أقلام حرة

كوردستان والتحرر الفكري في زمن تفكيك الديكتاتوريات والأصوليات / سامان سوراني

اليوم أصبحنا شاهداً عل? ثورات سياسية، إقتصادية، فكرية، تقنية، ثقافية وخلقية وهي تطفوا عل? المسرح الكوني وتعمل عل? خلق الانسان الرقمي، الذي لا يتعامل مع معطيات وجوده والأحداث التي تنبع من بيئته إلا بلغة الإختراع والإبتكار والتحويل والبناء. ولا يمكن التسبيح بحمد الإنسان، الذي لا يحسن سو? إنتهاك الانسانية، تحت شعارات الحقيقة والحرية أو العقلانية والعدالة. الضرورة تدفعنا ال? القول، بأن هناك حاجة ماسة ال? مساءلة مفهوم الإنسان، لتفكيكه وإعادة بناءه، لغرض فتحه عل? ممكناته واحتمالاته وعل? الكائن البشري الإعتراف بدونيته عل? المستو? الوجودي، حت? يتحرك نحو الاعتراف بالآخر عل? الصعد السياسية والمجتمعية والثقافية، بل حت? المعرفية، وهذا التحرك لا ينتج، إذا ما لم يقوم صاحبه بكسر منطق الوحدانية والمركزية والإصطفائية التفاضلية وإذا ما لم يقاوم إرادات التأله والقبض والتحكم والمطابقة والمصادرة والاحتكار.

التغيير‌ات التي طرأت في العالم العربي أثبتت أيضاً بأن العالم الجديد لا تصنعه الكتب السماوية ولا الفلسفات المادية، بل الكتب الرقمية والانتفاضات السلمية، التي تسجل نهاية زمن البطولات الدموية والبيروقراطيات الثقافية.

عل? الفرد الكوردستاني كشف موقعه عل? خارطة الحداثة، لير? فيما إذا كان هو فاعل ومنتج، أم مازال مستهلك وتابع وغير فاعل. لقد بات من الضروري إستثمار الموراد عل? نحو أحسن تنميةً وثراءً وعليه إستثمار التراث الهائل في ضوء أسئلة العصر، بتحويله ال? منتجات ثقافية أو ال? عملات حضارية وقابلة للتداول، بمعن? إستخدام العقول بصورة حية وخصبة، أو نامية ومتجددة، فعّالة وراهنة. من يتعاط? مع العالم المعولم والرقمي بالعدة الفكرية القديمة، التي فقدت مصداقيتها عل? أرضها بالذات، ويدعوا ال? الحداثة الخادعة والمضلّلة لا ينتج سو? الأزمات والمآزق ويعود بالمجتمع ال? كهوف الماضي وأ?فانه.

أما من الطرف الآخر فنر? بأن صاحب الفكر الأصولي يسع? ال? إستعادة الأصل والتطابق معه محكوم للماضي بنماذجه وصوره وأطيافه. ولهذا فهو ينفي حقيقة الحاضر ومشروعيته ولاير? فيه سو? البطلان والفساد، ومن ثم يسع? ال? تغييره بأي ثمن ?ان، فلا يهمه الوسيلة، بل المهم عنده أن يتغير هذا العالم الذي لا ينطوي إلّا عل? الشرّ والإثم ويعتبر وحده دون سواه ينتمي ال? الفرقة الناجية. والاصطفائي يعتقد بصفاع عنصره، كونه وكيلاً لله عل? الأرض مكلفاً تنفيذ شرعه وأح?امه وهكذا يستعد لممارسة العنف ضد من لا يتماثل معه. 

الديمقراطية معتقد فكري ومنهج سلوكي ونظام حياتي، يشمل بنطاقه كل أوجه النشاط الإنساني. وفي حالة عدم وجود المادة البشرية المؤمنة بالديمقراطية والساعية لتطبيقها، لا يمكن الحديث عن إستيلاد أنظمة ديمقراطية تضمن الحد الأدن? من العدالة الاجتماعية والسياسية في مجتمع تدار الشؤون فيه بعقل أفقي، تواصلي، تبادلي، بعد كسر العقليات البيروقراطية المركزية الفوقية.

إن القول بعدم جواز أعلان الدولة إلا بتوفر شروطها لا يمكن أن ي?ون سو? إجتهاد بشري مبنيّ عل? إعتقاد خاط?ء غير منطقي، يملأه الدعاة وديناصورات التراث السياسي بنزعتهم التلفيقية للنظريات ولفبركة الأوهام، للختم عل? العقول بالدعوة ال? الاقتصار لإنتاج العزلة والهشاشة والهامشية عل? مسرح الأحداث. فإرادة الإنسان للحقيقة تعطيه فيضاً من الفراغ ليتمرغ فيه، وهذا الفراغ يجبره عل? إدراك ذلك كدافع، لأن الحقيقة دائماً وأبداً أضعف من الجوع والخوف.

المجتمع الكوردستاني، رغم وجود بعض من أصحاب العقول المفخخة والهويات المغلقة والثقافات العدوانية فيها، تملك غن? في المعطيات، كما تملك فائضاً في الموارد، أما الانجازات فهي موجودة ولكنها ليست بالمستو? المطلوب والسبب يعود ال? الضعف في الأفكار الحية والخصبة والخلاقة. فبالخلق يثبت الواحد جدارته وفرادته، وبالتحول يحرف كيف يتدبر التحوّلات.

علينا ببناء القدرة وممارسة الحضور والفاعلية، وليس التشبث بأوهام السيادة، بل المساهمة في اختراق الحدود وخلق الأمداء والمجالات ومدّ الجسور وفتح الخطوط وإختراع صيغ التعايش وليس استعداء العالم.

و ختاماً: "إن طغيان البعد الواحد عل? الشخصية، أو التفكير بمنطق أحادي الجانب يقوض حرية الفرد وقدرته عل? الخلق والإبتكار ويبلّط الطريق لسيطرة عقلية الدعوة والمناضلة عل? لغة الفهم وإرادة المعرفة."


د. سامان سوراني 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2119 الأحد  13 / 05 / 2012)


في المثقف اليوم