانونية، بدأً من القاعدة الدستورية وإنتهاءاً ال? القرار الفردي الصادر من سلطة ادارية دنيا وهكذا تتقيد القاعدة القانونية الدنيا بالقاعدة العليا من دون تعارض. أما السلطة فهي في طريقها ال? الخضوع التام للقانون، لكي لا تتخذ بدورها إجراءً أو قراراً إداريا أو عملاً مادياً إلا بمقتضى القانون. وهناك اعتراف بالحقوق والحريات الفردية، فهذا الاعتراف هو ضمان لتمتع الأفراد بحرياتهم العامة وحقوقهم الفردية. إن مبدأ فصل السلطات في الاقليم هو السند المتين لمنع ظهور الاستبداد وضمانة أساسية وفعالة لحماية حقوق الافراد وحرياتهم وخضوع الدولة نفسها للقانون. وبفضل الرقابة القضائية القائمة عل? نظم قانونية معاصرة تعط? للأفراد سلاح يستطيعون بمقتضاه اللجوء ال? جهة مستقلة لإلغاء أو تعديل إجراءات متخذة من قبل السلطة العامة المخالفة للقواعد القانونية النافذة. وفي الاقليم نر? بأن الح?ومة قطعت أشواطا نحو تطبيق النظام الديمقراطي، فللمواطنين الحق في اختيار حا?مهم أو عزله عن طريق عدم انتخابه، تلك هي مقومات وضمانات الدولة المدنية المعاصرة. أما الاستقرار الأمني فهو السبب الرئيسي في الازدهار الاقتصادي في كوردستان. وما يفرحنا هو جدية الح?ومة الجديدة في أعطاء دور أكبر للنخب المتعلمة في معاهد وجامعات الدول المتقدمة للتأثير في عملية انتقال القيم والمعايير، وفي تطبيق سياسة قلع جذور البيروقراطية الإدارية والفساد المالي والإداري، التي إن بقت تبق? عائقا أمام عملية التقدم والازدهار.

فمن الضروري التأكيد عل? أن مفهوم الدَّولة في الفكر الكوردستاني تعدّ اليوم تجسيداً لإرادة المواطنين في إطار متساوٍ من الحقوق والواجبات، أساسه العدالة الاجتماعية والسياسية.

ومن الواضح بأن اقليم كوردستان أمام تحديات آنية ومستقبلية أ?ثر تعقيدا من تحديات الماضي، لأن العصر الذي نلج فيه، ?ما يراه بعض الفلاسفة لا يبقي شيئا كما هو عليه، لا الدين ولا الحداثة، لا المجتمع ولا الدولة، لا الاصولي ولا العلماني، لا الإسلامي ولا اليساري، لا الداعية ولا المثقف ولا يم?ن البقاء بعيدا عن ثورة العلم والتكنولوجيا والاتصال والمعلوماتية والديمقراطية وحقوق الإنسان. فكل شيء، أكان ذاتا أم فعلا، يحتاج في مفهومه ومعناه ال? أن يوضع عل? طاولة الدرس والتشريح، من أجل إعادة التجميع والتركيب أو التوظيف والتشغيل. وبوجود مبعوثين ودبلوماسيين لأ?ثر من عشرين دولة في الاقليم بالإضافة ال? المستثمرين الكبار بجنسيات مختلفة لا نر? الفصل الكبير بين الداخل والخارج ومن البديهي بأن العولمة الزاحفة لن تترك أحدا خارجها إلا للتهميش.

إذن ما نستنتجه هو أنّ مفهوم الدولة قد تبلور في اقليم كوردستان بعد استناده ال? تداول السلطة والمساهمة الفعالة في التنمية بفعل ممارسة الحكم الرشيد والانفتاح على التواصل الإنساني الدولي.

وختاماً نقول: "من يقف ضد مفهوم الدولة في الفكر الكوردستاني يفتقر ال? المصداقية والمشروعية والفاعلية في ما يرفعه من الشعارات، إذ هو لا يحسن سو? طعن الديمقراطية ولا ينجح في الاسهام الايجابي في الحداثة، فضلاً عن كونه أبعد ما يكون عن العالمية."

 

د. سامان سوراني

في المثقف اليوم