أقلام حرة

ضعف الطالب والمطلوب / زكي السراج

(لماذا الإلحاد) ليبدأ من نقطة المنبت الذي لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى، ورضي لنفسه أن يزيد من سعار حمى الصراع بين فرقتين تقعان في جهة واحدة وليس كما يتوهم في جهتين متقابلتين!!

إن بناء مجد الإلحاد المزعوم على معزوفة نشاز لا تقبلها حتى أذن البهائم مفادها أن (الإرهاب والمفخخات والقتل المذهبي والطائفي أبطاله الحقيقيون هم المتدينون وذلك بسبب أن الدين والله سبحانه الذي يؤمنون به هو الذي جعلهم يكونون هكذا!!) ويقابلهم الملحد المسالم الذي لا يؤمن بالله ولا يمتلك منظومة قيمية إقصائية ولا منهاج عمل تصفوي، بل هو مرهم يداوي جراح المتضررين من الدين!!

هذه الشنشنة كما ذكرت في مقال سابق قديمة قدم ابن ادم (ع) على هذه الأرض وإن تلبست في كل زمان لبوسا يختلف عن لبوسها في الزمن الماضي، ولكن المخلوق الذي يرتدي هذا اللبوس هو نفسه مفردة من مفردات تلك النماذج التي حكى عنها القرآن الكريم باعتبارها من تاريخ البشرية الذي أضاعته البشرية حتى لا تفكر في ماضيها الانتكاسي ولا تتعظ منه في حاضرها ولا تبني مستقبلها بتجاوز بلاءاته.

إن ما فات المروج للإلحاد هو إن الدين لا يمثله المتدينون الذين يفخخون أنفسهم وينشرون الرعب في الشوارع والأزقة والطرقات، بل الدين يمثله أهله المقتولون المشردون الملاحقون المقصيون المفروض عليهم الحصار في أبسط حقوق الإنسانية هو أن يتكلموا ويرفعوا أصواتهم برسالة الرحمة التي جاؤوا يحملونها من الله الواحد الأحد الذي يعمل مترجم كتاب (الفرضية الفاشلة) ومن قبله مؤلف الكتاب على طمسه في أنفس الناس من خلال انتهاجه اسلوب الاغراء الذي في ظاهره كأنه يختلف عن المنهجين التقليديين ؛ الترغيب والترهيب، ولكنه في أصله ينطلق من ذات المنظومة العامل عليها المنهجين المعروفين.

ربما ينجح دعاة منهج الالحاد في اجتذاب عدد من الناس إلى ساحتهم وربما ينجذب إليهم قوم انطلت عليهم الخدعة وتوهموا أن رواد نادي المففخات الجديد هم مؤمنون بالله الواحد الأحد وإيمانهم هذا هو من دفعهم إلى هذه الأعمال الإجرامية التي لا يختلف على إدانتها حتى البهائم التي لم تنج ببهيميتها من تسخير هؤلاء المجرمين لها، ولكن ما لم يلتفت إليه هؤلاء المخدوعون أن رواد نادي المفخخات هم عجينة من خليط غير متجانس شاركت في صنعه أيدي الساسة والمؤسسات الدينية صاحبة الطقوس اللزجة ومن خلفهم صاحب التخطيط الخفي المستفيد من كل هذه الخلطة الغريبة العجيبة وهو هذا المنهج الجديد القديم الذي يروج له صاحب (الفرضية الفاشلة).

في المقال السابق (ماذا يعني أن يكون الإنسان ملحدا) ذكرت أن الدافع الرئيس خلف هذا المنهج هو التكبر والتعالي والتمرد على أمر الله الواحد الأحد سبحانه، ولكن أحد القراء المثقفين واخذني على قولي هذا وأعطاني رابط لقراء كتاب (الفرضية الفاشلة) ناصحا إياي أنني ربما بعد قراءتي للكتاب أرى وجها آخر للإلحاد كنت أجهله، وأخذت بنصيحة الاخ القارئ ورحت أقرأ الكتاب مع ملاحظة أن صاحب النصيحة انتقد المقال السابق بقوله (ذهبت بها عريضة)!!

