أقلام حرة

الى متى تستمر الازمات العراقية المتلاحقة؟ / عماد علي

ولم ينقطع عن الازمات التي كانت موجودة ومكبوتة اصلا بفعل الضغوطات وتسلط الحاكم الاوحد القاطع لكل راي ودافن لكل راي مخالف قبل التحرير. رغم ايجاد الدستور الدائم وظهور القوى السياسية المتعددة المختلفة الاعتقادات والمناهج، الا ان الاكثرية الساحقة من القوى المسيطرة هي المتمثلة بالجهات القومية والدينية المذهبية المستندة على سنة الله ورسوله وائمته ومشايخه وسادته ومن نهج نهجهم، ومناهجهم مستلهمة من الكتب السماوية والدينية (و بعض الافكارالدنيوية الارضية المحدودة)  ومرجعيتهم الفكرية العقيدية والايديولوجية هي العلماء اصحاب التوجهات المذهبية القحة، سياساتهم دينية ودنيوية معا في كافة التوجهات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، كما نراها على الارض الواقع وليس استناداعلى الادعاءات المختلفة التي تعلن خلاف ذلك من اجل منفعة ما هنا وهناك . استوضحت الامور ذات العلاقة بطبيعة وفكر وتوجه اهل العراق بشكل علني بنسبة اكبرمنذ انسحاب امريكا، وطفى الى السطح ماكان مغمورا ومؤجلا منذ عقود برغبة كان او بالقوة المسيطرة، وكما راينا بعد مرور كل مرحلة خلال هذا العقد انكشف اكثر مما هو مخفي عن الشعب بشكل عام . هذه الفوضى والهيجانات المستمرة ليست صدفة او وليدة اليوم او العصر او غريبة عن المهتمين، بل تاريخ العراق يشهد على ما جرى من الاحداث الكبيرة التي افرزت العديد من المؤثرات التي تراكمت واصبحت عاملا مهما في مسيرة المكونات المختلفة وغيرت من جوهر حياة هذا المجتمع المختلف الشكل والتركيب والطبيعة البشرية، والمشهود له بموزائيكيته في كافة النواحي التركيبية الاجتماعية والاخلاقية والثقافية . لسنا بصدد المراحل الهادئة نسبيا المفروضة نتيجة الضغوطات والقوة وما اجبرها التسلط والدكتاتوريات التي كانت السبب الرئيسي للكبت والنكد والغليان المخفي، وكان الشعب ينتظر فرصة سانحة كي يظهر ما يتسم به الى السطح علنا كما نشهده اليوم، ولم ينقطع او يمحى ما هو المضر رغم تغيير العصر والحياة ايضا في هذه البقعة .

ان كانت الظروف الذاتية والموضوعية مساعدتان ومتبنيتان للحال الموجودة ولا يمكن ان نزيح او نمنع المسببات لما يجري الا بعمليات قيصرية كبرى فلابد ان نبحث عن الحلول الواقعية الجذرية الصحيحة لقطع دابرهذه المشاكل والحوادث والتي اصبحت ظواهر ومن ثم القضايا الشائكة والمشاكل العويصة الى الابد، وهذا لا يحدث بافعال وطرق ذات مخارج مؤقتة ابدا .

ان كانت السياسة العلمية الصحيحة عملية مستمرة لادارة المجتمع ومن اجل تقدمه ولحياة سليمة رغيدة لابناءه، والتي لها ركائز لا يجوز الاستغناء عنها في اي مكان وزمان ما، لانها نابعة من المصالح وما يخص المجتمع ومعيشة المواطن وما يتصف به من حيث الثقافة العامة والوعي واخذة بنظر الاعتبار الاقتصاد الموجود، فان العراق يتميز عن غيره في الكثير من الامور التي من الواجب الاخذ بها كركيزة وقاعدة لعبور النفق المظلم الذي انحصر فيه منذ عقود دون التقدم نحو المنفذ او عدم وجود المنفذ اصلا. منذ انبثاق العراق كدولة بالطريقة والشكل المعلوم دون الاستناد على ما يحوي ويتركب مجتمعه، وكان يرافق انبثاقه بنيان النفق الذي دفع راسه والكثير من اجله لحد اليوم .

ان كنا صريحين بشكل جيد من اجل منفعة الكل وافادته بما نطرح، دون الاعتماد على اية خلفية، ويجب ان يكون الهدف انساني عقلاني تقدمي في جو من الحرية للتوجه نحو العدالة الاجتماعية كما يبتغيه اي انسان على المعمورة . ولترك هذه المرحلة ورائنا دون رجعة ومن اجل ايجاد الحلول القطعية وانهاء الازمة نهائيا في العراق، لابد من وجود شجاعة وجراة من حيث القيادة والطرح وفي بيان الاسباب كما هي دون تزييف من اجل اهداف خاصة، وهذا ما يبعدنا عن الحلول التكتيكية السياسية التي لا تفيد سوى مجموعة او جهة معينة فقط وعلى الضد من مصلحة الجميع .

