أقلام حرة

غرابة الحياة / امين يونس

تَقّرَبَ من أحد رِجال الاعمال المعروفين في الثمانينيات .. وبطريقةٍ من الطُرُق إكتسبَ ثقة رجل الاعمال وأصبحَ ساعدهُ الأيمن في العمل وخارج العمل ! . وكانَ "س" مُسرِفاً ويلعب القمار ويرتاد الملاهي .. حاولتُ أن ألفتَ نظر رجُل الاعمال، واُلّمِحُ الى التجاوزات التي يقوم بها " س " وعدم أمانتهِ .. فكانَ يسألني عن الدليل؟ وكنتُ ارُد عليهِ : انه يُقامِر ويسهر في المواخير والملاهي ويصرف ببذخ .. فَمِنْ أين له ذلك وهو الكَحيان؟ كان يجيبني : كُل هذا أعرفه، وهو نفسه يخبرني بذلك، وانا أعطيه راتباً جيداً وهو حُرٌ في التصرُف بهِ !! . على كُل حال .. قبل سنوات عديدة .. قام " س " بتأجير دارٍ في دهوك، ويقيم فيها لوحدهِ ... فرَجعَ مُتأخراً من إحدى سهراتهَ، بسيارته ولم ينزل ليفتح باب الكاراج، لأنه كان مُتعَباً وسكراناً، بل تباطأَ قليلاً ودفعَ الباب الحديدي بسيارته حتى إنكسرَ وأنفتح !! . وفي الصباح ذهب الى الحي الصناعي، وجلب معه حداداً مع عُدّتِهِ ليصّلِح الباب ... قد يحدث هذا الأمر، مع الكثيرين مرةً واحدة .. لكنه مع صاحبنا تَكّررَ مرتين وثلاث في الأسبوع الواحد .. حتى انه عندما كان يذهب عند الحداد صباحاً، لاينزل من السيارة، بل يؤشِر للحداد بإتجاه المنزل فقط .. فيذهب الى هناك لوحده .. ويأخذ اُجرته على داير مليم ! . هذا البطران، الذي يستنكف النزول من السيارة، ليفتح الباب، بل يصدمه بالسيارة ليفتحه عنوةً .. إعتبرَ ان في الأمرِ طرافة وتفّرُدا ! .. فكان يفعل ذلك في معظم الليالي .. الى أن إستاءَ منه الجيران، الذين يَصحونَ على صوت إنكسار الباب .. فإشتكوا عليهِ في مركز الشُرطة .. لكّنَ لأن صاحبنا " س " كانتْ له علاقات مع بعض المتنفذين في الامن .. فلم تكن الشرطة تستطيع محاسبته !.

مّرتْ الأيام و " س "، مازالَ مواضباً على إخلاقياتهِ المتدنية، وسلوكهِ الأعوج .. وتوّرطَ في مشاكل إجتماعية عديدة .. خرجَ منها بصلافتهِ المعهودة ولا مُبالاته بالقِيَم .  في تلك السنين، إستطاعَ " س " بأساليبهِ المعوجة، أن يجمع ثروة، من خلال " إستثمار " علاقته برجُل الأعمال وإستخدام أسمه في معاملاته .. وكذلك علاقاته أي "س"، المتشعبة مع الجهات الامنية المشبوهة .. وأصبح أحد ( شخصيات ) المُجتمع التي يُشارُ لها بالبنان ! .

..............................

هذا النموذج من البشر، موجود بكثرة اليوم في المجتمع .. والغريب، انه ما زالَ على نهجه الأرعن وسلوكياته المُشينة .. وبالرغم من ذلك، فأنه يعيش بِرفاهية ويبدو عليه انه مُرتاح الضمير .. والطامة الكُبرى، ان " المُجتمع " يتقبلهُ بِرحابة صدر، لأنه " ناجح " و " شاطر " ! ... وما يُسّبِب لي الكَرب .. أن يتمتع ابنه الفاشل بِكُل الإمتيازات والتسهيلات والإمكانيات المادية .. ويضطر ابني أن يعمل كي يُوّفِر" بالكاد " مصاريف دراسته الجامعية ... وبالرغم من هذا، فأن [ ُرَص] الأول، في مجتمعنا المُشّوَه، أفضل واكثر من فُرَصِهِ !.

..............................

ان " س " يُعيد إنتاج شبيه له من خلال إبنه ... وأنا " رافضاً الإنصِياع لشروط التيار العام المُنبَطِح "،  اُراكِم الأزمات المتنوعة المادية والمعنوية وأضعها في طريق إبني .. يالغرابة الحياة !!.

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2115 الاربعاء  09 / 05 / 2012)

في المثقف اليوم