ولما وجدتني اقرأ مقدمة المترجم وبعضا مما قاله المؤلف في كتابه استذكرت حادثة تاريخية أخرى مرت بها البشرية في مسيرتها المتخمة بمحاربة الدين وبشتى الوسائل، ومن تلك الوسائل العلم المادي، فمثلما يعد الجهل وسيلة لحرب الدين كذلك العلم سخره أصحابه لحرب الدين وهذه الحرب كيفما كانت فهي ترفع راية واحدة مع تبدل الاشخاص الذين يرفعونها هذه الراية مفادها أن (الله الواحد الأحد سبحانه هو ليس أكثر من وجود وهمي)!! لماذا؟؟!! لأنه بحسب ما يقدم صاحب كتاب (الاطروحة الفاشلة) فرضية لا وجود لها محسوس حتى فيما اصطلح عليه بإله الفجوات، وهذه الفجوات هي محطات عجز يعبر العلم بها عن مقدرته المحدودة ليجد المنطق المؤمن ـ بحسب ما يقول صاحب الكتاب ـ مساحة للقول أن بهذه الفجوات عرفنا الله سبحانه وآمنا به.

فصاحب الكتاب فتنه العلم إلى درجة أعشى بصره وبصيرته عن النور الذي به علم وعرف تماما كما فعل العلم بقارون الذي هو من قوم موسى(ع) فبغى عليهم لما فتنه العلم فأوصله إلى القول (إنما أوتيته على علم عندي) فكان من حاله ما كان بحسب ما بين القرآن الكريم ذلك، قال تعالى مبينا قول الملحدين واحتجاجه عليهم عسى من يقرأ أن يتفكر ويتدبر وينصف إنسانيته من هوة اللهاث خلف سراب لن يكون ماء أبدا : {وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ * وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ * إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}(القصص/70-83).

هذه الآيات من سورة القصص كفيلة ببيان الحقيقة، وبيان أن الدين لا يُعرف بالناس، فالناس خدعهم قارون وأغراهم بمظهره الذي خرج به، ولكن من ثبت وكان يرى الحقيقة واضحة ناصعة هو من تمسك بموسى(ع) المبعوث الإلهي وهو دين الله سبحانه، فالذي يريد أن يعرف دين الله فليبحث عن مبعوث الهي في زمنه فهو هذا الدين ولا يمثل الدين مؤسسات طفيلية أو كائنات أدمنت رطوبة أقبية (الأنا) وظلمتها، ولذلك لا يستطيع الملحد أن يتحدث عن المسيح(ع) الذي حمل صليبه من أجل الحقيقة، ولا يستطيع أن يتحدث عن محمد(ص) الذي غير وجه الصحراء المغبر القاتم إلى ساحة للعطاء والنور والتسامح والخلق الرفيع، ولا يستطيع أن يقف عند القامات الشامخة التي أنتجتها مدرسة محمد (ص) المؤمنة بالإله الواحد الأحد مثل علي بن أبي طالب(ص) أو الحسن أو الحسين(عليهما السلام) أو باقي أئمة أهل البيت(ع) على الرغم من كل حملات التضليل والتشويه والتجهيل.

واليوم كأنها البشرية لم تستفد من درس قارون وما حل به وبمن أغراه نهج قارون وعادت سيرتها الأولى ليظهر لنا قوم فتنهم العلم المادي فراحوا يجتهدون في التعالي والتكبر حتى أنهم لم يعودوا يروا أرنبة أنوفهم تكبراً وزهوا وتعاليا وافتتانا بالعلم المادي ومعطياته، ولهؤلاء المخدوعين والمفتتنين أذكرهم بكلمات الله الواحد الأحد التي أجراها على لسان خاتم أنبيائه محمد (ص) لتكون جرس إنذار ورحمة مستمرة لمن تحاول سكين الغفلة أن تغتال إنسانيته القائمة بالله الواحد الأحد، قال الله تعالى{يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ}(الحج/73) فانتبهوا أيها السادة من هؤلاء الذين فتنهم العلم فأعماهم عن رؤية العليم الخبير فها هو سبحانه يتحداهم في اضعف المخلوقات وأضألها ليكتشفوا حقيقة ضآلتهم وضعفهم وعجزهم أمام القوة الحقيقية (لا قوة إلا بالله).

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2115 الاربعاء  09 / 05 / 2012)

في المثقف اليوم