بقراءة سطحية لما موجود الان، وبتعمق بسيط في تسلسل الاحداث وثنايا الامور وما يخص الشعب، لابد ان نتعرف على ماهية الشعب كما هي من اجل بناء الحلول المنطقية . اننا متاكدون بان تركيبة الشعب العرقي والديني والمذهبي وحتى الاخلاقي والثقافي غير منسجمة تماما، لا بل متعارضة في اكثر من موقع ومكان،و لا يمكننا (ان استندنا على العلمية في التقيم) ان نعرٌف هذا المجتمع بانه شعب بمعنى الكلمة وكما اكد ذلك السابقون ايضا، مستندين هذا الراي والتوضيح على النواحي الاجتماعية العقيدية ةالفكرية التاريخية الثقافية، ولا يمكن لاية قوة كانت في مثل هذه الظروف والمضمون العام لهذا الشعب ان توحد هذا المجتمع وترضي الجميع وتكون عادلا وقراراتها في مصلحة الجميع، وتضمن عدم العودة الى المربع الاول، مهما كانت الياتها وادواتها وتوجهاتها واساليبها وسياساتها . لابد ان تسيطر جهة بعينها على حساب حقوق الاخر وفق الثقافة العامة التي يمتلكها الجميع دون استثناء، وهي في الاول والاخير من رحم هذه الظروف الموجودة التي ولدته . فلا الدستور ولا القوانين النابعة منه ولا الديموقراطية ولا القيادة الرشيدة ولا اية عقيدة او منهج يمكنه ربط الاختلافات الجذرية الموجودة في صحن واحد وان تمكن بالقوة حصرها في بودقة واحدة لفترة معينة . ان الواقع يحتاج لمرحلة توزيع الادوار والحصص، والتقسيم العادل الملائم للتركيبات خير من تظلم احد وسيطرة احد على حساب الاخر كما كان وما هو الحال لحد اليوم، فيجب البدء بالفكر العقلاني بعيدا عن العقائد والايديولوجيا اولا ومن ثم ترك الامور بيد اصحابها لامركزيا ليقرروا ما يهمهم ويخصهم بانفسهم وبحرية تامة من اجل اشاعة روح التعاون وبناء الثقة وارضية عدم التعدي على حقوق او نفي الاخرثانيا، لحين الوصول الى مرحلة ما تستوجب التقارب والتواصل وتبادل المنفعة وربما الدمج الاختياري الطوعي والاتحاد ايضا، والا كلما استمرت الازمات وفُرضت الحلول الناقصة فوقيا تفاقمت الامور تعقيدا وخطورة، والمراحل السابقة دليل ومثال على ما نقول رغم وجود بنية الدولة القوية وليس كما نراها اليوم، ولنوضح الامر اكثر يجب ان نلقي نظرة على الدول المجاورة التي تفرض الاتحاد الفوقي القسري بالقوة الغشيمة وهي غارقة في مشاكلها اكثر من العراق ايضا ولم تدع مواطنيها ات يتنفسوا بحريتهم، الا انها لم تكشفها وستحين الفرص لبيان ما هم فيه الى العلن كما وصل اليه العراق . ان كنا ننوي الاستمرار في النهج القديم ونتوجه نحو دولة قوية متسلطة دكتاتورية لفرض ما يتطلبه الامن والاستقرار فقط دون النظر استراتيجيا الى القضايا والامور، وكان هم السلطة هو مصلحتها دون الاهتمام برغبة مكونات الشعب كافة، ربما يمكن ان يعود الهدوء لمرحلة بسيطة معينة فقط ونضر بالمصلحة العليا والاستراتيجية الصحيحة لهذا المجتمع كما هو حال اغلبية دول المنطقة، وبه سنعيد التجارب وافعال السلطات السابقة ذاتها منذ عقود، والمتضرر الاول والاخير في النهاية هو المجتمع فقط .

ان كنا حقا نريد بداية واساس صحيح لمرحلة تسير بشكل صحيح وملائم لمابعد التحرر، فلابد من خطوات مناسبة وبعقلية مستقبلية تقدمية والاخذ براي كافة المكونات الرئيسية والسير على نهج حق تقرير المصير لكل مكون عبر عملية سياسية متكاملة، والا ستسمر الازمات الى الابد وان اخفتت ربما في مرحلة بشكل مؤقت نتيجة استخدام القوة المفرطة، او تعاد الدكتاتوريات باشكال ومضامين وافكار ومناهج مختلفة واحدة تلو الاخرى رغم الترقيعات المختلفة المتخذة من قبل السلطات المتعاقبة . فهل من مفكر انساني عقلاني تقدمي مخلص مجيب لما يفرضه الواقع العراقي ام يجب ان نستند دائما على المثاليات والنظريات والافكار الخيالية دون النظر الى الارض وما فيها وما تتطلبه لخير المجتمع. وهل التضحيات المطلوبة تدخل من باب المثاليات والعاطفة التي لا تعتمد عليها السياسة العلمية الصحيحة، ام القيادة العلمية الجريئة المخلصة تهمه مصالح الجميع، وهل يمكن ان نجد من يتصف بتلك المواصفات المطلوبة في هذه المرحلة في العراق، ام البنية الفكرية المنهجية الايديولوجية للجهات والقيادات لا تبشر بالخير، هناك من مجيب طبعا، ولكن السؤال المصيري الذي يحتاج دائما الى الجواب المقنع هو، الى متى الاستمرار في الازمات والقضايا الشائكة منذ عقود وراحت ضحية الاخطاء والمصالح الحزبية الشخصية العديد من الارواح دون وجه حق .

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2118 السبت  12 / 05 / 2012)


في المثقف اليوم